كيف تتحكم خمس قوى تكنولوجية في مستقبل المجتمعات؟

تغيرات عميقة

تغيرات عميقة:

كيف تتحكم خمس قوى تكنولوجية في مستقبل المجتمعات؟

عرض: وفاء الريحان

يمكن للذكاء الاصطناعي والروبوتات جلب فوائد هائلة للمجتمعات، ولكن يمكن أيضاً استخدامهما لأغراض ضارة إذا وقعا في الأيدي الخطأ. لذلك، يجب على البشر أن يكونوا مستعدين لمواكبة التطورات في تلك المجالات واستخدامها بطريقة مسؤولة، من دون المساس بالمبادئ الأساسية لحماية الحقوق الإنسانية.

في هذا الإطار، يطرح كتاب “القوى الخمس التي تغير كل شيء: كيف تعمل التكنولوجيا على تشكيل مستقبلنا” للكاتب ستيف هوفمان – الرئيس التنفيذي لشركة “فوندر سبيس”، إحدى الشركات التكنولوجية الناشئة الرائدة في العالم – أسئلة حول كيفية تشكيل التكنولوجيا لعالمنا، وماذا سيكون مستقبل الجنس البشري، من خلال عرضه للقوى الخمس المتمثلة في: الاتصال الجماعي، والتقارب الحيوي، وتوسع البشرية، والأتمتة العميقة، والذكاء الخارق، وتطبيقاتها المختلفة في كل قطاعات الحياة.

الاتصال الجماعي:

يرى الكاتب أنه عبر التاريخ البشري، جاء الاتصال الجماعي في موجات، كل واحدة منها، مثلت نقطة تحول في الحضارة الإنسانية بشكل دائم، بدءاً من اللغة المحكية، تليها المكتوبة، ثم مطبعة جوتنبرج، مروراً بـالاتصالات السلكية واللاسلكية والتلفزيون والإنترنت.

في كل مرحلة من هذه المراحل كان تدفق المعلومات، يتم عبر النظام البيئي الذي يدعم تلك التطورات، والمتمثل في الاتصال الجماعي، كما الحال مع الخوارزميات التي لم يستطع البشر الاستفادة منها لإنشاء منتجات مثل الذكاء الاصطناعي من دون توافر البيئة المُعززة لها. ينطبق الشيء نفسه على تطبيقات مثل اليوتيوب والنتفليكس، فقد كانت هناك العشرات من خدمات الفيديو عبر الإنترنت قبل ظهور شبكات النطاق الترددي العالي لكنها لم تنجح إلا مع قدوم هذه الشبكات.

مع تطور استخدام تلك التقنيات المعتمدة على التواصل الاجتماعي سيكون البشر قادرين على التواصل بطرق لم نتخيلها أبداً، وخلق عالم أكثر ثراءً وديناميكية، ومن الأمثلة على ذلك:

التقارب الحيوي:

يُعرف الكاتب التقارب الحيوي بأنه القوة التي تدفع البشر إلى دمج علم الأحياء مع التكنولوجيا، حيث فك رموز اللبنات الأساسية للحياة، وإنشاء أنواع جديدة تماماً من النباتات والحيوانات، وقهر الأمراض، وزيادة القدرات البشرية. فهناك العديد من التطبيقات التي يعمل عليها العلماء ومهندسو الوراثة عن طريق الاستفادة من هذا التقارب بين البيولوجيا والتكنولوجيا ومنها:

ويرى الكاتب أن تلك الأبحاث من الممكن أن تُساهم في رفع متوسط العمر المتوقع للإنسان، عن طريق الوصول لعلاج للأمراض الخطيرة مثل السرطان، مع تسليمه أنه حتى مع القضاء على الظروف الصحية غير المرغوبة وإطالة أمد الحياة بشكل عام، إلا أن ذلك لن يمنع حدوث الوفاة الناتج عن العديد من الأسباب يأتي على رأسها الحوادث والصراعات، وبذلك قد تتوازن الأمور في مرحلة ما.

يعطي هوفمان مثالاً على ذلك بالخنزير الذي تتقارب أعضاؤه مع حجم الأعضاء البشرية، فيذهب إلى أنه من خلال تعديل جينوم الخنازير لجعلها أكثر توافقاً، يأمل العلماء في تكوين أعضاء هجينة لن يرفضها جهاز المناعة البشري، مع الأخذ في الاعتبار ردود الفعل حول القضايا الأخلاقية التي سيُثيرها هذا الأمر.

توسع البشرية:

يعني الكاتب بتوسع البشرية بأنها القوة التي تدفع البشر نحو حواف الكون المعروفة، والتي ستُدخل البشر إلى عالم الكم والفضاء الخارجي، من أجل تسخير إمكاناتهم الهائلة. ومن تطبيقاتها ما يلي:

مجال آخر تتفوق فيه أجهزة الكمبيوتر الكمومية هو معالجة البيانات غير المهيكلة؛ حيث يتم إنشاء أكثر من 2.5 كوينتيليون بايت من البيانات كل يوم، ويتزايد هذا العدد مع قضاء المزيد من الوقت على الإنترنت وتوصيل المزيد من الأجهزة به. وتُعد معالجة كل هذه البيانات وإدراكها أمراً هائلاً، وهنا يأتي دور سرعة أجهزة الكمبيوتر الكمومية، التي من الممكن قريباً أن تساعد على استخراج معلومات قابلة للتنفيذ من البيانات غير المهيكلة الموجودة حالياً في قواعد البيانات، وهو ما يكون له تأثير هائل على مجال الذكاء الاصطناعي.

يقول هوفمان إنه على الرغم من كل التقدم الذي تم إحرازه، لا يعتبر الجيل الحالي من أجهزة الكمبيوتر الكمومية ضخماً فحسب، بل إنه هش للغاية. حتى الاهتزازات الصغيرة أو الموجات الكهرومغناطيسية في البيئة المحيطة يمكن أن يؤثر على المعادن فائقة التوصيل وتتسبب في فك الترابط، كما أن هذه الأجهزة ليست مناسبة أيضاً لنوع العمل الذي يقوم به معظم الأشخاص على هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. لذا، قد يكون للحوسبة الكمومية التأثير الأكبر عندما يتعلق الأمر بالعلوم.

الأتمتة العميقة:

يُعرف هوفمان الأتمتة العميقة بأنها القوة التي تدفع البشر إلى أتمتة جميع العمليات الأساسية لإدارة الحياة وتنميتها واستدامتها من خلال الخوارزميات، والتي ستسرع الابتكار وتخلق الثروة وتحرر البشر من الحاجة إلى العمل. ويوضح الكاتب أن الروبوتات لا تستطيع العمل من دون الخوارزميات الذكية التي تمكنهم من أداء المهام المتقدمة، وبالتالي سيكون الذكاء الاصطناعي، وليس الآلات، المحرك الرئيسي للأتمتة في المضي قدماً، ومن أمثلة التطورات في الأتمتة:

تعتقد الشركة أن خوارزميات التعلم الآلي الخاصة بها يمكن أن تساعد أقسام الشرطة على تحسين استخدام الموارد وتقليل معدلات الجريمة، على جانب آخر، تستخدم الشرطة أيضاً طائرات من دون طيار لرسم خرائط للمدن، ومراقبة تدفق حركة المرور، ومطاردة المشتبه بهم، والتحقيق في مسرح الجريمة من الجو، وحتى إجراء عمليات إعادة بناء ثلاثية الأبعاد للحوادث.

الذكاء الخارق:

وفقاً للكاتب، فإن الذكاء الخارق هو القوة التي تدفعنا إلى تطوير أشكال جديدة من الذكاء تتجاوز بكثير القدرات البشرية، وستنتج إلى الوجود آلات واعية تدير الاقتصادات، وتندمج مع الوعي البشري. ومع تسليم بعض علماء الكمبيوتر بأن الذكاء الخارق لن يتحقق أبداً، يعتقد الكاتب أنها مسألة وقت قبل أن تتوصل البشرية إلى خوارزميات وتقنيات جديدة لتحسين ذكاء الآلة. ومن تطبيقات هذه القوة:

– اقتصادات الذكاء الاصطناعي: تلعب البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي دوراً مركزياً في السيطرة على اقتصاد السوق، وتعمل شركات مثل فيس بوك وأمازون وجوجل على استخدام خوارزميات معقدة، إلى جانب كميات هائلة من البيانات، للتنبؤ بالأسواق والحصول على المعلومات عن السلع والخدمات التي يحتاجها الأفراد في جميع أنحاء العالم.

ختاماً، يرى الكاتب أن هذه القوى الخمس تستعد لإعادة تشكيل الإنسانية في العقود القادمة، وتحويل مجتمعنا وحياتنا بالكامل، وأنه لا توجد طريقة للعودة إلى الأوقات الأكثر بساطة، كما لا يمكننا وقف التقدم، ولكن يمكننا توجيه وتغيير الاتجاه الذي نسير فيه.

المصدر:

Steven S. Hoffman, The Five Forces That Change Everything: How Technology is Shaping Our Future, Texas: BenBella Books, Inc., August, 2021.

Exit mobile version