ٍَالرئيسيةتحقيقات - ملفات

التحدي الاستراتيجي المركّب الماثل أمام إسرائيل في ثلاث جبهات

لجنة السياسات في - برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاد

موقع المعهد، أواسط نيسان/أبريل 2022
التحدي الاستراتيجي المركّب الماثل أمام إسرائيل في ثلاث جبهات
لجنة السياسات في – برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاد

المعركة على الاستقرار الأمني

  • تدلّل موجة العمليات التي حدثت خلال الأسابيع الماضية على حجم التحدي الذي تواجهه أجهزة الأمن الإسرائيلية بالتعامل مع “المنفّذين المنفردين”، الذين يتحركون من خلال المحاكاة، من دون انتماء إلى بنية أو منظمات “إرهابية”. خطر المواجهة الشاملة قائم، على الرغم من انعدام الرغبة لدى جميع الأطراف في السير في هذا الاتجاه (“حماس”، والجهاد الإسلامي، والمجتمع الفلسطيني)، ويعود هذا إلى “الإرهاب” الذي تقوم به “الذئاب المنفردة”، كما التصعيد في المواجهة العنيفة بين قوات الأمن والفلسطينيين في الضفة والقدس.
  • العمليات التي تحظى بتأييد واسع في المجتمع الفلسطيني، لا تُترجم إلى خطوات شعبية أو تحركات من “حماس” والجهاد الإسلامي ضد إسرائيل. لذلك، في هذه المرحلة، تبقى العمليات في إطار انفجارات فردية، لا تنجح في إشعال مواجهة شعبية واسعة في الضفة الغربية، أو عملية عسكرية مع قطاع غزة. “حماس” تلجم ذاتها، وتمتنع من خطوات تصعيدية، على الرغم من التحريض المنفلت، وإعلان الدعم للعمليات ضد إسرائيل. أما المجتمع الفلسطيني فيتضامن مع العمليات ضد إسرائيل، لكنه في ذات الوقت يفضل الحفاظ على الوضع القائم، وعدم دفع أثمان اقتصادية عالية. أما السلطة الفلسطينية، فتبيّن حجم ضعفها وفقدانها قدرة الحكم والسيطرة الأمنية في المناطق الموجودة تحت مسؤوليتها.
  • خطر الانفجار ارتفع درجة إضافية في ظل الأحداث الأخيرة، والمسافة ما بين عملية فردية تكتيكية تتحول إلى تصعيد استراتيجي باتت أقصر بسبب ديناميكية الأحداث وضعف السلطة وأجهزة الأمن الفلسطينية. الموجة الأخيرة تذكّر بانتفاضة الأفراد (2015-2016)، وتفرض على إسرائيل استراتيجيا حاسمة – أمنية وسياسية، لوقف العمليات من خلال تقوية السلطة وقدراتها على فرض السيادة في مناطقها، كما الامتناع من الوصول إلى مواجهة شاملة ستؤدي إلى ضرر في التجهيز والتعامل مع الخطر الإيراني المتزايد.
  • العمليات “الإرهابية” دفعت بالرأي العام إلى الانتباه إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا وإسقاطاتها الدولية التي تزعزع الاستقرار، إلى جانب المفاوضات لتجديد الاتفاق النووي ما بين القوى العظمى وإيران، تفرضان على إسرائيل تحدياً استراتيجياً مركّباً للأمن القومي الإسرائيلي.

 

 

