فرص نجاح شهباز شريف في حكم باكستان بعد الإطاحة بخان
الأربعاء، 20 أبريل، 2022
صوّت البرلمان الباكستاني، في 10 أبريل، لسحب الثقة من عمران خان كرئيس لوزراء باكستان، وذلك بدعم من 174 عضواً في مجلس النواب المؤلف من 342 مقعداً، وليؤكد بذلك القاعدة التي صار عليها النظام السياسي الباكستاني، وهي عدم استكمال أي رئيس للوزراء مدته الانتخابية بالكامل. وفي 11 أبريل، صوّت البرلمان لاختيار زعيم المعارضة، شهباز شريف، من حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية كرئيس جديد للوزراء، ليتولى حكم البلاد حتى انعقاد انتخابات جديدة في أغسطس 2023.
إطاحة البرلمان بالحكومة:
تمثلت التطورات السياسية التي شهدتها إسلام أباد للإطاحة برئيس الوزراء عمران خان في التالي:
1- فقدان خان الأغلبية: سعى بعض قادة المعارضة لاستمالة بعض حلفاء رئيس الوزراء في الائتلاف الحاكم لتشكيل جبهة موحدة ضد رئيس الوزراء السابق، وهو التحرك الذي أفقد خان الأغلبية التي كان يتمتع بها في البرلمان. وأجرت المعارضة تصويتاً لحجب الثقة عن خان في 3 أبريل.
وقام رئيس البرلمان، قاسم سوري، حليف خان، بإلغاء عملية التصويت بحجة بشأن وجود مؤامرة خارجية لتغيير الحكومة الباكستانية، ثم أعلن الرئيس الباكستاني، عارف علوي، حل البرلمان قبل إجراء التصويت بحجب الثقة، وذلك ليقطع الطريق أمام محاولة المعارضة لسحب الثقة من خان.
2- احتكام المعارضة للمحكمة: أسهم هذا الإجراء في إثارة غضب المعارضة، والتي تقدمت بدورها بالتماس إلى المحكمة العليا في البلاد للفصل في دستورية تلك الخطوة، والتي بدورها ألغت قـرار الرئيـس الباكسـتاني بحـل البرلمـان، وبالتالي أكدت دستورية قراره بسحب الثقة من خان، كما دعت البرلمـان لعقـد اجتمـاع للتصويـت علـى مذكـرة سـحب الثقـة مـن رئيـس الـوزراء عمـران خـان. ونجح البرلمان في سحب الثقة منه بالفعل في 10 أبريل.
أسباب الإطاحة بخان:
تضافر عدد من العوامل التي ساهمت في عدم الاستقرار السياسي في باكستان خلال الآونة الأخيرة، والتي يمكن توضيحها في الآتي..
1- محاولة تغيير النظام السياسي: أشار رئيس الوزراء السابق، عمران خان، إلى أهمية تحويل النظام السياسي في باكستان من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وهو الأمر الذي مثّل تهديداً للأحزاب السياسية التي تلعب دوراً محورياً في النظام البرلماني، وعلى رأسهم الحزبين الحاكمين السـابقين الرابطة الإسلامية الباكسـتانية (جناح نواز شريف) وحزب الشـعب الباكسـتاني. فالجدير بالذكر أن كلا الحزبين قد تعاونا في جبهة واحدة لمعارضة خطط خان على الرغم من الخلافات بينهما.
2- فقدان دعم الجيش: تتمتع المؤسسة العسكرية الباكستانية بنفوذ واسع في النظام السياسي. وتتعدد المؤشرات على أن تراجع المؤسسة العسكرية عن دعم خان كان أحد العوامل الرئيسية وراء الإطاحة به، خاصة في ضوء التباين بين خان والمؤسسة العسكرية حول تعيين بعض المسؤولين، وكذلك حول السياسة الخارجية الباكستانية.
فقد اختلف خان مع المؤسسة العسكرية بشأن تعيين المسؤول الجديد عن أحد الأجهزة الاستخباراتية في أكتوبر الماضي. ورفض عمران خان كذلك طلب الجيش استبدال رئيس وزراء البنجاب، عثمان بوزدار، والذي يتهم بعدم الكفاءة، وهو ما تسبب في توتر العلاقة بين الجانبين.
كما برز تباين بين الجيش الباكستاني وخان حول الموقف الباكستاني من الأزمة الروسية – الأوكرانية. فقد أشار قائد الجيش الباكستاني الجنرال، قمر جاويد باجوا، إلى صعوبة إغفال العدوان الروسي على دولة أصغر، على الرغم من المخاوف الروسية الأمنية، واصفاً هذا العدوان بأنها مأساة كبرى. وفي المقابل، لم يقم رئيس الوزراء السابق بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، على الرغم من مطالبة الاتحاد الأوروبي له بإدانة الغزو.
3- تورط أمريكي محتمل: سعى خان لقلب الرأي العام ضد المعارضة من خلال اتهامها بالتعاون مع قوى خارجية، فقد زعم هو وحلفاؤه بأن واشنطن تحاول الإطاحة بحكومته، وأشاروا في هذا الإطار إلى وجود برقية من السفارة الباكستانية في واشنطن، تنقل محادثة مع مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية تنتقد تصرفات رئيس الوزراء الأخيرة، كدليل على التدخل الأمريكي. ونفى المسؤولون الأمريكيون أي تلميحات بأنهم يسعون إلى الإطاحة بحكومته.
4- تراجع شعبية خان: على الرغم من الشعبية التي تمتع بها خان، خاصة في ضوء تحقيق تقدم ملحوظ في مواجهة الفقر وجائحة كورونا، بالإضافة إلى إنجازاته على صعيد خدمات الرعاية الصحية، فإن هناك عدداً من العوامل الاقتصادية التي ساهمت في تراجع شعبيته، وهي ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى ارتفاع الدين الخارجي للبلاد.
أبرز تحديات شريف:
يواجه شهباز شريف، رئيس الوزراء الجديد، عدداً من التحديات، والتي يمكن توضيحها كالآتي:
1- مواجهة اتهامات خان: يواجه شريف طعناً في شرعيته من خان، حيث قام الأخير بحشد أنصاره في أنحاء باكستان في 10 أبريل للاحتجاج على ما أسماه “تغيير النظام المدعوم من الولايات المتحدة”، وذلك في محاولة لتعزيز شعبيته في بلد يتسم بمعاداة الولايات المتحدة، ومن ثم تعزيز فرصه في العودة للسلطة بحلول أغسطس 2023.
كما أشار فروخ حبيب، المتحدث باسم حركة الإنصاف الباكستانية، حزب خان، في 13 أبريل، إلى أن الأخير سيعلن عن مفاجأة خلال تجمع عام في مدينة لاهور خلال الأسبوع المقبل، موضحاً أن الحكومة الجديدة هي حكومة عميلة وغير مقبولة، ومن ثم، لن يدع أنصار رئيس وزراء السابق هذه الحكومة الجديدة أن تعمل.
وفي المقابل، سعى شريف للرد على هذه الاتهامات عبر التأكيد أن البرلمان سوف يعقد جلسة استماع عامة لمناقشة اتهامات خان بوجود مؤامرة أمريكية للإطاحة به، كما تعهد شريف بالاستقالة في حالة تأكده من وجود مؤامرة.
2- موازنة السياسة الخارجية الباكستانية: سيواجه شهباز شريف تحدياً فيما يتعلق بإعادة ضبط السياسة الخارجية الباكستانية، لا سيما بعد اتهامات خان السابقة. وتشير قوى مقربة من شريف أنه يسعى دوماً لإقامة علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، فقد أعلن أن باكستان، في ظل حكومته، سوف تحافظ على علاقات متوازنة مع كل القوى الكبرى، ليس فقط الولايات المتحدة، والدول الغربية، ولكن كذلك الصين وروسيا.
ويتمتع شريف بعلاقات قوية مع بكين، وعلى سبيل المثال، فإنه خلال فترة تولي أخيه نواز شريف منصب رئيس الوزراء، تم التوقيع على اتفاق “الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني” الذي تبلغ تكلفته 46 مليار دولار، وهو جزء أساسي من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس شي جين بينج.
وأشرف شريف، في إطار المشروع، على بناء مصنع فحم في 22 شهراً، على الرغم من التوقعات ببنائها في 36 شهراً، وهو ما لاقى استحساناً كبيراً من الصين، ولذلك من المتوقع أن يسعى شهباز شريف لمواصلة علاقاته القوية مع بكين، وتسريع وتيرة المشاريع الجارية في إطار الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني.
3- إدارة العلاقة مع المؤسسة العسكرية: تلعب المؤسسة العسكرية الباكستانية دوراً محورياً في الحياة السياسية في باسكتان، ويتوقع إلا يجد شهباز شريف مشكلة في الحفاظ على علاقات قوية معها، فقد تمكن من الحفاظ على علاقات قوية مع الجيش خلال رئاسة أخيه نواز شريف لرئاسة الوزراء. ويتوقع أن يتبلور هذا التفاهم بين شهباز شريف والجيش في تمديد ولاية الجنرال قمر جاويد باجوا للبقاء في منصبه في قيادة الجيش عندما تنتهي ولايته في شهر نوفمبر القادم.
4- إدارة الأزمة الاقتصادية: تواجه باكستان أزمة اقتصادية حادة، حيث فقدت العملة الباكستانية 30% مـن قيمتهـا منـذ عـام 2018، وبلغـت معدلات التضخـم فـي مـارس الماضـي 13%. كما أبدت وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” شكوكها بشأن سياسة الدولة الباكستانية على المدى المتوسط، حيث أشارت توقعات وكالة “فيتش” إلى زيادة عجز الحساب الجاري بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية المنتهية في يونيو 2022، خاصة في ضوء ارتفاع أسعار النفط التي تمثل 20% من واردات باكستان.
وفي حين كانت توقعات مؤسسة موديز أكثر تشاؤماً بشأن ارتفاع عجز الحساب الجاري إلى حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية الحالية، بما يمثل ضغطاً على الاحتياطات الأجنبية، التي باتت تكفي لواردات شهرين فقط.
وانطلاقاً مما سبق، اضطر خان إلى إعادة بعض أشكال الدعم لتخفيف تأثير تراجع الأوضاع الاقتصادية على المواطنين، إثر تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي لإقراض الدولة الباكستانية 6 مليارات دولار. وترتب على تلك الخطوة إقراض باكستان نصف المبلغ فقط، ليتم تسديد بقية المبلغ بناء على نتائج المراجعات المعنية بتقييم برنامج الإصلاح الاقتصادي.
ولذلك من المتوقع أن يواجه شهباز شريف اختيارات صعبة لمواجهة التحديات الاقتصادية، فإما أن يواجه غضباً شعبياً في حال إلغاء الدعم على الكهرباء والوقود والإعفاءات الضريبية، أو عدم القدرة على سداد التزامات باكستان الخارجية في حال عدم توفير بقية قرض صندوق النقد الدولي.
وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من تمكن شهباز شريف من الوصول للسلطة والإطاحة بخان، بعد التوصل لتفاهمات محتملة مع المؤسسة العسكرية، فإنه لايزال يلاقي تحدياً كبيراً، يتمثل في تربص رئيس الوزراء السابق عمران خان به، وسعيه لتشويه صورته قبل الانتخابات البرلمانية القادمة، فضلاً عن إدارة الملف الاقتصادي، والتي قد تدفع حكومته لتبني قرارات صعبة، إذا ما قرر تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي بالإصلاح الاقتصادي لاستكمال الحصول على القرض.