“مباط عال”، العدد 1591، 14/4/2022
يورام شفيتسر ، وإفرايم لافي ومئير إلران – باحثون في معهد دراسات الأمن القومي
- تم التعامل مع العمليتين اللتين حدثتا في بئر السبع (22 آذار/مارس) والخضيرة (27 آذار/مارس)، كعمليات لـ”داعش”، وذلك بسبب ميول وتوجهات المنفّذين ومحاولاتهم الانضمام إلى صفوف التنظيم. هذه العمليات القاتلة، أعادت إلى النقاش العام أسئلة عن وجود التنظيم، التهديد الذي يشكله، هو ومَن يدعمه، في أوساط الجمهور العربي في إسرائيل، بالإضافة إلى حجم هذا التأييد للتنظيم، وللـ”إرهاب” بصورة عامة.
- على الرغم من أن العمليتين في بئر السبع والخضيرة نُفِّذتا على يد مهاجمين لهم علاقة بـ”داعش – تنظيم الدولة الإسلامية”، وجزء منهم أيضاً أمضى عقوبة في السجن بسبب هذه العلاقة، فإن هناك اختلافات بين العمليتين. فالعملية في بئر السبع نفّذها مهاجم منفرد، مسلح بسكين ومركبة، وعمل بصورة فردية من دون أي مساعدة من المحيط، ومن دون أي إنذار مسبق. المهاجم محمود أبو القيعان، بدوي من حورة، تحرك لدقائق طويلة قبل أن يتم تحييده على يد مواطنين، ونجح في قتل أربعة مدنيين. وفي وقت سابق، أمضى في السجن أربعة أعوام في سنة 2016، بسبب محاولاته الانضمام إلى صفوف التنظيم، كآخرين من حمولة القيعان التي تُعد أكثر من 8 آلاف نسمة، وخرج منها بعض المقاتلين في التنظيم، أو دعموا أفكاره. أمّا العملية في الخضيرة، فتم تنفيذها على يد اثنين من العرب الإسرائيليين، أبناء عمّ من سكان أم الفحم. أحدهما دخل السجن في وقت سابق، بسبب محاولته العبور إلى سورية والقتال في صفوف “الدولة الإسلامية”. هذه العملية، وعلى عكس العملية الأولى، كانت منظمة ومخطَّطاً لها، وتم تنفيذها باستعمال السلاح، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الذخيرة، كما تم خلالها استعمال السلاح الخاص بشرطة “حرس الحدود” التي قُتل من أفرادها خلال العملية. الاستجابة السريعة لقوات الأمن منعت عملية أوسع بكثير.
- في هذه المرحلة، لا توجد أي معلومات عن وجود علاقة بين العمليتين، باستثناء المحاكاة الممكنة التي حدثت ما بعد العملية الأولى وتأثر بها منفّذو العملية الثانية، الذين لم يكن لديهم أي علاقة بجهات خارجية، وضمنها “داعش”. بدوره، “داعش” لم يتبنَّ أياً من العمليات إلّا بعد عملية الخضيرة. ويبدو تصرّفه مشابهاً لما قام به خلال العمليات التي تم تنفيذها باسمه في الغرب، فاستغل العمليات التي حدثت في إسرائيل بهدف الدعاية الذاتية، على الرغم من عدم وجود أي علم مسبق بها، أو بنيّات وتخطيطات مَن نفّذها.
- فحص تدخلات سابقة لـ”الدولة الإسلامية” في نشاطات داخل إسرائيل يدلل على أن التنظيم لا يحظى بتأييد واسع في أوساط العرب من مواطني الدولة. فمنذ تأسيس “الدولة الإسلامية” في سنة 2014، لم يزِد عدد المعتقلين، بسبب التأييد أو محاولة الانضمام إليها، عن المئة، وضمنهم هؤلاء الذين اعتُقلوا ما بعد العمليات الأخيرة. وعلى الرغم من محاولات الإعلام المقرب من التنظيم، وعلى رأسه النشرة الناطقة باسم التنظيم، النبأ، لاستغلال “نجاح” العمليات من أجل نسب نشاطات واسعة للتنظيم في إسرائيل، فإن الحقائق تثبت أنه، وباستثناء الخطاب الحاد، لم يقم بتحويل أي موارد لنشاطات “إرهابية” واسعة في إسرائيل. وحتى بصورة نسبية، لما قام به هو والمقربون منه في مناطق أخرى في العالم.
- حتى بعد العمليتين الأخيرتين، لا يبدو أنه يوجد أي تغيير في الاستراتيجيا العامة وسلّم أولويات التنظيم إزاء إسرائيل. وفي النقاش الإعلامي الحالي للتنظيم، تظهر مجدداً علاقته السلبية المتطرفة بالفصائل الفلسطينية، كـ”حماس” والجهاد الإسلامي، وحتى حزب الله. هذا على الرغم من أنهم وجّهوا التحية إلى منفّذي العمليات الأخيرة التي تم نسبها إلى “داعش”، وكذلك المهاجم من جنين الذي نفّذ عملية بني براك في 29 آذار/مارس. بصورة عامة، يدين “داعش” بحدة هذه التنظيمات ويتهمها بأنها شريكة لأعداء الإسلام، ويرى أن أفرادها كَفَرة، ويتهمهم بالمساعدة في ردع الجهاد الذي أراد القيام به ضد إسرائيل خلال القرن الأخير.
رد المجتمع العربي في إسرائيل
- تمت إدانة موجة العمليات الحالية بشكل مباشر وواضح منذ البداية من الأحزاب العربية، والقيادة القُطرية للمجتمع العربي (لجنة المتابعة العليا)، ومجلس رؤساء السلطات المحلية، ومؤسسات المجتمع المدني. جهات عربية متطرفة امتنعت من الرد. التفسير الأولي للرد الواسع من جميع الأطراف تقريباً، هو التخوف من العودة إلى أحداث أيار/مايو 2021 – العنف بين العرب واليهود في المدن المختلطة خلال الحرب على غزة – ومن الضرر الذي سيحدث لروتين الحياة – والتوجهات نحو ترميم الوضع الاقتصادي الاجتماعي، وخصوصاً بعد فترة كورونا. المقاومة الحادة للعمليات التي نفّذها مَن لهم علاقة بـ”داعش”، والتعامل معها على أنها عمليات “إرهابية”، تعود إلى حقيقة أن المجتمع العربي في إسرائيل، كأغلبية المجتمع الفلسطيني في مناطق السلطة الفلسطينية، وضمنه كوادر “حماس” و”الجهاد الإسلامي الفلسطيني”، يعارض بشدة أيديولوجيا “داعش” وأي علاقة ما بين النضال الفلسطيني القومي والتنظيم.
- يمكن القول إن المجتمع العربي في إسرائيل هو أقلية إثنية – قومية معتدلة وبراغماتية من ناحية سياسية واجتماعية. فعلى الرغم من التهميش على مدار أعوام طويلة، واستمرار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، من دون أفق لحلّه في المدى المنظور، فإن المجتمع العربي لا يزال يمتنع من تبنّي أي توجه إلى احتجاج عنيف، أو انتفاضة شعبية مسلحة شاملة، أو عمليات “إرهابية” ضد الدولة. تاريخياً، حدث بعض الاحتجاجات الواسعة، التي كان بعضها عنيفاً، لكنها ليست كثيرة نسبياً، نذكر منها يوم الأرض في آذار/مارس 1976، وأحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000، بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، وانتفاضة الأفراد في سنة 2015، ومؤخراً أحداث أيار/مايو 2021، التي اندلعت في أعقاب التوتر الذي شهده المسجد الأقصى والقدس الشرقية. وإحدى أهم مظاهر العنف التي حدثت في أيار/مايو 2021، كانت الضرر الذي لحق برموز الدولة وتشويش حركة السير. وهو ما قام به بعض الشبان الذين لا ينتمون إلى أي تيار سياسي، وهم عاطلون من العمل، بعضهم له علاقة بالإجرام المنظم، وكانت الهبّة فرصة بالنسبة إليهم لتنظيف سمعتهم كمجرمين، من خلال الاندماج في عمل قومي.
- امتناع المجتمع العربي من المشاركة في أي أعمال “إرهابية” تبدو أوضح عند الأخذ بعين الاعتبار أن أبناءه يشكلون أهدافاً مغرية جداً للتجنيد على يد الفصائل الفلسطينية وحزب الله. بسبب العلاقات العائلية والاجتماعية والاقتصادية بسكان مناطق السلطة الفلسطينية وحيازتهم بطاقة هوية إسرائيلية، تساعدهم على الحركة بحُرية ومعرفتهم لمناطق محددة لتنفيذ عمليات. وعلى الرغم من احتمال هذا الخطر، فإنه لم يشارك إلاّ قلة من العرب الإسرائيليين في هذه العمليات.
- تعريف المجتمع العربي في إسرائيل كأقلية غير عنيفة، مرتبط بصورة أساسية بالمسار الطويل الذي مر فيه هذا المجتمع وتأثره بفكرة الحياة المشتركة مع المجتمع اليهودي الذي ربطه بالدولة والمجتمع اليهودي في مجالات كثيرة. والأغلبية في المجتمع العربي ترى في الدولة دولتها، وهي معنية بالحفاظ على جنسيتها والحقوق فيها، وتحاول تعميق هذا التعاون. وهذا كله، من دون التنازل عن هويتها الخاصة، كأقلية سكان أصليين وجزء من الشعب الفلسطيني. ويمكن القول تقريباً أنه لم يكن هناك أي فترة كهذه الفترة، تدفع الظروف الموضوعية (الربيع العربي واتفاقيات أبراهام) المواطنين العرب إلى تقوية ارتباطهم بإسرائيل. انضمام القائمة الموحدة إلى الائتلاف الحالي، واستعداد أغلبية الأحزاب اليهودية للتعاون مع القائمة المشتركة، ودعمها لاندماج العرب، هي المؤشر الأوضح لهذا الاندماج، وانعكاسه على المجتمع اليهودي.
- ومن المهم التشديد على أنه في مقابل هذا التوجه المعتدل لأغلبية المجتمع العربي، هناك أيضاً مجموعات متطرفة في أوساط هذا المجتمع، تنظر إلى هذا التوجه نحو الاندماج بسلبية مطلقة، وتعمل على إحباطه. وعلى الرغم من أن الحديث يدور عن أقلية قليلة جداً، فإنه يتمتع بشعبية وتقدير عالٍ، في الأساس في أوساط الشباب ووسائل التواصل الاجتماعي. فبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد “إكورد/ الجامعة العبرية في أيار/مايو 2022، فإن 87% من المستطلعين العرب رأوا أن منفّذي العمليات مواطني الدولة لا يمثلون المجتمع العربي، و8% فقط قالوا إنهم يمثلونهم بصورة قليلة، وفقط 5% قالوا إنهم يمثلونهم بشكل كامل. ومن بين الفئة الأخيرة، يبدو أن هناك أشخاصاً على استعداد للمشاركة في عمليات “إرهابية”، بهدف إحباط مسار الاندماج هذا أيضاً.
- وفي الخلاصة، يبدو أنه، فقط ظروف استثنائية جداً، وتحولات عميقة يصعب تقديرها، يمكن أن تساعد أيديولوجيات عنيفة ومتطرفة، كداعش وغيرها، في الحصول على تأييد المجتمع العربي في إسرائيل. وهذا ليس الوضع القائم اليوم. لكن وظيفة الدولة هي العمل بإصرار لتقوية الأغلبية البراغماتية، وكذلك العمل على ردع الفئات المتطرفة العنيفة بكل الطرق القانونية الممكنة.