“مركز تموز” والسلاح: لـ”مقاومة” بإمرة الجيش
في إطار مقاربة قضايا إشكالية مرتبطة بمستقبل لبنان والتحدّيات التي يواجهها، نظَّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، بالشراكة مع مؤسسة “هانز زايدل” الألمانية، ورشة تفكير ونقاش في مركزه في جبيل، على مدى يومَيْ 15 و16 نيسان 2022، بعنوان “نحو استراتيجية أمن وطني للبنان”.
يشرف الدكتور أدونيس عكرة على “مركز تموز”، وهو أستاذ جامعي وناشط في التيار الوطني الحرّ ويشغل حالياً مركز عضو في المجلس التحكيمي، اعتقلته الأجهزة الأمنيّة اللبنانية في أحداث آب 2001. وأصدر كتاباً عن تجربته في السجن بعنوان “عندما صار اسمي 16″، فحكمت عليه محكمة المطبوعات آنذاك بغرامة ماليّة بتهمة “الإساءة إلى الجيش اللبناني”. لكن بعد عودة العماد ميشال عون من باريس وتولّي التيار الوطني الحر وزارات عديدة، جرى تعيينه في إدارة “المركز الدولي لعلوم الإنسان” من العام 2013 حتّى العام 2018. ولاحقاً ابتعد عن أجواء التيار وأسّس “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنة”، الذي يُعتبر اليوم من أنشط مراكز التفكير والدراسات في لبنان. وهو يُقيم حلقة حوارية كلّ شهر حول قضية وطنية أو فكرية مهمّة، ويتعاون مع “مؤسسة هانز زايدل” الألمانية ومؤسسات لبنانية وعربية مختلفة.
تضمّنت الورشة الأخيرة، التي عقدها المركز حول قضايا الأمن في لبنان، حوارات تناولت موضوعات أمنيّة في لبنان، وقدّمت مقاربة جديدة لموضوع الاستراتيجية الدفاعية الوطنية والأمن القومي ومستقبل سلاح حزب الله والمقاومة.
تكلّم في الجلسة الافتتاحية الدكتور العكره، والمسؤول الإقليمي لـ”هانز زايدل” كريستوف دو فارتس (من الأردن، عبر تقنية zoom)، ومندوبُها في لبنان طوني غريِّب، ومنسق الورشة العميد البروفسور كميل حبيب.
إلى الجلسة الافتتاحية، كانت ستُّ جلسات عمل، اتّخذت العناوين الآتية: استراتيجية الأمن الوطني: قراءة عامة، استراتيجية الدفاع الوطني، استراتيجية الأمن السياسي، الأمن الاجتماعي والبيئي، استراتيجية الأمن الإعلامي والأمن الاقتصادي، استراتيجية الأمن الوطني مدخلٌ إلى الاستقرار.
وقد داخَلَ عشرةُ باحثين في العناوين، التي تضمَّنتها الجلسات، وهم على التوالي: العميد الركن كلود الحايك، عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية البروفسور كميل حبيب، العميد الركن سامي الحويك، العميد الأسبق لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية د. ساسين عسّاف، الوزير والنائب السابق د. عصام نعمان، عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية د. مارلين حيدر، د. نعمى حلاّق، عميد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية د. إبراهيم شاكر، الخبير الاقتصادي د. جاسم عجّاقة، الوزير السابق والرئيس الأسبق للجامعة اللبنانية د. عدنان السيد حسين.
أبرز الخلاصات والمقترحات
أثارت المداخلات والمناقشات ملفّات أساسية ومهمّة يواجهها لبنان على صعيد الأمن القومي بمفهومه الشامل، وإن كانت ركّزت على موضوع الاستراتيجية الدفاعية وسلاح الحزب والمقاومة.
في ختام الورشة قدّمت التوصيات والمقترحات التالية:
– في إطار وضع استراتيجية دفاعية للبنان، يجب أن تتحدّد المصالح الوطنية، على قاعدة الأمن المادي، وتنضوي إليه حماية مساحة الوطن كاملة، واستعادة الأراضي المحتلّة كاملةً، حماية الموارد الوطنية الاستراتيجية، مكافحة الإرهاب بجميع مكوّناته، تقوية القوات المسلّحة وتحديثها، تنمية القدرات العلمية والتكنولوجية، حماية الحريات العامة، تدعيم الوحدة الوطنية.
– أيّ تصوّر لاستراتيجية دفاعية للبنان يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كيفيّة حمايته وحماية المقاومة في آن معاً، ارتكازاً على ما يواجهه من تحدّيات دولية وإقليمية ومحلّية.
– من حقّ اللبنانيين على “حزب الله” أن لا يحتكر المقاومة لنفسه، وأن لا تبقى مقاومتُهُ مُقتصرة على الشقّ العسكري، فيكون رأس حربة في مكافحة الفساد، والإسهام في تطوير النظام اللبناني، فالنظام الطائفي لا يحمي ظهر المقاومة، بل هو مُهدِّدٌ لوجودها.
– يجب الإفادة من المقاومة، والعمل على تقوية الجيش اللبناني. ولا بأس، مرحليّاً، في إنشاء مكتب لتنسيق العمليات العسكرية، حال الاضطرار، خاضع لقيادة الجيش.
– على الأفرقاء السياسيين في لبنان تحديد مفهوم لـ”لبنان واحد”، والاتفاق عليه، وصولاً إلى وضع استراتيجية وطنية كبرى (أو استراتيجية أمن وطني)، تتناسب مع مصالح الوطن الواحد والموحّد. وعلى أن يُترك وضع استراتيجية دفاعية لوزارة الدفاع الوطني، التي تستعين بما تراه مناسباً لإنجاز هذه المهمّة الوطنية.
– إعادة إحياء مسوّدة الاستراتيجية الوطنية للدفاع، التي وُضعت خلال عامَيْ 2009-2010، والتي لم تُبصِر النور، وهي مسوّدة يمكن الانطلاق منها والبناء على العديد من بنودها. وممّا جاء في بعض هذه البنود: مركزية الحرب والسلم بيد الدولة ومجلس الوزراء، تقوية الجيش لمواجهة إسرائيل والإرهاب، الإفادة من قدرات المقاومة، عبر التخطيط المشترك مع الجيش، في إطارٍ من السرّيّة، توسيع إطار المقاومة وعدم حصرها في طائفة واحدة، وضع مدوّنة سلوك لضبط العلاقات بين الجيش والمقاومة، تطبيق لامركزية التنفيذ في حالة الحرب حتى لا يظهر الطرفان (الجيش والمقاومة) أحدهما مع الآخر، علماً أنّ حواراً جرى في القصر الجمهوري حول هذه المسوّدة بين عامَيْ 2012 و2013 (في عهد الرئيس ميشال سليمان)، ولم يُفضِ ذلك إلى أيّة نتيجة.
تُضاف هذه الورشة إلى غيرها من ورش التفكير والحوارات الوطنية الدائرة اليوم والتي ستشكّل مادّة أساسية في أيّ حوار وطني يُعقد في المستقبل. لكنّ الأهمّ فيها أنّ المشاركين ليسوا من خصوم الحزب، ولا من مناصريه. بل يمكن اعتبارهم شبه محايدين، يبحثون بعيداً عن الخلفيات السياسية، عن حلّ معقول لمعضلة السلاح في لبنان.