تحقيقات - ملفات

البنك الدولي يجمّد الغاز والكهرباء: الحصار مستمر إلى ما بعد الانتخابات | لماذا ألغى ميقاتي زيارته لواشنطن؟

نهاية آذار الماضي، شارك الرئيس نجيب ميقاتي في منتدى الدوحة الذي جمع قيادات عالمية في السياسة والاقتصاد، وعقد سلسلة اجتماعات، أحدها مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي البلغارية كريستالينا جورجييفا، في حضور مسؤولين في الصندوق؛ من بينهم مدير دائرة الشرق الأوسط جهاد أزعور. تطرّق اللقاء إلى المفاوضات بين لبنان والصندوق، قبل أن يعلن ميقاتي، في المنتدى نفسه عن اتفاق وشيك مع وفد الصندوق الموجود في لبنان، وهو ما تم لاحقاً تحت عنوان «اتفاق على مستوى الموظفين».

خلال اللقاء، تلقى ميقاتي دعوة من المسؤولة الدولية للمشاركة في اجتماعات الربيع لصندوق النقد ومجالس محافظي مجموعة البنك الدولي التي بدأت أول من أمس وتستمر حتى 24 الجاري. ولدى عودته إلى بيروت، أبلغ ميقاتي العاملين معه نيته السفر الى واشنطن وبدأ اتصالات لترتيب لقاءات سياسية له في العاصمة الأميركية.
وبحسب المعطيات، جرى الحديث عن اجتماع مع وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، قبل أن يطلب رئيس الحكومة زيارة البيت الأبيض لمقابلة نائبة الرئيس كاميلا هاريس ومستشار الأمن القومي جان سوليفان، مع احتمال أن يدخل الرئيس جو بايدن الى غرفة الاجتماع لعقد لقاء سريع مع ميقاتي كما فعل رؤساء أميركيون في حالات كثيرة. وفي الوقت نفسه، عمل ميقاتي على تشكيل الوفد الذي سيرافقه، ويضم نائبه سعادة الشامي (رئيس لجنة التفاوض مع صندوق النقد) ووزير المالية يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. إلا أنه لم ينجح في الاستحصال على قرار برفع حظر السفر الذي فرضته النائبة العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون على سلامة.

انتظر رئيس الحكومة الأجوبة الأميركية، ليتبلّغ في وقت متأخر أن بلينكن لن يكون في العاصمة الأميركية في هذا الوقت. فيما أشار مصدر دبلوماسي عربي إلى رسالة اعتذار أميركية عن عدم قدرة أي من المسؤولين الأميركيين على لقاء ميقاتي بسبب «الانشغالات». غير أن المصدر نفسه تحدث عن أسباب أخرى للرفض ترتبط بغضب أميركي على سياسات متبعة في لبنان لا تلبّي متطلبات التوافق مع المجتمع الدولي. وعليه، لا تجد واشنطن نفسها معنية برسم سياسة خاصة بلبنان الآن، وخصوصاً عشية الانتخابات النيابية. وأوضح المصدر أن الانزعاج الأميركي من الحكومة اللبنانية مردّه عدم قدرتها على الالتزام بأي نوع من الإصلاحات. لكن اللافت أكثر هو إشارة المصدر العربي الى «انزعاج» أميركي من عدم إقفال الحكومة اللبنانية ملف الملاحقات بحق حاكم مصرف لبنان، وهو موقف بدا مستغرباً من أوساط لبنانية سبق أن نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم: «إذا كان سلامة في حالة اشتباه أو تعرّض لادعاء في قضايا اختلاس، فإن واشنطن غير متمسكة به»، وهو المناخ نفسه الذي يسود كثيراً من الأوساط الأميركية، وعبّر عنه تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز» أخيراً، دعت فيه الإدارة إلى «الانفصال علناً عن سلامة» وآخرين في لبنان.
التعبير عن الانزعاج الأميركي لا يقف عند حدود رفض استقبال ميقاتي، بل يتعداه إلى إفشال أي محاولة لتخفيف الضائقة التي تخنق اللبنانيين. فرغم ما تشيعه السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا عن مساعي بلادها لتحقيق الاستقرار في لبنان ومساعدته على تجاوز أزمته الاقتصادية، والترويج عن قرب إقرار صفقات جر الغاز المصري واستجرار الكهرباء الأردنية، علمت «الأخبار» أن قراراً سياسياً مفاجئاً صدر عن البنك الدولي قبل أيام، من شأنه تعطيل الصفقة كلها.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أبلغت كل الأطراف بأنها تحتاج الى التالي قبل منح الإعفاء:
أولاً: الموافقة على التمويل من البنك الدولي لضمان سير العملية وطريقة دفع الأموال.
ثانياً: عدم السماح للحكومة السورية بالحصول على أي مبالغ بالعملة الصعبة واقتصار حصتها على كمية عينية من المواد المستجرة، سواء كانت من الغاز المصري أو الكهرباء الأردنية.
ثالثا: ضمانة لبنانية باحترام الاتفاق وعدم إخضاعه لحسابات سياسية في لبنان.
عملياً، يقر مصدر رسمي لبناني بأن العقبة المستجدة بفعل قرار البنك الدولي لها خلفيتها السياسية. لكنه تحدث عن اتصالات لإقناع إدارة البنك بموقف آخر، مشيراً الى أن عدداً من المسؤولين في البنك عبّروا في الأسابيع القليلة الماضية عن خشيتهم من عدم إقرار الاتفاق قريباً بسبب انشغال العالم بتداعيات الحرب الروسية ــــ الأوكرانية. واستبعد المصدر إمكان تنفيذ الاتفاق قبل الانتخابات في 15 أيار المقبل كما كان يرغب الجميع. وتحدث عن استمرار الوعود من جانب الإدارة الأميركية بالضغط على البنك الدولي لإقرار العقد.

يحصل ذلك، فيما هناك في لبنان، داخل الحكومة وخارجها، من يريد صرف مستحقات متأخرة لمصلحة البنك الدولي وصناديق عربية أخرى من خلال استخدام الأموال الخاصة بحصة لبنان من صندوق النقد الدولي، وهي خطوة قد يجري تجميدها بفعل تعاظم الاعتراضات عليها في مجلس الوزراء.
لكن اللافت أن غالبية القوى المؤيدة للولايات المتحدة التي ترفض أي عقد تعاون مع أي دولة شرقية من روسيا الى الصين في مجال الطاقة، لا يصدر عنها أي تعليق على هذه الضغوط التي تستهدف عملياً دفع لبنان الى خيارات من النوع الذي يظهر «الجدوى السياسية للمشروع» كما طلب البنك الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى