- “إيران على بُعد أسابيع قليلة من الوصول إلى كمية اليورانيوم المطلوبة للقنبلة النووية”، هذا ما يقوله رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، الجنرال عميت ساعر. “ليسوا هناك، لكنهم يقتربون وهذا مقلق جداً. هذه أكثر كمية جمعوها، وهذا أكثر وضع متقدم وصلوا إليه.”
- في مقابلة خاصة، يقول ساعر إن الإيرانيين يواصلون تخصيب اليورانيوم في ثلاث مراحل- 4%، و20%، و60%، حيث الانتقال من هذه المستويات إلى التخصيب العسكري بمستوى 90%، وهو المطلوب لإنتاج القنبلة، مسألة وقت قصير جداً. “لا توجد لديهم مشاكل تكنولوجية، هذه مسألة قرار. لقد وصلوا إلى سيطرة كاملة على تكنولوجيا عمل أدوات الطرد المركزي المتطورة. يعرفون كيفية الصناعة والتشغيل، وحتى لو وصلنا الآن إلى اتفاق كالاتفاق السابق، سيحتاجون وقت قصير من نهاية الاتفاق حتى تجميع اليورانيوم اللازم للقنبلة.”
- ويتابع ساعر: حتى اللحظة، إيران ستحتاج إلى عامين حتى تستطيع إنتاج قنبلة نووية، لحقيقة أنها لم تسيطر بعد على قضية تركيب القنبلة، ويضيف: “لكن الجزء الأساسي الصعب، وهو تخصيب اليورانيوم، حصلوا عليه. وهذا كارثي جداً.”
وفي حال أرادوا المفاجأة وتفجير مفاعل نووي، ككوريا الشمالية، ووضع العالم أمام وقائع؟
“لا أعتقد أن إيران تريد أن تكون كوريا الشمالية. لا تريد أن تكون معزولة. بل تريد أن تكون دولة مؤثرة في العالم، وجزءاً منه. النووي من جانبهم، هو الأداة لتحقيق رؤية الأمن القومي الخاص بهم، لكنهم حذرون جداً لأنهم يعرفون الأثمان الباهظة المنوطة بالقنبلة النووية والعزلة.”
“إيران في توازن أصعب منا”
إيران تُقلق ساعر على عدة مستويات. البرنامج النووي أكثرها، لكن أيضاً “الإرهاب”، ونشر الأدوات القتالية.
“هناك اليوم توسُّع في الجبهات وفي التهديدات”، يضيف ساعر ويتابع:
“يوجد لدينا اليوم حدث فلسطيني في أساسه. سابقاً، كنا ننظر إلى غزة والضفة، ومن الممكن القدس. اليوم، علينا أن ننظر أيضاً إلى الجبهة الشمالية والعراق واليمن، وإدارة بحث وإنذارات، لاحتمال حدوث شيء من هناك. سابقاً أيضاً، كانت قدرة حيازة 50 كيلوغراماً من المواد المتفجرة، ونقلها مسافة 1500 كلم، وإصابة نقطة محددة، محصورة بالقوى العظمى. اليوم، هذه القدرة موجودة في يد جماعات في اليمن والعراق، تقوم بهجمات من هذا القبيل أسبوعياً. نحن نراقب هذا، ونتحضر للتعامل معه استخباراتياً وعملياتياً.”
يقول ساعر إن الحديث يدور عن صناعة إيرانية كبيرة، لها أذرع في مناطق الإقليم. “أنا أحب أن أعطي مثالاً عن الوحدة 340 الخاصة بقوة القدس، والتي تقوم بتصميم الأدوات القتالية، بحسب التكلفة. هم يعرفون أنهم لا يستطيعون بناء صاروخ يستند إلى تكنولوجيا إيرانية، وأن يتوقعوا من اليمنيين أن يقوموا بتشغيله، لذلك يقومون بتخصيص مصنع خاص لليمنيين.”
استعمال الصواريخ الموجهة والطائرات المسيّرة بدأ، بحسب ساعر، بسبب أزمة إيرانية.
“القذائف عملية حربية، أنت تعرف مباشرة مَن قام بإطلاقها ومن أين. أمّا المسيّرات فمن السهل جداً نقلها، ومن السهل إنكارها. بدأ الاستعمال مع السفن، انتبهوا إلى الإيجابيات، ثم بدأوا بتوزيعه في السوق. حاولوا العمل ضدنا، لكنهم حذرون لأنهم يعرفون صعوبة اختراق الأجواء لدينا، وحقيقة أننا سنرد.”
هل على إسرائيل أن تضرب إيران أكثر في منطقتها؟
“إسرائيل تردع إيران، ولا يجب علينا فرض قيود على أنفسنا بشأن أين نضرب. يؤلمهم كل مكان نضربهم فيه، وإن سألتهم – هم بتوازن سيئ مقابلنا، ولا أتحدث عن المعركة بين الحروب، إنما أمور إضافية سيكون الصمت إزاءها أفضل. لكن لا يجب أن ننسى أن إيران دولة كبيرة جداً، بعيدة، والعمل هناك ليس كالعمل هنا في الدائرة القريبة. هذا يحتاج إلى قدرات أُخرى، وكلا الطرفين يعلم بأن خطوات علنية ستدفعنا بسرعة جداً إلى الحرب.”
توقيع الاتفاق النووي الجديد، باعتقاد ساعر، أُجِّل لأسباب سياسية. “الأغلبية العظمى من القضايا محلولة. ما يؤجل التوقيع هو موضوع العقوبات. هذه القضية لم تكن مركزية في البداية، وكان النظر إليها رمزياً، وهناك حاجة إلى تنازلات من كلا الطرفين. أعتقد أنها ستُحل في نهاية المطاف.”
يرى ساعر في الاتفاق الكثير من السيئات، وإيجابيتين: وقت ولجم. “الآن يتقدمون في جميع المجالات، وهذا ما سيدفعهم إلى الوراء عدة أعوام. اليورانيوم المخصّب سيتم تصديره، أجهزة الطرد المركزي ستُفكك، وهذا مهم جداً. أنا أعتقد أيضاً أن الاتفاق سيؤدي إلى الاعتدال، لأنهم سيريدون استثمار الأرباح المنوطة به. هذا على عكس الاتفاق الحالي، إذ سيكون لديهم خطة نووية شرعية بعد أعوام، وهو شيء مجنون. والأصعب في الاتفاق، هو حقيقة عدم وجود آلية لمنع ذلك. واجبنا أن نضمن عدم حدوث هذا.”
تقصد أن نعيد الإمكانية العسكرية كما كانت عليه قبل عشرة أعوام؟
“ثلاثة أمور أثّرت دائماً في الإيرانيين: ضغط عسكري؛ أزمات داخلية؛ ضغوط سياسية. عندما عملت المحاور الثلاثة هذه في ذات الوقت، تم الدفع بالإيرانيين إلى اتخاذ القرارات الكبيرة. يمكن ردع إيران، ويجب أن يكون لدينا القدرة للعمل ضدها عسكرياً.”
ساعر يعتقد أن التغييرات الاستراتيجية الإقليمية، وعلى رأسها اتفاقيات أبراهام، مهمة جداً في ردع إيران. ويتوقع أن تتماسك أكثر وتتوسع إلى دول أُخرى. “هناك احتمال أن نرى دولاً أُخرى تتقرب. من الممكن ألّا تسير جميعها كل الطريق حتى الاتفاق، لكن جزءاً منها يتحدث من الآن عن تحسين العلاقات مع إسرائيل، وهذا يغيّر كافة التوازنات في الإقليم.”
فسّر انقلاب إردوغان، لم يتحول مرة واحدة إلى صهيوني
“تركيا دولة مركّبة تعيش أزمات اقتصادية وإقليمية، وفي حالة إردوغان، أزمات سياسية أيضاً. وقد وصل إلى خلاصات باردة، تفيد بأن العلاقات مع إسرائيل اليوم هي ثمينة أكثر مما هي حمل. لنا أيضاً، من المهم أن يكون هناك دول في المنطقة نستطيع إدارة العلاقات معها، وعلينا أن نكون قادرين على إدارة الألعاب المركّبة هذه مع اليونانيين والقبارصة، وأيضاً الأتراك، من دون الحاجة إلى الاختيار بينهم.”
“اغتيال؟ الاحتمال قائم”
ساعر في عمر الـ 44 عاماً، متزوج وأب لثلاثة أطفال (“أصمم على الوصول إلى البيت في أعياد ميلادهم، وأدفع بجنودي إلى القيام بالمثل؛ من دون الإنصات إلى العائلات، الناس لا يريدون البقاء هنا”). كان سابقاً مساعد رئيس شعبة الاستخبارات، جنرال في قيادة الجبهة الجنوبية خلال عملية الرصاص المصبوب، رئيس الجبهة الفلسطينية في “أمان”، بالإضافة إلى مركز قيادة الجنوب، ومنذ عام ونصف يشغل منصب رئيس وحدة الأبحاث.
“أمان”، يقول إنه لا يرى هناك يد موجهة لموجة العمليات الحالية. “أشك في أنه يمكن تسمية الحالة موجة أصلاً، كما كان سابقاً. نحن في فترة متوترة جداً، كنا نعلم بأنها قادمة. بدأ هذا مع العمليات التي نفّذها عرب إسرائيليون، وأعادوا من خلالها كل ذكريات الـ2000 مرة واحدة. لذلك، تمت إضافة العمليات من شمال الضفة، وهو ما دفعنا إلى اتخاذ خطوات عدوانية هناك، تشمل اعتقالات احترازية – الانتقال إلى الهجوم. كنا مرغَمين على القيام بذلك لإيقاف المحاكاة، وأحبطنا 3-4 عمليات كانت ستقوم بها خلايا مسلحة في طريقها إلى العملية.
هل كانت ستكون هناك عمليات أكثر لولا هذا الإحباط؟
- “نعم، من المؤكد. الخلية في يعبد كانت تسلحت، وفي الطريق إلى العملية. ويجب الإطراء على الشاباك وقيادة المنطقة الوسطى في الوصول إليها. هذا الاشتباك مع الميدان خلق لنا حدثاً أحبطناه هو الآخر واستمرينا في عملية الإحباط، الاشتباك قل – والآن بعد أسبوع لا يوجد قتلى فلسطينيون في الضفة. هذا يخفف الضغط.”
المجتمع الفلسطيني لم يكن جزءاً ولا للحظة من هذه القضية. هناك تعب، وأيضاً عدم معرفة واضحة بسبب هذه العمليات. مقولة إن “الأقصى في خطر” لا تؤثر كثيراً في المجتمع في الضفة. هذه قضية شرقي القدس، وتؤثر قليلاً في العرب في إسرائيل، لكن ليس الضفة.”
ألم يكن من المفضّل القيام بهذه العملية شمالي الضفة قبل هذا، وبالتالي منع العمليات؟
“بدأنا قبل هذا، لكن كنا نحتاج إلى الوقت للمعلومات الاستخباراتية. كان هناك ارتفاع في منسوب المحاكاة، وهو صعب التفسير. هو موجود ببساطة. ففي اللحظة التي تنجح فيها أي عملية، سيريد الناس حيازة سلاح والوصول إلى المدن الإسرائيلية. لإيقاف هذا، كنا بحاجة إلى القيام بعملية عدوانية، اقتحام قرى كاملة في شمالي الضفة، والقيام باعتقالات، وإغلاق خط التماس، وهذا ما سمح لنا بالوصول إلى وضع أفضل.”
السلطة الفلسطينية تستصعب استعادة سيادتها في شمالي الضفة. “تقوم بخطوات، ويبدو أنها ستحتاج إلى استبدال بعض الأناس هناك. ومن الممكن أن نحتاج نحن إلى الدخول إلى شمالي الضفة لعملية أكثر جدية، مستقبلاً. المشكلة هناك، وتحديداً في مخيم جنين، بنيوية. هؤلاء أشخاص لا يوجد لديهم ما يخسروه.”
ويضيف ساعر: لإسرائيل مصلحة في الحفاظ على روتين الحياة في الضفة. أن يعمل الناس ويحصلون على لقمة العيش. “طالما تستطيع الفصل ما بين المجتمع الواسع البليد، الذي يريد فعلاً الحياة، وبين “الإرهاب”، من خلال خلق معادلة ربح وخسارة، فهذا جيد. وهو صحيح في الضفة، وأيضاً في غزة. الناس هم الناس. معنى أن يعمل غزّي في إسرائيل، هو أن ست عائلات ستعتمد على هذه الأموال التي يجنيها. مصلحتنا في السماح لأكبر عدد ممكن من الفلسطينيين العاديين بالمرور والعمل لدينا.”
ساعر قلِق من نجاح “حماس” في الحصول على قيادة المسجد الأقصى وامتلاكه. “هذه قضية من الصعب التعامل معها، لأنها تتبع عالم الوعي. هذا لا يعني إنه يستحيل التعامل معه في المدى البعيد – هذا العام نجحنا أكثر مما نجحنا العام الماضي. مر شهر على هذه الأحداث، ولم تنجح “حماس” في تنفيذ عملية واحدة. لا في الضفة، ولا في المسجد الأقصى، ولا في غزة. الناس يفهمون أن مقولة “حامي المسجد الأقصى” وغيرها من دون رصيد. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن تجاهُل وجود أعلام “حماس” هناك، وحقيقة أن “حماس” استطاعت أن تربط ما بين الجبهات المختلفة.”
يعرّف ما يجري في المسجد الأقصى على أنه “حرب التيك توك”. بحسب ساعر، “فإننا نتعامل مع الموضوع للمرة الأولى بهذه القوة. يعرفون كيف يصورون الموضوع. أغلبية مَن يرفعون أعلام “حماس” لا ينتمون فعلاً إلى حماس. هم من شرقي القدس، لم يصادفوا رجل “حماس” مرة واحدة في حياتهم، لكنهم كمن يشجع كرة قدم، يعرفون ما يؤلم الفرقة المنافسة. لذلك، يهتفون لمحمد ضيف والسنوار، لأنهم يعرفون أن هذا يؤلمنا. هذا حدث سيئ، وجميعنا نعرف أن علينا التفكير جيداً جداً، لنضمن أن يكون رمضان المقبل مختلفاً.”
دفعنا ثمناً سياسياً إزاء الأردن مع انتقادات غير مسبوقة من رئيس الحكومة الأردني
“أعتقد أن هذا ناجم عن أسباب داخلية – أردنية. لقد تعرضنا لانتقادات كلاسيكية، لا علاقة لها بالموضوع بحد ذاته، وأعتقد أنها ناجمة عن أسباب ومصاعب داخلية. من حقنا الرد على الانتقادات، لكن يجب أن نتذكر أن العلاقات مع الأردن جيدة ومهمة. ويجب ألّا نتأثر بانتقاداتهم أكثر من اللزوم. وهذا لن يؤدي إلى زعزعة العلاقات.”
في المقابل، مصر أخرجت مؤخراً علاقاتها مع إسرائيل إلى العلن – من خلال زيارات علنية والبدء برحلات مباشرة إلى شرم الشيخ. يشرح ساعر أن ما يجري له علاقة بالتغيرات الإقليمية، قائلاً: “المصريون يشاهدون الخليجيين يتجولون براحة داخل عالمنا المرئي من دون أن يدفعوا ثمناً. وهم لا يريدون أن يسبقونهم، ويدركون كم هذه العلاقات ثمينة. الرئيس المصري السيسي يهتم بصورة مثيرة للإعجاب بمعالجة مشكلات مصر الحقيقية – في الاقتصاد والبنى التحتية – وهو يدرك أنه لن يربح شيئاً إذا أبقى العلاقات معنا فقط في الجانب الأمني السري. توجُّهه إلى وزيرتنا للطاقة في مؤتمر في القاهرة كان رسالة واضحة جداً. هو يعلم بأن هذه هي الصورة الوحيدة التي ستخرج من هناك، وكان من المهم بالنسبة إليه أن يكون ذلك في مسألة الطاقة. لقد كانت لفتة إنسانية تدل على تغيير مهم جداً.”
ما هي رؤيته؟
“تحويل مصر إلى دولة ذات اقتصاد أكثر استقراراً وتملك تأثيراً أكبر في المنطقة.”
وما هي رؤيته حيالنا؟
“السلام هو حجر أساس قوي جداً في السياسة المصرية. رأينا ذلك في الانقلاب الخطر الذي قام به الإخوان المسلمون لم يقوّض هذه المسألة. السلام يمنح المصريين الهدوء، واعتقد أن مصر تعتبر إسرائيل اليوم عاملاً إيجابياً في المنطقة. لا أعتقد أن القيادة الحالية في مصر ترى في إسرائيل عدواً. هل يوجد أجزاء من الجمهور المصري تعتقد ذلك؟ أكيد يوجد. لكن هذا الموقف لا يشكل جزءاً من وجهة نظر القيادة.”
عدم الثقة بالأنفاق
يقول ساعر إن مصر هي لاعب مركزي في لجم غزة. “طوال أعوام، اعتدنا القول إننا أنبوب الأوكسيجين لغزة. اليوم مصر لا تقلّ أهمية، وأحياناً، هي أهم أنبوب للأوكسيجين بالنسبة إلى القطاع. لدى مصر القدرة على استخدام العصا والجزرة. وهم بالتأكيد عامل استقرار هناك، ولا يسمحون بانتقال وسائل قتالية إلى القطاع. وهذه مصلحة مشتركة، لأن لديهم تجربة سيئة مع العناصر التي التحقت بداعش في داخل مصر، وهم لا يريدون مرور أسلحة صاروخية عبرهم.”
بالنسبة إلى “حماس”، ساعر مقتنع بأنها لا ترغب في معركة جديدة في غزة. “هذا ليس من باب التقديرات، بل هو معلومات موثوق بها جداً. لماذا لا ترغب “حماس” في معركة؟ لمجموعة أسباب، وليس فقط بسبب الردع. نحن نردع غزة بالطبع، وليس من مصلحة الحركة الدخول في معركة كل عام، وخصوصاً عندما لا تزال في عملية ترميم عسكري ومدني، لكن للردع حدوداً، وهو عنصر واحد من عدة عناصر. وتوجد أسباب أُخرى. بعد عملية حارس الأسوار، عملنا بصورة جيدة لخلق كوابح لامتصاص اضطرابات مدنية. إعادة الإعمار المدنية والعمل في إسرائيل يؤثران في المدنيين، ويؤديان إلى حساب الثمن والخسارة بالنسبة إلى “حماس”. السكان في غزة يريدون الهدوء، و”حماس” – بعكس صورتها – تصغي إليهم جداً. لذلك، هي معنية بتأجيج الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعدم وصوله إلى غزة.”
يعتقد ساعر أن الهجمات التي حدثت في الأسبوع الأخير ضد غزة، رداً على إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ساهمت في تهدئة الأجواء. وأضاف: “لقد كانت هذه الهجمات قوية جداً. بعدها تحركت “حماس” لمنع إطلاق المزيد من الصواريخ، من خلال اعتقالات وعمليات تفتيش ومصادرة السلاح. وهي تمارس ضبطاً للنفس على مستوى عالٍ، وفي إمكانها القيام بالمزيد، لكنها تقوم بالكثير. والدليل عدم وقوع حوادث في كل يوم. تبذل “حماس” جهوداً كبيرة للجم الوضع، ومع ذلك، يوجد في غزة الكثير من العناصر المارقة، وعشرات الفصائل، لكل واحد منها صاروخ، وإذا لم يكن لديها فتسرقه.”
يرى ساعر أن دخول 10 آلاف فلسطيني يومياً للعمل في إسرائيل يشكل رصيداً مهماً. “بالنسبة إلينا، مَن يعمل يفوز بورقة يانصيب. شاهدنا الحشود تتزاحم من أجل الحصول على ترخيص عمل، والأمر الأكثر إثارة للدهشة أن الناطق بلسان “حماس” عرض على الناس تراخيص عمل من إسرائيل، التي لا يعترفون بها، كإنجاز حققته الحركة. وفي رأيي، أن نسْب الفضل إليهم، على الرغم من أن لا علاقة لهم به، هو أمر إيجابي.”
هل ستزيدون عدد العمال؟
“نعم، كلما زاد عدد العمال المطابقين للمواصفات الذين تختارهم، كلما كان هذا أفضل. على المستوى الإنساني، الناس يريدون أن يأكلوا، ويريدون أن يعيشوا. وهذا يدخل أيضاً ضمن معطى الثمن والخسارة ويهدىء النزاعات. بالطبع، هذا لن يحلّ لنا المشكلات، لكنه يقدم لنا المزيد من الأدوات. وهناك حدّان لذلك: ممنوع أن يصبح الوضع في غزة أفضل من الوضع في الضفة، وممنوع أن يتحول دخول العمال إلى مشكلة أمنية.”
في رأي ساعر، تواجه “حماس” مشكلة في إعادة بناء قوتها العسكرية بعد عملية “حارس الأسوار”، ويتابع: “لقد أعادوا بناء جزء من الأمور، وهناك جزء آخر يجدون صعوبة في ترميمه، وهم يعملون على الكمية وليس على النوعية. لا يتفق الجميع معي في المؤسسة الأمنية. لكنني أعتقد أن ‹حماس› بحاجة إلى سنوات كي تعيد بناء قوتها.”
هل يعيدون تأهيل الأنفاق؟
“أحد إنجازاتنا هو خسارة ‹حماس› الثقة بالأنفاق كبعد قتالي. سيكون هناك أنفاق لأن لا خيار آخر لهم، لكنهم لن يستخدمونها كما فعلوا في الماضي. وسترتجف أقدامهم عندما ينزلون إلى هناك، وسيقلصون عدد الأفراد. من ناحية ثانية – ما هي خياراتهم؟”
ما هي انواع السلاح الذي يتعاظم؟
“في الأساس الصواريخ. لم تنجح الحركة في زيادة مدى هذه الصواريخ، ولا في تحسين نوعيتها. هي تعمل في الأساس على زيادة عددها. وإذا لم نتعلم كيف نخفّض من وتيرة النار، حتى عندما تكون غير دقيقة وغير ناجعة، فإن هذا لن يغير شيئاً بالفعل لأن المهم هنا أن جمهورنا سيظل يشعر بأنه يتعرض للضربات.”
هل استطاعت عملية “حارس الأسوار” تحقيق خفض حجم إطلاق الصواريخ؟
“حدث تقدُّم كبير على هذا المستوى. سيكون هناك وضع سننجح فيه، ليس فقط في ضرب الصواريخ التي يطلقونها، بل أيضاً الأماكن التي يطلقون منها النار، وضرب قدرتهم على إطلاق صليات من الصواريخ وقصف المدن. لن نتمكن من وقف النار تماماً، لكننا سننجح في التشويش على قدرتهم هذه.”
يقول ساعر إن السنوار يعتبر نفسه خبيراً بالمجتمع الإسرائيلي. “خذ في حسابك أن كل ما تكتبه يقرأه السنوار. هو يحاول أن يتلاعب بالوعي لدينا كي يظهر أنه يعرفنا. لدينا تجربة مبالَغ فيها لتحويله إلى صورة الشرير. هو شخصية فريدة، لكن ‘حماس’ منظومة.”
