ارشيف الموقع

ضربة من حيث لم يحتسب العدو: «الذئب المنفرد» يخرج من «القلب»

هذه هي المرّة الأولى التي يتمكّن فيها فلسطيني لوحده من قتل 4 إسرائيليّين في عملية طعن ودهس فردية (أ ف ب )

الأخباار

تسارعت في الآونة الأخيرة التوقعات الإسرائيلية بموجة تصعيد جديدة في الأراضي الفلسطينية قبيل شهر رمضان وخلاله، لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن تبلغ تلك الموجة إحدى ذرواتها سريعاً، وفي الداخل المحتل، وبعملية غير مسبوقة منذ سنوات، خصوصاً لناحية النتيجة التي انتهت إليها. ولعلّ أكثر ما يثير قلق الكيان اليوم هو أن تشكّل هذه العملية حافزاً لمحاكاتها، في وقت لا تبدو فيه الخيارات كثيرة أمام حكومة العدو، خصوصاً في مواجهة نموذج “الذئب المفرد” الذي لا يفتأ يتوسّع

 

بئر السبع | مجدّداً، يباغت «الذئب المنفرد» منظومة أمن العدو، ويضرب ضربته الخاطفة، على رغم التحذيرات الإسرائيلية المتتالية أخيراً من وجود مؤشّرات إلى موجة عمليات قبيل بدء شهر رمضان وخلاله. وبخلاف كلّ التوقّعات، وبخاصة الإسرائيلية منها، وقعت العملية هذه المرّة وسط مدينة بئر السبع، وأدّت إلى مقتل أربعة مستوطنين وإصابة اثنين آخرين، في ما مثّل «لكمة قوية وغير مسبوقة». وفي التفاصيل، توضح رواية شرطة الاحتلال أن منفّذ الهجوم المزدوَج، وهو الأسير المحرَّر محمد غالب أبو القيعان، من قرية حورة في النقب، والذي أُفرج عنه أخيراً من السجون الإسرائيلية، تَرجّل من مركبته قرب محطّة وقود على طريق الخليل، وأجهز على مستوطِنة إسرائيلية بسكّين، ثمّ انطلق في المركبة مجدّداً، ودهس مستوطِناً يقود دراجة كهربائية، وأكمل طريقه نحو مركز تجاري آخر، وترجّل مجدّداً، وطعَن إسرائيليَين اثنين، قبل أن يُطلق مستوطن النار عليه ويرتقي شهيداً.
وشكّلت هذه الحادثة المعقّدة صفعة قاسية ونادرة لأمن العدو، لاعتبارات مختلفة، أبرزها نتيجة العملية؛ فهذه هي المرّة الأولى تاريخياً التي يتمكّن فيها فلسطيني لوحده من قتل 4 إسرائيليّين في عملية طعن ودهس فردية. كما أن المنفّذ تنقّل بين ثلاث مناطق مختلفة في بئر السبع، وهو ما يؤشّر إلى فشل المنظومة الأمنية، والذي من بين تجلّياته أيضاً أن المنفّذ أبو القيعان هو أسير محرَّر أخيراً، ومن البديهي أن يخضع لمراقبة «الشاباك» بعد الإفراج عنه، خصوصاً أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كانت قد صنّفته سابقاً كـ«صاحب ميول إرهابية». لكن أبو القيعان نجح في تنفيذ الهجوم من دون أيّ إنذار مسبق، بحسب قناة «كان» الإسرائيلية. والسبب في ذلك، بحسب يوآف ليمور في «إسرائيل هيوم»، يكمن في «الاختلاف بين بنية تحتية لتنظيم، ومنفّذ عملية بمفرده»، إذ إن «البنية التحتية قادرة على إحداث هجمات أكثر فتكًا، لكنها أكثر عرضة للإحباط بسبب تعدّد عناصرها، و من ناحية أخرى، يكون منفذ العملية الوحيد هدفاً يصعب إحباطه إذا لم يترك وراءه أيّ علامات إرشادية (مادّية أو تكنولوجية)، ولكن يمكنه التسبب فقط في ضرر محدود». ولكن هذه المرّة، «يُعتبر الهجوم غير معتاد، حيث تمكّن منفذ عملية منفرد من قتل أربعة مدنيين قبل القضاء عليه»، بحسب ليمور. أمّا الفشل الأكبر، وفق التحقيقات الإسرائيلية، فيتعلّق بمدّة العملية؛ إذ يقول قائد شرطة العدو إنها استمرّت لثماني دقائق، فيما تلقّت الشرطة البلاغ الأوّلي حول وقوعها بعد 4 دقائق من بدء تنفيذها. والأكثر إثارة، هو أن الأنظار والتقديرات الإسرائيلية قبيل شهر رمضان كانت مُصوَّبة نحو القدس والضفة الغربية، في حين لم يتوقّع أحد وقوع هجوم في بئر السبع داخل النقب، وفق ما يشير إليه المحلّل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت».

من جهته، أكد المفوض العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي، عقب وصوله إلى مكان العملية، «(أنّنا) لم نشهد عملية قاتلة مثلها منذ فترة طويلة». وفي حين هاجمه مستوطنون، مُردّدين هتافات «فاشل فاشل»، قال شبتاي، إنه «في أعقاب العملية، ضاعفنا جهوزيتنا على المستوى القطري خشية تنفيذ عمليات مشابهة». وفي الوقت نفسه، دفعت سلطات الاحتلال بقوات كبيرة من الشرطة و«الشاباك» نحو قرية حورة، ودهمت منزل المنفّذ، واعتقلت عدّة فلسطينيين، من بينهم أخوا الشهيد – اللذان أشارت بعض التقارير الإسرائيلية إلى أن الأجهزة الأمنية تعتقد بأنهما ساعدا المنفّذ في تأمين أدواته -، كما أغلقت كلّ مداخل القرية. والجدير ذكره، هنا، أن الشهيد أبو القيعان متزوّج وأب لخمسة أطفال، وقضى ما مجموعه 4 سنوات داخل سجون العدو، وعائلته طردها الاحتلال من قرية عتير إلى قرية حورة عام 2013. وفي هذا السياق، قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عومر بارليف، إن «هذه عملية طعن قاسية وصعبة، نفذها شخص كان من الأفضل أن لا يتمّ إطلاق سراحه من السجن عام 2019»، مضيفاً: «لن نرتاح حتى نقضي على الإرهاب القومي، ونلاحق المخرّبين أينما كانوا». وفي حديث بارليف ما يطعن في التقارير الإسرائيلية التي حاولت تصوير أبو القيعان على أنه «إرهابي ينتمي لتنظيم داعش، وقد سُجن بهذه التهمة»، إذ نسب بارليف العملية إلى «الإرهاب القومي»، أي الفلسطيني المتعلّق بالصراع مع المستوطنين، وليس «الديني»، معتبراً أن أبو القيعان «مخرّب»، أي مقاوم بتعبير الصهاينة. وتأتي عملية بئر السبع بعد نحو أسبوع من إعلان مستوطنين تشكيل ميليشيات مسلّحة تحت اسم «سيريِت برئيل»، على اسم القناص الذي قُتل على حدود غزة، وهو برئيل شموئيلي، وتهدف إلى تنفيذ اعتداءات ضدّ الفلسطينيين في النقب ومواجهتهم. وقبل يومين، هاجمت هذه الميليشيا شابّاً من مدينة رهط، واعتدت عليه بالغاز والهراوات وأصابته بجروح.
وفي تعليقه على الحدث، اعتبر موقع «والا» الإسرائيلي أن التصعيد الذي حذّرت منه المنظومة الأمنية بدأ بالفعل قبيل رمضان؛ إذ شهدت فلسطين المحتلّة 8 عمليات خلال أقلّ من شهر، أوقعت 4 قتلى و13 إصابة، ومن بين المصابين 8 من عناصر شرطة العدو. وفي غالبية هذه العمليات استخدم المنفّذ أسلوب الطعن بآلات حادّة، بينما أصيب اثنان من جنود الاحتلال في عملية دهس داخل بلدة السيلة الحارثية غرب جنين. وتنبئ عملية بئر السبع وما سبقها من حوادث طعن فردية، بعودة هذه الهجمات بقوّة أكبر وتوسّع دائرتها، بخلاف بداية العام الجاري والأشهر التي سبقته، حيث تركّزت الحوادث في الضفة الغربية، واقتصرت في غالبية الأوقات على إطلاق النيران الخاطفة تجاه حواجز جيش العدو وجنوده في اقتحامات القرى والمدن الفلسطينية. وبحسب ليمور من «إسرائيل هيوم»، فإن «على الرغم من وفرة العوامل المساعدة على التصعيد، إلا أن تأثير الجهات الكابحة للانزلاق لتصعيد (الوضع الاقتصادي، وتأثير الدول العربية المعتدلة، والتعب العام في الساحة الفلسطينية من الصراعات) سيكون بارزاً وفي المقدمة». ومع ذلك، فإن «الهجوم يهدد بخلط الأوراق؛ لذا يجب أن يبذل النظام السياسي والأمني الآن جهوداً متزايدة لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح حتى لا يكون الشهر القادم أكثر عنفًا ودموية من أي وقت مضى».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى