تضع رسالة إسبانية إلى ملك المغرب حدا للأزمة الدبلوماسية التي استمرت شهور عديدة بين البلدين، إذ تحمل بين طياتها “تغيرا تاريخيا” في الموقف الذي طالما التزمت به مدريد، وفق صحيفة إسبانية.
ومفاد الرسالة تأييد مدريد لمقترح الرباط منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا، وتصفه بأنه “أساس جدي وواقعي لحل النزاع”.
وقالت صحيفة “إلباييس” إن الحكومة الإسبانية، برسالة رئيسها، بيدرو سانشيز، إلى الملك المغربي، محمد السادس، تتخلى عن موقفها التقليدي المتمثل في الحياد في ما يتعلق بنزاع الصحراء، وتنحاز إلى المغرب في قضية مستعمرتها السابقة.
وأعلن الديوان الملكي المغربي، الجمعة، أن سانشيز أعرب في الرسالة “أن إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”.
ويرى رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، محمد سالم عبد الفتاح، أن “الموقف الإسباني الجديد وإن بدا مغايرا للمواقف التي عبرت عنها إسبانيا سابقا، يدور في نفس فلك الدعم والقرب والشراكة الاستراتجية مع المغرب”.
ويوضح عبد الفتاح في حديث لموقع “الحرة” أن “المتغير هو “التصريح” بالدعم الإسباني الرسمي للموقف المغربي من قضية الصحراء، بعد أن ظلت تؤيده “ضمنيا” منذ اندلاع النزاع منتصف سبعينيات القرن الماضي”.
وكان الموقف الإسباني يدعم باستمرار “حلا سياسيا وعادلا ودائما ومقبولا من الطرفين، في إطار الأمم المتحدة”، دون إبداء تأييد لمقترح الحكم الذاتي المغربي أو حتى “استقلال” الصحروايين، لكن مدريد تغير موقفها على أمل إنهاء الأزمة الدبلوماسية مع الرباط، بحسب “إلباييس”.
ويقول سالم عبد الفتاح إن “إسبانيا كانت تبدي مواقف توفيقية بين الأطراف المتنازعة نظرا لسعيها للعب أدوار الوساطة ودعم الجهود والمساعي الأممية بالنظر إلى المسؤوليات التاريخية المترتبة عليها باعتبارها المستعمرة السابقة للإقليم، إلى جانب تشعب مصالحها الاستراتيجية إزاء شركائها في ضفة جنوب المتوسط لا سيما مع المغرب والجزائر”.
فتح باب المصالحة
وبعد الرسالة، سيزور وزير الشؤون الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، المغرب “في نهاية شهر مارس الجاري وقبل شهر رمضان” الذي يبدأ في 2 نيسان بالمغرب.
وستكون هذه أول زيارة يقوم بها رئيس الدبلوماسية الإسبانية إلى البلد المجاور منذ توليه الحقيبة في 13 تموز، العام الماضي.
ومن المقرر أيضا أن يقوم رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، بزيارة إلى المملكة المغربية في وقت لاحق”، بحسب بيان صادر عن رئاسة الحكومة الإسبانية.
وعبرت وزارة الخارجية المغربية، الجمعة، في بيان آخر عن “إشادة عالية بالمواقف الإيجابية” و”الالتزامات البناءة” لإسبانيا إزاء مقترح المملكة منح حكم ذاتي لحل نزاع الصحراء الغربية، ما من شأنه تحسين العلاقات المتأزمة بين الجارين.
ويرى، رشيد لزرق، أستاذ العلوم الدستورية بجامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة بالمغرب، أن ” القرار الإسباني خطوة في الاتجاه الصحيح”.
ويتابع لزرق في حديث لموقع “الحرة” أن الرسالة تأتي بعد “الصرامة المغربية” والموقف الأميركي العام الماضي القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، بحسب تعبيره.
وقالت الصحيفة الإسبانية إن البيان المغربي لا يشير إلى احترام الوحدة الإقليمية لإسبانيا، بما في ذلك سيادتها على سبتة ومليلية، ولا إلى مراقبة الهجرة، وهي مسائل يشير إليها بيان الحكومة الإسبانية.
وتشير الصحيفة إلى أن الهدف الرئيسي للدبلوماسية الإسبانية كان هو الحصول على التزام من المغرب بعدم استخدام وصول المهاجرين مرة أخرى كأداة للضغط.
ويقول بيان الحكومة الإسبانية “نبدأ اليوم مرحلة جديدة من العلاقة مع المغرب على أساس الاحترام المتبادل والامتثال للاتفاقيات وغياب الإجراءات الأحادية والشفافية والتواصل الدائم. وسيتم تطوير هذه المرحلة الجديدة لتصبح خارطة طريق واضحة وطموحة. كل هذا لضمان الاستقرار والسيادة والسلامة الإقليمية والازدهار لبلدينا “.
ويتابع بيان الحكومة الإسبانية على لسان رئيسها: “ستتصرف إسبانيا بشفافية مطلقة تتوافق مع صديق وحليف عظيم … أؤكد لكم أن إسبانيا ستفي دائما بالتزاماتها وكلمتها”.
وترى الصحيفة إن رسالة سانشيز تتجاوز قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 29 تشرين الاول، والذي يعلن أنه “يحيط علما” بالاقتراح المغربي للحكم الذاتي للصحراء، الذي قدم في نيسان 2007، ويرحب “بجهود المغرب الجادة والموثوقة لدفع العملية نحو حل” للنزاع. ولكن دون إظهار تفضيل لذلك ، كما فعلت إسبانيا، بحسب إلباييس.
“ابتزاز” وضغط
وفي أول رد من جبهة البوليساريو، قال مندوبها في إسبانيا، عبد الله عربي، إن رئيس الحكومة الإسبانية استسلم “”للضغط والابتزاز” من المغرب من خلال المصادقة على خطته للحكم الذاتي للصحراء الغربية كوسيلة لاستئناف العلاقات السياسية والدبلوماسية المتضررة بين البلدين”.
وفي تصريحات لوكالة “يوروبا برس”، أكد عربي أن الحكومة الإسبانية تحاول منذ سنوات “إرضاء المغرب باستمرار”.
وأضاف مندوب البوليساريو القول إن اعتراف إسبانيا الآن بخطة الحكم الذاتي المغربية كأفضل خيار لحل النزاع يسلط الضوء على “نفاق” الحكومة عندما تتحدث عن “الدفاع عن الشرعية الدولية”، بحسب تعبيره.
وقالت “إلباييس” إن رسالة سانشيز إلى محمد السادس هي نتاج أشهر من المفاوضات بين وزارتي الخارجية، وتمثل وفاء للشرط الذي فرضه المغرب لتطبيع علاقاته بالكامل، وهو أن تغير إسبانيا موقفها من الصحراء.
ويشير سالم عبد الفتاح إلى أن “دواعي هذا التغيير في الموقف الإسباني إزاء المغرب، فتتمثل في الضغط الذي مارسه عليها الأخير منذ الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين البلدين بسبب استقبال إشبانيا زعيم البوليساريو إبراهيم غالي، بشكل سري لأجل الاستشفاء، إلى جانب الموقف الذي عبر عنه العاهل المغربي محمد السادس في نوفمبر الماضي حين ربط بين تحقيق مصالح حلفاء المغرب وشركائه الاقتصادية والتجارية مع المغرب بإبداء مواقف صريحة داعمة للمغرب في ما يتعلق بملف الصحراء، مؤكدا على ضرورة تجاوز ما وصفه بـ”المواقف الغامضة والمزدوجة”.
وتقول إلبايس إن رسالة رئيس الحكومة تنهي الأزمة الدبلوماسية التي بدأت مع وصول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي إلى إسبانيا في 18 نيسان من العام الماضي لتلقي العلاج، وهو ما اعتبرته الرباط “مخالفا لحسن الجوار”.
وتفاقمت الأزمة حينها مع تدفق نحو 10 آلاف مهاجر معظمهم مغاربة، وبينهم الكثير من القاصرين، على جيب سبتة الإسباني شمالي المغرب، مستغلين تراخيا في مراقبة الحدود من الجانب المغربي.
ويقترح المغرب منح الصحراء الغربية التي يسيطر على نحو 80 بالمئة من مساحتها، حكما ذاتيا تحت سيادته لحل النزاع. بينما تطالب جبهة البوليساريو مدعومة من الجارة الجزائر بإجراء استفتاء لتقرير مصير المنطقة. ويدعو مجلس الأمن الدولي كلا من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى استئناف المفاوضات، المتوقفة منذ 2019 “بدون شروط مسبقة وبحسن نية”، بهدف التوصل إلى “حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين”.
المصدر: الحرة