المعركة العالمية وإسقاطاتها على الأمن القومي

  • إن الحرب في أوكرانيا مستمرة ولا يظهر في الأفق أي مسار سياسي من شأنه إنهاء القتال. روسيا عيّنت قائد الجبهة الجنوبية في قيادة القوات الروسية في أوكرانيا، بهدف تعظيم قوة العملية العسكرية، وزيادة الضغط شرق أوكرانيا لتحقيق حسم واضح ومباشر في ساحة المعركة، وبصورة خاصة في ظل الإنجازات القليلة التي حققها الجيش الروسي حتى اللحظة. هدفت العمليات العسكرية الروسية شرق أوكرانيا، بحسب مصادر استخباراتية غربية، إلى إعلان النصر في 9 أيار/مايو (يوم النصر على النازية)، في خطوة من شأنها أن تربط الحرب الحالية بالرواية التاريخية للانتصار على النازية.
  • إن “صورة النصر” التي يريدها ف. بوتين تواجه صعوبات بسبب الدعم الغربي لأوكرانيا، الذي يتركز في عقوبات اقتصادية غير مسبوقة ومعركة سياسية شاملة. زيارة رئيس الحكومة البريطانية إلى كييف، والمسار المسرّع لضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، يدللان على الدعم الغربي غير المشروط، كما على سقف هذا الدعم في ذات الوقت. صحيح أن الولايات المتحدة والغرب يدعمان أوكرانيا بالسلاح المتقدم، ويساعدانها على تقوية قدرات الجيش الأوكراني العسكرية، لكنهما يمتنعان من أي تدخُّل مباشر، تخوفاً من انزلاق الأمور نحو معركة شاملة.
  • الصدمة العالمية جرّاء المجازر بحق المدنيين في بوتشا، والصور الصعبة للضرر الواسع الذي يلحق بالمدنيين بسبب القصف الجوي والمدفعي غير الدقيق، لم تدفع بتغييرات عملية في سياسة تفعيل القوة لدى الغرب، الذي يمتنع من خطوات عسكرية مباشرة. هذه الحال تعزّز المخاوف من أن الضرر بالمدنيين، الذي يبدو كخطوة روسية مقصودة الهدف منها كسر إرادة وروح القتال الأوكرانية، سيزداد مع استمرار المعركة، من دون رد عملي من جانب الغرب يردع روسيا.
  • في المقابل، الأثمان الاقتصادية في الساحة الدولية ترتفع، وتقلّل من فاعلية العقوبات. روسيا تستمر في تصدير الطاقة إلى أوروبا غير المستعدة في هذه المرحلة لدفع ثمن وقف النفط والغاز الروسي، الهند والصين مستمرتان في إقامة علاقات اقتصادية واسعة مع روسيا وتقللان من فعالية العقوبات، أما دول الخليج فلا تستجيب للضغوط الأميركية لزيادة إنتاج النفط بهدف لجم ارتفاع الأسعار.
  • هذا بالإضافة إلى أن الأزمة العالمية تهدد الأمن الغذائي لدول حوض المتوسط التي تعتمد على القمح من روسيا وأوكرانيا، وترفع نسبة الفقر بسبب ارتفاع الأسعار، وتهدّد الاستقرار السياسي في المنطقة. ارتدادات الحرب في أوكرانيا يمكن الشعور بها في القاهرة وعمّان وبيروت ودول أُخرى في المنطقة، كما تنتج تهديداً استراتيجياً غير مسبوق للأمن القومي لهذه الدول، ولاستقرارها.

المعركة على الاتفاق النووي

  • المفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي ما بين القوى العظمى وإيران وصلت إلى طريق مسدود، بسبب الشرط الإيراني بإخراج الحرس الثوري من لائحة “الإرهاب”. القيادة الأمنية الأميركية (رئيس هيئة الأركان وقائد سلاح الجو في منطقة المركز) تعارض إخراج هذا الجيش من لائحة “الإرهاب”. حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أيضاً عبّروا عن رفضهم علناً نية إخراج الحرس الثوري من لائحة “الإرهاب”، وبصورة خاصة بعد سلسلة العمليات التي قادها التنظيم في الآونة الأخيرة في الشرق الأوسط.
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن البيت الأبيض لم ينشر حتى اللحظة سياسته النهائية بسبب الإسقاطات على البرنامج النووي الإيراني والاستقرار الإقليمي. يبدو أنه لا تزال هناك وساطات لإيجاد معادلة وسط، في ظل فهم أميركا أن الاتفاق النووي سيخدم سوق الطاقة الدولية ويكسر الاحتكار الروسي، وبالتالي يبعد خطر تدخّل عسكري أميركي في الشرق الأوسط. وفي المقابل، فإن تخوفات البيت الأبيض من انتقادات علنية في الكونغرس ومجلس الشيوخ ضد الخطوة التي من شأنها أن تؤثر في انتخابات الوسط، تقلل من هامش الحركة في إدارة المفاوضات.
  • الاستراتيجيا الإيرانية تقوم على الوقوف بحزم ضد التنازل عن أي شرط من شروطها للعودة إلى الاتفاق النووي، إلى جانب الحفاظ على القدرات التكنولوجية وتعظيمها من خلال تشكيل ضغط عسكري، بواسطة أذرع مختلفة، على الولايات المتحدة والحلفاء في الإقليم. هذه استراتيجيا شاملة الهدف منها بث القوة والعظمة والتأثير الإقليمي، مع الحفاظ على القدرات النووية المتطورة، وإفشال نظام العقوبات الذي سيسمح لها بالتحول إلى قوة إقليمية شرعية – اقتصادية وسياسية. وفي حال انهيار المفاوضات، ستستطيع إيران التسريع في برنامجها النووي والوصول إلى منطقة الحصانة، مع رفع حالة التصعيد مع المعسكر السنّي الداعم لأميركا وإسرائيل. تقوم إيران بالضغط على الولايات المتحدة والحلفاء في الإقليم، ولا تمتنع في هذه المرحلة من رفع الرهان، أيضاً بسبب فهم ضعف قوة الردع الأميركية في المنطقة. وفي جميع السيناريوهات، يبدو التحدي القائم أمام إسرائيل واسعاً، متعدد الجبهات وبعيد المدى، يفرض تطوير استراتيجيا شاملة.

الإسقاطات

  • إن انعدام وجود استراتيجيا إسرائيلية شاملة للقضية الفلسطينية لـ”إدارة الصراع” من خلال “العصا والجزرة”، يقلص هامش الحركة الإسرائيلي إلى الفعل وردة الفعل، ويلعب لمصلحة “حماس” في الجبهة الداخلية الفلسطينية.
  • في سياق موجة العمليات “الإرهابية” الحالية، على إسرائيل تفعيل أدوات اقتصادية – مدنية لتهدئة الميدان، إلى جانب تقوية الأدوات الأمنية بهدف الردع وإحباط العمليات الفردية. عملية “جزّ عشب” قوية يتخللها الدخول إلى مواقع الاشتباك (كمخيّم جنين)، إلى جانب الحفاظ على التسهيلات المخصصة للمجتمع الفلسطيني في عيد الفطر، وتقوية روتين الحياة العامة، هو ما يشكّل سياسة متوازنة لردع الانجرار إلى مواجهة شاملة.
  • إلى جانب هذا، على إسرائيل العمل بسرعة لترميم الجدار الفاصل في مناطق الخط الأخضر، وحلّ أزمة الدخول من دون تصاريح، بسبب التحدي الأمني اليومي، لكن أيضاً لحل الأزمة الاستراتيجية لخطاب “الدولة الواحدة” في الجانب الفلسطيني.
  • عاشت إسرائيل سابقاً موجات “إرهاب” مستمرة وصعبة، سقط خلالها الكثير من الضحايا المدنيين. الجبهة الداخلية القومية وتماسُك المجتمع يشكلان العامل المركزي في التعامل مع موجة “إرهاب”، الهدف من هذه الموجات ضرب الشعور بالأمان في الدولة، وخلق بلبلة وفوضى. في هذه المرحلة، هناك مسؤولية كبيرة على القيادة السياسية، ووظيفة مركزية بالحفاظ على تماسُك المجتمع الإسرائيلي أمام “الإرهاب”.
  • على إسرائيل أن تتحضّر لسيناريو توقيع الاتفاق النووي في الوقت القريب، إلى جانب التحضُّر لسيناريو انهيار المفاوضات وتسريع البرنامج النووي الإيراني. الإمكانيتان صعبتان، لكن في الوقت الذي يفرض السيناريو الأول بناء قوة عسكرية وتحضيرات لتعاظُم قوة التهديد الإيراني في الأعوام العشرة المقبلة، فإن السيناريو الثاني يسرّع عقارب الساعة على الصعيد النووي، وعلى صعيد الإقليم، في المدى القريب.
  • استمراراً لما ورد سابقاً، تقوية التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة هو الشرط لتطوير استراتيجيا سياسية وأمنية شاملة للسيناريوهين، تسمح ببناء القوة العسكرية بسرعة للتعامل مع التحديات من جهة، وتمنح الشرعية لخطوات عملية من جهة أُخرى. على إسرائيل أن تمتنع من صراع مباشر مع الولايات المتحدة بكل ما يخص الاتفاق النووي، من شأنه أن يضر بالمساعدات الأميركية الضرورية لتطوير البنية العسكرية.
  • بالإضافة إلى هذا، فإن استمرار الأزمة في أوكرانيا، والكشف عن جرائم الحرب الروسية، يفرضان على إسرائيل الوقوف بوضوح إلى جانب الولايات المتحدة والغرب. على إسرائيل تعزيز التعاون مع واشنطن في كل ما يخص أوكرانيا. الوقوف جانباً في هذه المرحلة يمكن أن يؤدي إلى أضرار في الحلف الاستراتيجي بين الدولتين، ويجني ثمناً أيضاً في عملية التحضير السياسي والأمني للمعركة ضد إيران.
  • وفي الوقت ذاته، فإن الأحداث في الإقليم تخلق الفرص بالنسبة إلى إسرائيل: تقوية العلاقات الاستراتيجية مع دول المنطقة، وعلى إسرائيل أن تقوم بكل ما يمكن لضمان استقرار هذه الدول (اقتصادياً وأمنياً) بصورة مباشرة، أو من خلال الساحة الدولية. تقوم إسرائيل بمأسسة ذاتها كقوة ولاعب مركزي في الترتيبات الإقليمية، وكوسيط أساسي ومفيد لترميم العلاقات وتخفيف التوتر ما بين دول الخليج والولايات المتحدة. على إسرائيل أن تقوّي مكانتها ودورها أمام دول المنطقة وواشنطن، عبر تطوير استراتيجيا أمنية – سياسية شاملة، تساعد في ردع التأثير والتمركز الإيراني في المنطقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى