6 “إيجابيّات” للأزمة الاقتصاديّة في لبنان؟

 عماد الشدياق   

6 “إيجابيّات” للأزمة الاقتصاديّة في لبنان؟

هل للأزمة الاقتصادية في لبنان إيجابيّات؟

قد يبدو هذا السؤال غريباً ومثيراً للدهشة، بل ربمّا مثيراً للغضب وجلّاباً للتهمة بالانتماء إلى مرض “العونية السياسية” أو ربّما تُهم التطبيل لـ”العهد القوي”. ويمكن اعتبار هذه الإيجابيات من باب “الكوميديا السوداء”.

فكيف لأزمة صُنّفت من بين أسوأ 10 أزمات اقتصادية على مرّ التاريخ في العالم، تسبّبت بانهيار العملة الوطنية وأصابت الاقتصاد بداء التضخّم المفرط، فهُضمت الودائع المصرفية، ودمّرت القطاعات وأفلستها، أن يكون لها إيجابيّات؟

الجواب المنطقي والواقعي على هذا السؤال يقول: نعم، هذه الأزمة لها بعض الإيجابيّات، ولو كانت هذه الإيجابيّات متواضعة جدّاً نسبة إلى المآسي التي تملأ الصورة العامّة، ولو أنّ أضرارها أيضاً هي أكبر بكثير من إيجابيّاتها. لكن على الرغم من ذلك كلّه، فإنّ هذه الإيجابيّات موجودة، وقد لا نراها بين زحمة تفاصيلنا اليومية، لكن لا ضيم من ذكرها والإتيان على سرد بعضٍ منها:

أوّلاً، الأزمة الاقتصادية تسبّبت بإمساك اللبنانيين كثيراً عن الخروج بشكل عامّ، وبشكل خاص دفعت الكثير من اللبنانيين صوب امتناع عن ريادة الحفلات الليلية والمطاعم والمقاهي، وتحوّلهم أكثر فأكثر إلى زيارة الأهل والأصحاب، فأعادت وصل ما انقطع لمدّة طويلة نتيجة التباعد الاجتماعي الذي فرضته جائحة كورونا منذ بداية ثورة 17 تشرين الأول 2019، وهذا في النتيجة يعني أنّ الأزمة عزّزت التواصل الاجتماعي والعائلي.

تعزّز هذا التواصل أيضاً، أكثر فأكثر، من منطلق التكافل الاجتماعي ومساعدة الأهل والأقارب ماليّاً، إذ تكشف أحدث أرقام تحويل الأموال من الخارج إلى الداخل اللبناني في الشركة الأكبر بمعدّل شهري هو قرابة 150 مليون دولار تصل إلى نحو 270 ألف عائلة، و60% من هذه التحويلات هي أدنى من 500 دولار، وهذا يعني أنّها لسدّ الحاجيات الغذائية الاستهلاكية لهذه العائلات، و10% بحدود الـ50 دولاراً شهرياً، بالطبع للطبقة المعدمة.

ثانياً، لعبت الأزمة دوراً كبيراً في إبعادنا عن الأكل المُضرّ، خصوصاً الحلويات والسكاكر والشوكولاته على أنواعها، وذلك نتيجة ارتفاع أسعارها. لكن يبقى هذا الاستنتاج محفوفاً ببعض المحاذير، إذ لا بدّ من التمييز بين اللبنانيين “الأكثر فقراً” واللبنانيين المتوسطي الدخل “المأزومين”.

صحيح أنّ أغلب الوجبات باتت صحيّة أكثر وشبه خالية من اللحوم، لكنّ وجبات الفقراء باتت تتركّز في مجملها على “النشويات”، مثل الأرز والمعكرونة والخبز الذي يخبروننا اليوم أنّهم سيرفعون عنه الدعم. ما زالت هذه السلع مع ارتفاع أسعارها هي الأرخص بالنسبة إلى الفقراء، وهي من أشدّ المحفّزات على زيادة الوزن وعلى السُمنة، في حين أنّ الطبقة الوسطى وطبقة “الأغنياء المأزومين” (لم يبقَ أغنياء في لبنان) تميل أكثر نحو الأكل الـHealthy و”القاطع”، وقوامه الخضار، مع قليل من اللحم على أنواعه أسبوعياً، وهذا يذكّرنا بنمط عيش أهلنا وأجدادنا قبل ظهور السلع الاستهلاكية الفائضة وقبل تسلّلها إلى حياتهم اليومية.

ثالثاً، ارتفاع أسعار المحروقات، وخصوصاً البنزين، الذي قفز في سنة واحدة (بين شهرَيْ آذار 2021 وآذار 2022) من 34,500 ليرة إلى 462,000 ليرة لبنانية، أي بارتفاع 1242%. حفّزنا هذا القفز الصاروخي لسعر البنزين على العودة إلى خصال نسيناها، مثل التنقّل سيراً على الأقدام أو على الدّرّاجات الهوائيّة من أجل قضاء المشاوير القريبة وشراء الحاجيات، والتخلّي عن رفاهية التنقّل بالسيارات أو بالدراجات النارية (لمن يملكها) أو حتى ركوب السرفيس، وذلك من أجل توفير البنزين أو المال.

تشير “الدولية للمعلومات” في دراسة أجرتها قبل سنة من اليوم، إلى أنّ مصاريف صيانة روتينيّة لسيارة خاصّة باتت تبلغ نحو 5.7 ملايين ليرة سنوياً، محتسبةً متوسّط استهلاك البنزين بنحو 60 صفيحة. وإذا احتسبنا عدد صفائح البنزين نفسه على السعر اليوم، يكون مصروف السيارة العاديّة في حدّه الأدنى هو 2,785,000 ليرة شهرياً. وهذه أسباب كافية لدفع الناس إلى المشي والحركة (كلّنا يلاحظ تراجع زحمة السير خلال أيام الأسبوع، وهذا بدوره له مردود إيجابي على المستوى البيئي).

رابعاً، الاهتمام بصحّتنا الجسدية نتيجة انهيار القطاع الطبّي. بات كثير من اللبنانيين يمارسون الرياضة الصباحية أو يتّبعون حمية غذائية، ويحرصون على عدم إرهاق أنفسهم، ويتحاشون الأعمال المتعبة أو النشاطات الخطرة التي تعرّض ممارسيها لخطر الإصابة بضرر ما، أو حتى تحاشي الاختلاط بالناس على قاعدة “مش وقتو هلق نمرض”، فبتنا جميعاً أكثر حذراً وحرصاً على صحّتنا، لأنّ الأدوية مقطوعة والقطاع الصحي شبه منهار، ولا أطباء متخصّصين في المستشفيات. إلى ذلك بلغت معاينة الطّبيب ما بين 300 إلى 400 ألف ليرة حدّاً أدنى، وقد تصل إلى أكثر من مليون ليرة.

خامساً، حفّزت الأزمة الناس على المطالعة والبحث، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كثيف من أجل الاطّلاع على آخر وأهمّ أخبار الأزمة وتبعاتها. فمصطلحات كثيرة مثل “هيكلة الدين” أو “هيكلة القطاع المصرفي” أو “الكابيتال كونترول” أو الـ”Haircut” أو “الملاءة” أو “السيولة” أو “التضخّم المُفرط”، ما كان اللبنانيون يعرفون معانيها، لكنّ استخدامها من قبل السياسيين والخبراء الاقتصاديين والكتّاب دفع كثيرين إلى البحث في معانيها وتبعاتها وأضرارها عليهم وعلى حياتهم اليومية.

 

سادساً، وهو الأهمّ، كانت هذه الأزمة بمنزلة “صفعة” على وجه اللبناني ليصحو ويخرج من وهم “نرجسيّة الاختلاف”، وليعرف أنّه مواطن عاديّ، إذ كان هذا الانهيار ممرّاً إلزامياً ليتأكّد اللبناني أنّه لا يتميّز من شعوب العالم أو الشعوب العربية بشيء، وكلّ ما كان يتغنّى به، من اختلاف أو تمايز أو تفوّق أو “حربقة”، لم يكن إلّا وهماً، وقد حان وقت النهوض من جديد، لكن بذهنية مختلفة، ذهنية وطنية تشاركيّة، لا طائفية مريضة. ومن أجل هذا نرفع أيدينا إلى السماء متضرّعين ونقول: إن شاء الله!

Exit mobile version