هل يجب أن نقتله؟
“أنا لا أركز على اغتيال شخص واحد في مواجهة مع منظومة. هل يجب أن يشكل هدفاً في المعركة المقبلة؟ بالتأكيد. هل يجب أن يكون هدفاً خارج المعركة؟ إخراجه من المعادلة سيكون دراماتيكياً، لكن يوجد هنا الكثير من الغموض. لقد كان إخراج عباس الموسوي [زعيم حزب الله السابق] من المعادلة دراماتيكياً، بعده جاء حسن نصر الله. أنا لا أعرف كيف أكتب سيناريوهات الواقع. أداة قطع الرأس موجودة، لكنها ليست حلاً سحرياً لكل شيء.”
ثمن الاستقرار
يعتبر ساعر حزب الله “تنظيماً إرهابياً تمكن من السيطرة على دولة.” ويعتقد أن نصر الله يرغب في الهدوء في المنطقة الشمالية، ولا سيما الآن، مع دخول لبنان مرحلة الانتخابات. ويقول: “حزب الله الآن هو تنظيم مضبوط جداً ومسؤول حيال استخدام قوته.” هذا الاستقرار له أثمان أيضاً، في الأساس أنه يساهم في عملية تعاظُم قوة حزب الله. “الاعتقاد أنه من الممكن منع تعاظُم قوة حزب الله أمر غير منطقي. يتعين علينا أن نحدد أين لا نريد أن تتعاظم قوته، وأن نركز الجهود على ذلك. يجب العثور على نقاط ضعفه والعمل عليها. وأعتقد أننا قادرون على فعل ذلك بصورة جيدة – النظر إلى المنظومة كلها، من الصناعة الصاروخية في إيران، وصولاً إلى مَن يحصل عليها في حزب الله.”
هناك أهداف حددتها ولم تنجح فيها، مثلاً الصواريخ الدقيقة؟
“في الماضي، كانت الصواريخ الدقيقة محصورة فقط بالدول العظمى. مع التكنولوجيات اليوم، أصبح الأمر أبسط. منذ اللحظة التي حقق الإيرانيون ذلك وتعلموه، كان واضحاً لنا بأننا غير قادرين على منعه إلى الأبد. لكننا ننجح في إزعاجهم وعرقلة عملهم، وفي المقابل، نبني حلولاً من الوقاية والدفاع، وصولاً إلى الهجوم. هناك سباق على التعلم.”
يقول ساعر إن نصر الله قلِق في الأساس من الوضع الداخلي السياسي والاقتصادي في لبنان. “هو لا يريد الاحتكاك بإسرائيل أو استفزازها. هو مستعد أن يتعرض لضرباتنا في سورية ما دمنا لم نمس لبنان، وهو لا يريد تغيير ذلك فعلاً. الحزب يرد بصورة مدروسة، هو يرد على ما نفعله، وإذا غيّرنا المعادلة إزاءه فسيرد. هو يقدس الاستقرار، لكن علينا ألّا نضلل أنفسنا: الإيرانيون يبنون هنا منذ وقت طويل منظومة تستطيع، في رأيهم، مواجهتنا في المستقبل. وهذا ما يجب أن نمنع حدوثه.”
يعتقد ساعر أن هناك تمجيداً مجنوناً ومبالغاً فيه لنصر الله. “يقولون عندنا إنه لا يكذب ولا يخطىء. ميزته الوحيدة، في نظري، هي تجربته. لقد عاش فشل 2006 وترك هذا أثراً كبيراً فيه.”
هل سيطلب منه الإيرانيون أن يتحرك؟
“ليست هذه منظومة العلاقات بينهما. نصر الله ليس خاضعاً للوصاية الإيرانية، هو جزء من المنظومة الإيرانية. وهو لا يتلقى التوجيهات، بل هو شريك في اتخاذ القرارات في إيران. هو رصيد إيراني كبير، يُستخدم فقط من أجل شيء مهم جداً. هو ليس إيرانياً أو لبنانياً، هو الأمران معاً: هو إيراني وشيعي، وأيضاً لبناني. في الأساس، هو اليوم الشخصية الأبرز في المنظومة والقيادة الشيعية بعد الخامنئي.”
يعتقد ساعر أن في الحرب المقبلة في الشمال، سيحاول نصر الله “كي الوعي بصورة كبيرة” تُلحق الضرر بمكانة إسرائيل في المنطقة. “تجربة ستكون صعبة بالنسبة إلى الجمهور الإسرائيلي، مثل ضرر كبير وأحداث مفاجئة. من الواضح له أنه لن يقدر على احتلال الجليل، لكنه يعرف تأثير سيطرة قوة من حزب الله على مستوطنة عدة ساعات. هذا ما يريده. في نظره، ضربة تلو الضربة، والمزيد من التصدع في صورة الحصانة الوطنية، سيؤدي إلى تحطُّمنا بمرور الزمن.”
هل ستواصل إسرائيل جهودها ضد المساعي الإيرانية في الساحة الشمالية في المستقبل المنظور؟
“ما دام هناك محور شيعي فعال، يجب مواجهته، لكن يجب أن نتأكد من أن جمهورنا لن يدفع الثمن. ومجرد استخدام القوة في هذه المنطقة أمر مهم. إن الأهمية التي تنسب إلينا في هذه المنطقة ناجمة عن أننا لا نسمح باستخدام القوة ضدنا، ولا نقف موقف المتفرج في مواجهة التهديدات.”
هل عاد الأسد إلى استخدام السلاح الكيميائي؟
“في السنوات الأخيرة قمنا بعدة عمليات ضمن إطار المعركة بين الحروب ضد محاولاته للعودة إلى استخدام هذا السلاح، وهو اليوم لا يملك قدرات قريبة من تلك التي كانت لديه سابقاً، ولا يشكل الآن تهديداً كبيراً، لكن علينا أن نبقى طوال الوقت يقظين إزاء هذه المسألة كي لا تبرز مجدداً.”
لبنان الضفة الغربية
تعمل شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية في الأشهر الأخيرة على استخلاص الدروس من الحرب في أوكرانيا. يقول ساعر: “هذه مناسبة ضخمة لأنها حرب من نوع لم نعتقد أننا سنشهد مثله. نحاول أن نفهم سبب الأداء السيئ للجيش الروسي. وما الذي تعطل. يبدو لي أنه كانت لديهم وجهة نظر غير صحيحة فيما ينتظرهم في هذه المعركة وحجم المقاومة في أوكرانيا. أعتقد أنهم كانوا يتوقعون شيئاً مغايراً للغاية.”
وما هو الدرس؟
“من المهم أن تفهم، وأن تستعد للمعركة التي تخوضها. لأنك إذا لم تفعل ذلك، فليس مهماً حجم القدرات التي لديك. أنت تبدأ بانزلاقة جانبية، ثم يصبح من الصعب إصلاحها.”
هل من المحتمل أننا نقدّر الجيش الروسي بصورة مبالَغ فيها؟
“نعرف أن هناك فجوة في الجيش الروسي بين مكوّن النوعية وبين مكوّن الكتلة الضخمة التي كانت دائماً متوسطة. لكن أداء سلاح الجو، أو الضربات السيبرانية كما كنا نتوقع أن نراها، والخطوط اللوجستية الطويلة – كلها أمور يجب أن نتعلمها. كذلك بلورة العقوبات ضد روسيا تشغلنا أيضاً.”
هل ترى ربيعاً عربياً جديداً في الأفق؟
“في التقديرات الاستخباراتية السنوية، أشرنا إلى حدثين يمكن أن يشكلا وحيدي قرن رماديين – أي مشكلات نراها ونتوقعها، لكننا لا نعرف متى ستبرز أمامنا. الأول، هو الضفة الغربية، والثاني لبنان. الاثنان يمكن أن يتطورا إلى وضع فوضوي. لا أعرف متى سيحدث ذلك، لكن يجب أن نكون مستعدين لاحتمال انهيار لبنان، وأن نفهم ماذا يعني ذلك وكيف سيؤثر فينا.”