المسؤولية المجتمعية:
كيف تقلل أوروبا الطلب على الطاقة الروسية؟
الثلاثاء، 19 أبريل، 2022
عرض: منى أسامة
تعتبر روسيا أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي في العالم، نظراً لاستحواذها على أكبر احتياطات من الغاز الطبيعي، كما توفر 45٪ من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز في عام 2021. لذلك، تباطأت الدول الأوروبية في اتخاذ قرار بشأن التوسع في العقوبات ضد روسيا بعد حربها في أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022، لتشمل منتجات قطاع الطاقة. لاسيما أن تلك الدول لا يمكنها توفير بديل للإمدادات الروسية في وقت قصير.
بناءً عليه، يفترض الباحث سيدريك فيليبرت المتخصص في قضايا الطاقة والمناخ ضمن تقريره المعنون مؤخراً بـ”توفير الطاقة على عجل: يتطلب تقليل الاعتماد على الهيدروكربونات الروسية طلباً حازماً وإجراءات بشأن العرض” أنه من الممكن زيادة الضغط الاقتصادي على روسيا، وفي الوقت نفسه التغلب على التكلفة الاقتصادية المصاحبة للعقوبات المفروضة من قبل الدول الأوروبية ضد موسكو من خلال حث المجتمع المدني، سواء الشركات أو المواطنون على المشاركة النشطة في خفض الطلب على الطاقة، ما يترتب عليه تخفيف التكلفة على المواطنين الأوروبيين، إلى جانب كونها وسيلة للتعبير عن التضامن مع أوكرانيا.
مخاطر الاعتماد المتزايد:
كشفت الأزمة الأوكرانية الحالية عن “خطورة” اعتماد أوروبا المتزايد على واردات الغاز الأحفوري الروسي، حيث جعلها ذلك أكثر تردداً في تبني موقف ضد روسيا مقارنةً بالولايات المتحدة، إذ قررت الأخيرة بشكل حاسم وسريع فرض حظر على واردات النفط والغاز من روسيا. ولكن، تأخرت الدول الأوروبية في التحرك، لاسيما أن لديها خيارات محدودة للتحول إلى موردين آخرين، بسبب عدم توافر محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال مثلما في ألمانيا، أو لضآلة الطاقة الاحتياطية كما في هولندا. ومن ثم هناك تخوف من إمكانية فرض عقوبات مضادة من قبل روسيا، ولذلك من الضروري إعادة النظر في وضع الطاقة للدول الأوروبية.
بموازاة ذلك، يعتمد الاقتصاد الروسي وميزانه التجاري بشكلٍ كبير على صادراته من الهيدروكربونات، إذ يمثل النفط الخام والمنتجات النفطية نصف إجمالي الصادرات الروسية بواقع 7 إلى 8 ملايين برميل يومياً، يتم إرسال نصفها إلى أوروبا. فيما بلغت صادرات الغاز الطبيعي (7٪) وصادرات الفحم (5٪)، وذلك في عام 2019. وبدورها، ساهمت زيادة أسعار الطاقة في السنوات الأخيرة في تمويل السياسة الروسية.
وتستحوذ روسيا على (27٪) من واردات النفط إلى أوروبا، كما تصدر روسيا إلى أوروبا معظم وقودها المعدني، ويتم نقل معظم الغاز في خطوط الأنابيب، حيث يتم تسليم حوالي ثلث صادرات النفط الروسية إلى أوروبا فقط عبر خط أنابيب دروجبا، فيما تأتي باقي الشحنات المتبقية عن طريق السفن. وبلغ الاستهلاك السنوي للغاز في الاتحاد الأوروبي حوالي 450 مليار متر مكعب في 2017 و2018 و2019، وعادة ما تعتمد الدول الأوروبية على الغاز لأغراض التدفئة للمباني وإنتاج الكهرباء.
خفض طلب الطاقة:
يرى الكاتب أن النفط سلعة عالمية قابلة للاستبدال أكثر من الغاز الأحفوري، بالتالي يُمكن للدول الأوروبية الحصول على النفط ومنتجاته من موردين آخرين غير روسيا، فحتى وإن لجأت موسكو إلى مشترين آخرين كالصين والهند ودول آسيوية أخرى، سيكون بأسعار أقل وخصومات تصل إلى (20 – 25٪). ويضيف الكاتب أن خفض الطلب على النفط الروسي سيؤدي بالضرورة إلى تقليل تمويل الجهود العسكرية الروسية. في المقابل، يؤدي خفض الطلب على الغاز الروسي إلى تقليل احتمالية تعرض أوروبا للتدابير المضادة المحتملة أو الاضطرابات المادية (أي من الضروري تجديد مخزون الغاز قبل بدء الشتاء المقبل).
ويؤدي خفض الطلب على النفط طواعية في الغالب إلى انخفاض الأسعار، مما يؤدي إلى مضاعفة التأثيرات على المورد وتقليلها على المشتري، أما مواجهة انخفاض العرض ستتسبب في الغالب في زيادة الأسعار ومضاعفة التأثيرات على المشتري وتقليلها على المورد. بالتالي من الضروري، اتخاذ إجراءات طوعية لتقليل استهلاك النفط والغاز.
وفي إطار تقليل الاعتماد على الطاقة في روسيا، قدمت المفوضية الأوروبية اقتراحاً تشريعياً في أبريل 2022 يطالب بملء مخازن الغاز الحالية بما لا يقل عن 90٪ من طاقتها بحلول الأول من أكتوبر من كل عام. وتهدف المفوضية الأوروبية من خلال هذا الاقتراح إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي، على أساس ركيزتين:
– تنويع إمدادات الغاز من خلال زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من الموردين دون روسيا، ولكن التحول إلى موردين آخرين مقيد بقدرات البنى التحتية، سواء بالنسبة لسفن الغاز الطبيعي المسال أو خطوط الأنابيب. مع ذلك، تقدر المفوضية الأوروبية إمكانية استبدال الغاز الروسي بتنويع الغاز الطبيعي المسال بحلول نهاية عام 2022 إلى 50 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى 10 مليارات متر مكعب من خلال تنويع الواردات عبر خطوط الأنابيب.
– تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في المنازل والمباني والصناعة من خلال تحسين كفاءة الطاقة وزيادة استخدام الطاقة المتجددة. إذ أكد رؤساء الدول والحكومات الـ 27 للمفوضية الأوروبية أنهم “سيواصلون العمل من أجل ضمان مستويات كافية من تخزين الغاز وتنفيذ عمليات إعادة تعبئة منسقة ومراقبة وتحسين أداء أسواق الكهرباء وتوجيه الاستثمار في أنظمة الطاقة، بما في ذلك توفير الغاز الطبيعي المسال”.
يؤكد الكاتب أيضاً ضرورة تقليل انبعاثات غاز الميثان، والذي تُقدر بنحو 2.5 مليار متر مكعب في جميع أنحاء أوروبا. هذا، وقد قيمت المفوضية الأوروبية إمكانية زيادة إنتاج الميثان الحيوي عند 3.5 مليار متر مكعب بحلول نهاية عام 2022 و35 مليار متر مكعب بحلول عام 2030. ويضيف أيضاً أهمية التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح، حيث ترى وكالة الطاقة الدولية أنه من الممكن أن يتجاوز حجم الاعتماد على الطاقة المتجددة ما هو متوقع في عام 2022 بحوالي (35٪)، والجدير بالذكر أن المهلة الزمنية المحددة للمشروعات المخططة قد تعرقل جهود الدول الأوروبية على المدى القصير.
مشاركة المواطنين والشركات:
يرى الكاتب أنه من الضروري مشاركة كلٍ من المواطن العادي وأصحاب العمل في ترشيد استهلاك الغاز والنفط والكهرباء، عن طريق بعض الممارسات، والتي تحث الحكومات على القيام بها عبر الحملات العامة الموجهة، وتشمل:
– ترشيد استهلاك أجهزة التبريد والتدفئة: من خلال تعديل منظم الحرارة المؤقت بمقدار درجة واحدة إلى بضع درجات مئوية، إذ ستسمح كل درجة بتوفير نسبة 6-7٪ من الغاز. كما يمكن أيضاً إيقاف تشغيل أجهزة التدفئة والتبريد في الغرف الفارغة، واستخدام الدش بدلاً من حوض الاستحمام وتقليل مدة استخدام الدش، وتركيب المزيد من منظمات الحرارة أو مخفضات التدفق وضبط تكييف الهواء على 28 درجة مئوية.
– توفير البنزين: عن طريق الالتزام بحد السرعة المتعارف عليه على الطرق السريعة في أوروبا، مع ضمان تعبئة الشحن كاملة للمركبات الثقيلة والخفيفة، وأيضاً دعوة السائقين إلى القيادة البيئية وفحص ضغط الإطارات، كما ينبغي تشجيع المواطنين على استخدام وسائل النقل العام بشكل أكبر. وأخيراً، التوسع في العمل عن بُعد، وفي استخدام وسائل النقل الكهربائية.
– توفير الكهرباء: من خلال التوسع في مصادر الكهرباء المتجددة، إذ تستحوذ محطات توليد الطاقة على حوالي ثلث استهلاك الغاز.
تنمية البدائل المتعددة:
إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح متغيرة وليست قابلة للتمدد، لكن هذا لا يعني بالضرورة اللجوء إلى الغاز الأحفوري وما يترتب عليه من اعتماد الاتحاد الأوروبي على الصادرات الروسية. إذ تشير الدراسات إلى قلة الكمية المطلوبة من الغاز لتحمل الأنظمة الكبيرة من مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة، كونها مطلوبة فقط خلال فترة “الركود المظلم”، وهي فترة زمنية تنخفض فيها أشعة الشمس وتقل سرعة الرياح. وبحلول عام 2050 في سيناريو الاعتماد طاقة متجددة بنسبة 100٪، ستحتاج فرنسا من 20 إلى 35 تيراواط ساعة سنوياً، ولن تحتاج ألمانيا سوى 36 تيراواط ساعة في السنة.
في هذا السياق، يرى الكاتب أن حكومات الاتحاد الأوروبي منشغلة بتأثير ارتفاع أسعار الغاز على تكاليف الكهرباء، ومن ثم يقترح عليها إدخال عامل الوقت في حساب تكلفة استخدام الكهرباء مثل أسعار “الليل/النهار” و”ساعات الذروة/خارج الذروة”. مما يدفع مستهلكي الكهرباء إلى الاستجابة لخفض الطلب على الطاقة وتوفير الكهرباء.
وفي الوقت ذاته، ينصح الكاتب بالتوسع في استخدام المركبات الكهربائية والتي توفر الاستهلاك العام للبنزين، وأيضاً التوسع في الاعتماد على الأفران الكهربائية في الطهي والتي تستهلك خُمس الطاقة اللازمة لتشغيل الأفران التي تعمل بالغاز.
وأكد الزعماء الأوروبيون خلال اجتماعهم الأخير في قمة في قصر فرساي بشأن “استراتيجية استقلال الدفاع والطاقة الأوروبية” على أهمية “زيادة تطوير سوق الهيدروجين لأوروبا”، مما يساهم في التخلص التدريجي من الاعتماد على واردات الغاز والنفط والفحم الروسي. إذ يلعب الهيدروجين، لاسيما الهيدروجين النووي، دوراً في استبدال الغاز الطبيعي. ومع ذلك، فإن كميات الكهرباء منخفضة الكربون المولدة في أوروبا بحلول عام 2030 ستظل منخفضة للغاية لإنتاج الهيدروجين الفعال من حيث التكلفة، ولكنه سيمكنه استبدال الوقود الأحفوري الروسي.
أحد الاستخدامات المهمة للغاز هو إنتاج الهيدروجين والذي يتحول جزء منه بعد ذلك إلى أمونيا، والتي تُستخدم بشكلٍ أساسي في إنتاج الأسمدة النيتروجينية. مع العلم أن روسيا تحتل المرتبة الثالثة في تصدير الأمونيا. ومن أجل الاستغناء أو تقليل استيراد الأمونيا، على الدول الأوروبية تطوير ممارسات زراعية أكثر مرونة واستدامة تعتمد على أسمدة كيميائية أقل، والتوسع في الأسمدة الطبيعية، مع زيادة زراعة البقوليات والبذور الزيتية والمحاصيل البروتينية التي تعتمد على النيتروجين في الهواء، وبالتالي تقليل الأمونيا والنيتروجين المستوردين وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
أيضاً، يرى الكاتب أن لجوء الدول الأوروبية إلى الاعتماد على الفحم المحلي كبديل عن الطاقة الروسية، لا يتناسب مع استراتيجيات مكافحة تغيير المناخ في أوروبا، على عكس التدابير السابق ذكرها. ولذلك، فإن لجوء قادة الاتحاد الأوروبي إلى الحلول السريعة لتقليل الاعتماد على صادرات الهيدروكربونات الروسية بدلاً من تشجيع مستهلكي الطاقة على تبني استراتيجيات خفض الطلب، لن يخدم الأهداف المناخية طويلة الأجل.
ويختم الكاتب التقرير باقتراح وكالة الطاقة الدولية فرض ضرائب على الأرباح المفاجئة للمرافق والخدمات، ثم إعادة توزيع تلك الإيرادات من أجل تخفيف الآثار الاقتصادية على الفئات الضعيفة في أوروبا، ومن جانبها أيدت المفوضية الأوروبية هذا الاقتراح. فتقاسم تكاليف ارتفاع أسعار المواد الهيدروكربونية والإجراءات المضادة هو شرط مسبق لنجاح أي دعوة أخرى لمشاركة المواطنين أو التضامن مع أوكرانيا.
المصدر:
– Cédric Philibert, «Saving Energy in a Hurry: Reducing Dependence on Russian Hydrocarbons Requires Resolute Demand and Supply Sides Action», Briefings de l’Ifri, Ifri, March 17, 2022.