مشروع “تطيير” عبّود وعويدات معلّق
ملاك عقيل -أساس ميديا
لم تستوِ بعد “طبخة” الإطاحة برئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ومدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات.
الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة جدّاً. إمّا تهدأ العاصفة وكأنّ خلافاً لم يكن إلى حين تمرير الأشهر الأخيرة من ولايه العهد “بالتي هي أحسن”. وإمّا تُقرّ سلّة تعيينات من ضمنها رئيس مجلس قضاء أعلى جديد لا يقبل ميشال عون إلا أن يكون نتاج خياره الشخصي.
عمليّاً الكلام عن “الاستغناء عن خدمات” عبود وعويدات قديم، ويتجدّد كلّ فترة منذ مرحلة ما بعد انفجار المرفأ في 4 آب بحسب “مؤشّر” التشنّج السياسي حيال الملفّات القضائية.
الجديد في المسألة فقط هو زيادة الضغط على القاضيَيْن من جهتين متعاكستين:
– ميشال عون يريد “رأس” القاضي عبود بأيّ ثمن، وانضمّ إليه وزير العدل هنري خوري. البديل جاهز وهو القاضي إيلي الحلو رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان والرئيس الأوّل لمحاكم جبل لبنان بالتكليف. يمكن وصف هذا الأخير بمرشّح قصر بعبدا الدائم لهذا الموقع. وقد طُرح اسمه خلال مرحلة جوجلة الأسماء بعد التسوية التي قضت بـ”خلع” رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق جان فهد من منصبه، لكنّ عون عاد وتبنّى اسم سهيل عبود. في ذلك استكمال لمسار يخطّه رئيس الجمهورية على مسافة أشهر من انتهاء ولايته الرئاسية ودشّنه عبر “تثبيت” المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا في موقعه بصفة مدنية، مع العلم أنّ مرسوم تعيينه لم يصدر بعد. يبرز هنا التقاطع بين بعبدا وعين التينة وحزب الله للتخلّص من سهيل عبود على خلفيّة تغطيته الكاملة لمسار المحقّق العدلي في قضية المرفأ القاضي طارق البيطار.
– في المقلب الآخر يرى الرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وكلّ العازفين على وتر “حماية المصارف” أنّ مدّعي عام التمييز “متخاذل” ويتأثّر بالضغوطات فيما يملك هامشاً كبيراً من الصلاحيّات لا يستخدمها، ويتفرّج على مخالفات صريحة للقانون ترتكبها النيابات العامّة بإصدارها قرارات منع سفر وقيامها بالحجز على ممتلكات المصارف. لكنّ عويدات يواجه هذه الاتّهامات متذرّعاً بتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي قيّد صلاحياته. يرى الفريق المضادّ لعويدات أنّه قادر على الكثير، بما في ذلك توجيه تعليمات خطّية أو شفهية إلى النيابات العامّة مع حقّ الاطلاع على الملفّات وحفظها وتوجيه كتاب إلى رؤساء الأجهزة الأمنيّة لمنعهم من تنفيذ أيّ إشارة قضائية من المدّعية العامّة لجبل لبنان القاضية غادة عون تحت طائلة اتّخاذ إجراءات بحقّهم وصولاً إلى حقّ الادّعاء عليهم.
ميقاتي والـimage
وفق المعلومات، يتريّث ميقاتي كثيراً حيال السير بخيار تعيينات قضائية جديدة خلفاً لعبود وعويدات ورئيس التفتيش القضائي بركان سعد والمدّعي العام المالي علي إبراهيم وصولاً إلى غادة عون، ويرفض أن يكون رأس حربة هذا المشروع ربطاً بـ image يسعى إلى الحفاظ عليها بغية عدم اتّهامه بـ”بلّ يده” بالقضاء كسلطة تنفيذية.
هي خطوة لا تزال تعترضها مطبّات سياسية، ولم يكتمل التوافق عليها. حتى إنّ بعض التسريبات في الإعلام أتت بخلفيّة الضغط على عبود وعويدات لا أكثر.
وفق مصدر مطّلع فإنّ “العقدة الأساسية تكمن في بعبدا. إذا وافق ميشال عون “بتمشي التسوية”، خصوصاً بعد رفع الغطاء السياسي عن عويدات. لكن هل يمنح بري رئيس الجمهورية رئيساً جديداً لمجلس القضاء الأعلى يُسمّيه بنفسه قبل أشهر قليلة من انتهاء ولايته، وهو المطلب العوني الذي لم يلقَ تجاوباً سياسياً منذ سنوات؟ هذه نقطة أساسية الخلاف عليها قد يبقي عويدات في موقعه”.
في هذا السياق يُنقَل عن قريبين من ميقاتي أنّ “خطوة من هذا النوع قد تفجّر حكومته حتى لو توافر الغطاء السياسي بسبب تردّداتها الداخلية والخارجية، ويبقى همّه الأول هو استقرار الوضع النقدي وعدم انهيار آخر متراس، وهو شبكة المصارف التي سيؤدّي انهيارها إلى الدمار الشامل لبنية الدولة، ولذلك لن يكون قائد حملة تطيير القضاة”.
يعتقد ميقاتي أنّ “فريق القصر الجمهوري يضغط كثيراً في موضوع الإجراءات المتّخذة من جانب القاضية عون، وهو ما سيؤدي إلى انفجار الخلاف بين ميقاتي وعويدات بسبب تمنّع الأخير عن القيام بدوره في لجم عون”. وعليه، مقابل مطلب ميقاتي تعيين بديل عن عويدات يفرض رئيس الجمهورية تعيين بديل عن القاضي عبود.
يُسلّم رئيس الحكومة بأنّ “فريق العهد عبر القاضية عون والقاضي جان طنوس يتصرّف بحرّية تامّة من دون عوائق، والدليل مثول حاكم مصرف لبنان أكثر من مرّة أمام القاضية عون والادّعاء عليه ومنعه من السفر، وكذلك الأمر في ما يتعلّق ببعض رؤساء مجالس إدارة المصارف، وهذا ينفي نظرية حمايته وحماية مديري المصارف من قبل رئاسة الحكومة”.
لكنّ العارفين يجزمون أنّ ميقاتي “هو المُناور الأول في الجمهورية. يُسمِع رئيس الجمهورية شيئاً، والقضاة شيئاً، ونبيه بري شيئاً آخر. والهدف واحد، وهو حماية نفسه عبر حماية المصارف. والدليل أنّ حكومته لم تعقد أيّ جلسة استثنائية بغية حماية المودعين من النهب المستمرّ.
“رأسك بالدق”
في سياق موازٍ، تأتي التعيينات القضائية الأخيرة، التي شملت رؤساء غرف محاكم التمييز وأدّت إلى ملء الشغور في الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، في سياق الضغط الذي كَبر ككرة الثلج.
ضغط الرئيس عون على ميقاتي، وميقاتي ضغط على القاضي عبود لبتّها باعتبارها مطلباً أساسياً. ووصل الأمر إلى حدّ تحذير القاضي عبود من أنّ “رأسك بالدق ويجب أن تحسم هذا الملف”. فكانت النتيجة تجاوز عقدة بعض الأسماء، ومنها القاضية رندى كفوري التي كان يتمسّك عبود بتعيينها.
لكنّ مصادر قضائية مطّلعة تجزم أنّ “عبود وعويدات أبلغا مسبقاً رئيس الحكومة أنّ يوم الإثنين سيتمّ تعيين رؤساء غرف التمييز، وبالتالي لم تأتِ هذه الخطوة نتيجة التهويل بـ”استدعاء” القضاة إلى مجلس الوزراء والتلويح بتطييرهم. وقد حصل ذلك بعد قناعة القاضي عبود أخيراً بأنّه غير قادر على فرض تعيين رندى كفوري التي كانت العقدة الأساسية في التعيينات. حتى إنّ أحد أهالي ضحايا المرفأ قال في الإعلام إنّ التعيينات ستحصل الإثنين”.
تعيينات آخر العهد؟!
مع حلّ أزمة الشغور في الهيئة العامة لمحكمة التمييز المولجة ببتّ الدعاوى في ملف المرفأ “نُفّست” الأزمة قليلاً. وفي الكواليس تضغط جهات للإبقاء على عبود وعويدات في موقعيْهما، خصوصاً أنّ تعيينات من هذا النوع تحصل في بداية العهود وليس في نهايتها.
في هذا السياق، يتساءل مصدر قضائي “كيف يمكن استيعاب تطيير قضاة كبار من مواقعهم، فيما يبقى حاكم مصرف لبنان المُدّعى عليه في بلده والملاحق بالخارج في موقعه؟”.
يؤكّد مواكبون للملف أنّ ملء الشغور في رئاسات غرف التمييز الذي أمّن نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز، سيسمح باستئناف جلساتها برئاسة القاضي عبود بعد توقّفها لأشهر، وبالتالي بتّ كلّ الدعاوى المرتبطة بملف المرفأ.
يصعّب هذا الواقع طرح ملفّ عبود على طاولة الحكومة في ظلّ عدم توافق سياسي على سلّة التعيينات، على الرغم من التسريبات المضادّة التي توحي بذلك.