الحدثٍَالرئيسية

النكبة اللبنانية وسراب التغيير: “الحلف المقدس” يُفسد الانتخابات والبلد إلى الجحيم

الكاتب: ابراهيم حيدر المصدر: النهار العربي

النكبة اللبنانية وسراب التغيير: “الحلف المقدس” يُفسد الانتخابات والبلد إلى الجحيم
الكاتب: ابراهيم حيدر المصدر: النهار العربي

تختلط الأمور على اللبنانيين في متابعتهم للحملات الانتخابية الحامية والمواقف التي تعلنها أطراف الطبقة السياسية الحاكمة. الانتخابات التي يعتبرها البعض مفصلية وسط الانهيار الذي يعصف بالبلد، إلا أنها لن تغير شيئاً من المعادلة القائمة والهيمنة المفروضة من قوى تمكنت على مدى سنوات من ترسيخ وجودها بقوة الأمر الواقع وتكريس تقاليد وأعراف عبر ممارسات أسقطت كل معالم الدولة، وباتت سيطرتها متجذرة في البيئات الطائفية التي تحكمها بصرف النظر عن أصوات اعتراضية ومجموعات معارضة تسعى الى فرض وجودها من روحية انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

يريد اللبنانيون التغيير، لكنهم غير قادرين على فرضه في ظل الإطباق على مراكز القرار ومصادرة المؤسسات والقمع والاختراق لدى كل مكونات الطبقة السياسية. وإذا كان استحقاق الانتخابات النيابية في 15 أيار (مايو) المقبل فرصة لإدلاء اللبنانيين بأصواتهم للتغيير، إلا أن الأمور تبدو ضبابية في ظل حالة الضياع لدى الأكثرية الساحقة منهم، بعد فشل انتفاضتهم أو تطويقها وانقضاض قوى السلطة والطوائف عليها لمنعها من تشكيل حركة اعتراضية كبرى بحاضنة شعبية. وأقصى ما يطمح إليه اللبنانيون اليوم أو بعد الانتخابات أن يتوقف الانهيار ويستعيدون قدرتهم المعيشية وحداً أدنى من الاستقرار. وهم باتوا على قناعة أن الحل يأتي من الخارج، ولا يأبهون بالشعارات المرتفعة السقف للقوى السياسية التي تخوض الانتخابات وتعتبرها وجودية، فيما تسقط كل محاولات الإصلاح التي تدّعي الحكومة اللبنانية أنها تسعى الى إقرار مشاريعها، لا مع صندوق النقد ولا الكابيتال كونترول، ولا حتى مشاريع الكهرباء ووقف انهيار العملة الوطنية التي تتهاوى عند أي منعطف سياسي أو خلاف على التعيينات وغيرها.

التمكن من خرق لوائح السلطة والقوى المهيمنة في البلد، مهم جداً، لكنه يحتاج إلى حواضن شعبية والبناء للمرحلة المقبلة. وعلى هذا لن يكون ممكناً التغيير ضد قوى متجذرة في السلطة تستخدم كل إمكاناتها وتستحضر عصبياتها لمنع الخرق حتى بمقعد واحد. فـ”حزب الله” مثلاً يرفع من سقف خطابه المخوّن ويتهم اللوائح الأخرى بأنها تنتظر الفرصة لطعن المقاومة في ظهرها بدعمٍ وتمويلٍ وتشجيعٍ من السّفارات. ويوجه كلامه للمعترضين بأن “التنافس هو بين من يريد لبنان الحر المستقل الآمن في مواجهة العدو الإسرائيلي من خلال مظلة الحماية التي توفرها المقاومة، ومن يريد إعادته إلى زمن الإستباحة الإسرائيلية”. وإذا كان الكلام السياسي- الانتخابي لـ”حزب الله” يحمل الكثير من الأبعاد على المستوى اللبناني عموماً، وهو عامل ضغط يستند إلى فائض القوة، ليس على اللوائح التي شكلتها أطراف في السلطة ضد الحزب، بل هو موجه أيضاً لكل المعترضين على سياساته داخل بيئته، وهو أخطر بكثير من قطع عناصر ينتمون إلى “الثنائي الشيعي” الطريق في منطقة الصرفند على أعضاء لائحة “معاً نحو التغيير” لمنعهم من إعلان برنامجهم. فالتخوين للاعتراض داخل البيئة وإن كانت لوائحه لا تطالب بنزع سلاح “حزب الله” يعني تطويقاً وفرض أجواء ومناخات تؤدي إلى امتناع كثيرين من التوجه إلى صناديق الاقتراع، وبالتالي الإطباق على العملية الانتخابية ورمي المعترضين إلى الخارج. إلا أن المشكلة أن قوى سياسية معارضة لسياسة “حزب الله” وتواجهه انتخابياً في دوائر عدة، تستخدم الأسلوب ذاته ضد لوائح التغيير الديموقراطي أو اللوائح القليلة التي تنتسب إلى انتفاضة 17 تشرين ومجموعاتها التي لم تلتحق بلوائح السلطة. الضغوط على المقلب الآخر تساهم في تقوية “حزب الله” وتمكنه من رمي الجميع إلى الخارج.

ليس الكلام أن الانتخابات لن تغير شيئاً، إنما حدود التغيير هو الذي يجب التنبه اليه وعدم الرهان على أن الأمور ستسلك طريقها لإسقاط قوى السلطة التي يتقدمها اليوم “حزب الله” ومعه “التيار الوطني الحرط. فالحزب الذي يسعى الى الأكثرية لفرض شروطه على طاولة التفاوض الإقليمية، لا يحمل حلولاً للأزمة، فيما الأكثريات التي تحققت للمحور المسمى بـ”السيادي” منذ العام 2005 تصارعت أيضاً على السلطة ولم تستطع تقديم حلول لمشكلات البلد، ولا حتى التمكن من الحكم، فعقدت التسويات والصفقات والمحاصصات في السلطة، إلى أن سلك البلد طريق الانهيار، وها هم اللبنانيون يدفعون الثمن بأكلاف مضاعفة. ونتذكر في هذا الصدد أنه في عام 2011 سقطت الأكثرية بانقلاب القوة، وجاءت حكومة يترأسها نجيب ميقاتي باسم الممانعة قبل أن يقدم نفسه اليوم رئيساً وسطياً. ثم حدث الفراغ لمدة سنتين ونضف السنة الى أن وصل ميشال عون إلى الرئاسة ومعه عقدت تسوية 2016 بعد الاتفاق النووي. منذ ذلك الوقت ولبنان يسير نحو الانهيار. انفجرت الانتفاضة في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 من فئات واسعة من اللبنانيين تطالب بالتغيير، لكنها وقعت أسيرة الفوضى بعد القمع والتطويق والاستثمار والتوظيف والمصادرة.

المخاوف كثيرة من أن تكرس نتائج الانتخابات المنظومة نفسها مع تعديلات ضئيلة. “حزب الله” وحليفه العوني يسعيان إلى الأكثرية في غياب المكوّن السنّي القادر على خلق التوازن، فيما الأكثرية التي جاءت بها قوى 14 آذار في السابق لم تفعل شيئاً، انما عقدوا الصفقات مع الأمر الواقع ومع فائض القوة. فعودة المنظومة بقوة الانتخابات قد تكون شبه محسومة في ظل تضعضع قوى التغيير والمعارضات الديموقراطية، وخلافاتها، وعدم قدرتها على استقطاب حركة شعبية، ورغم ذلك لا بد من دعمها، في مواجهة القوى التي ساهمت في انهيار البلد ودمرت مؤسسات الدولة وهمشت القطاعات المالية والمصرفية ونهبت كل شيء، وهي لا تستطيع إنقاذ اللبنانيين بعد ما حدث في 4 آب (أغسطس) 2020 من تدمير مرفأ بيروت واستعادة خطاب الحرب والتهديد والوعيد لمنع انتقال البلد الى الأمان.

كل ما يجري اليوم قبل الانتخابات، من تجاذب في الحكومة وبين القوى السياسية، وحول مشاريع الإصلاح واستمرار رهن لبنان لمشاريع إقليمية، مرشح للاستمرار إلى ما بعد الانتخابات بأيدي القوى نفسها التي تمسك برقاب اللبنانيين، فلا مؤشرات تدل على أن تغيراً جوهرياً يمكن أن يحدث بعد الانتخابات، فيما تنعكس الأزمات الدولية بعد الحرب الأوكرانية، على المنطقة ولبنان الذي يشكل الحلقة الضعيفة فيها. فالوضع اللبناني قد يبقى على حاله والى مزيد من التدهور في ظل الهيمنة القائمة والصراع على الحصص، وحتى لو فاز “حزب الله” بالأكثرية سيكون لبنان أمام أزمات مضاعفة لن تظهر حلولها إلا بقرار خارجي للحل يبدو أنه لا يزال مؤجلاً.

سنجد بعد الانتخابات مرحلة من الفراغ، بالخلاف على تشكيل الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية، وعليه قد يكون الاتفاق على إدراة الأزمة مجدداً في ظل الانهيار مع حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، إلى أن يحين الحل الإقليمي – الدولي، إن كان بمؤتمر شبيه باتفاق الطائف يسعى الفرنسيون الى تنظيمه بموافقة سعودية – أميركية، لكنه لن يكون كاملاً ما لم تتضح مسارات المفاوضات النووية. وإلى أن تنضج وجهة التسوية الرئاسية المقبلة، سنشهد أيضاً معارك تسعى الى عودة العونيين الى السلطة، أو الفراغ الرئاسي، إلا إذا تمكن الخارج من فرض رئيس بمواصفات حيادية من خارج نادي الرؤساء الأقوياء. وقد نشهد تسويات شبيهة بـ2016 لكنها لا تبدو أنها تفتح طريق الحل اللبناني إذا استمرت الهيمنة بفائض القوة الى ما لا نهاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى