مطار بن غوريون مفتوح أمام اللاجئ اليهودي لا الأوكراني!
أثارت إجراءات كيان الاحتلال في استقدام الأوكرانيين وتفضيل اليهود على سواهم في كيفية الاستقبال وتقديم الخدمات من لحظة وصولهم إلى مطار بن غوريون، حفيظة العديد من الأوساط الإسرائيلية والتي ذهبت إلى المقارنة بين هذا السلوك مع من سواهم من اللاجئين الإسرائيليين المتواجدين في عدد من الدول الغربية على وجه الخصوص. وهذا ما ربطه الاعلام العبري خاصة بالفائدة المالية التي ستجنيها “إسرائيل” وهو ما دفعها للعب على حبلي الصراع ما بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى فيما تدفع أوكرانيا ثمن مغامرات واشنطن.
صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى ان “الموظفين المجتهدين في مطار بن غوريون يعملون بدأب على تصنيف الذين يطرقون أبوابهم” إذا كانوا يهوداً ام لا، ويتم استقبالهم على هذا الأساس. متسائلة “بدلاً من تقليص عدوانه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، يضم حلف الناتو المزيد من دول شرق أوروبا في صفوفه. ولكن إذا لم تعد هناك حرب باردة، فلماذا كل هذا الزحف العسكري نحو الشرق؟ تتساءل روسيا وبحق”. النص المترجم:
لو كنت يهودياً أوكرانياً لرفضت المجيء إلى “إسرائيل” والحصول على معاملة تفضيلية في الوقت الذي يجري فيه رفض دخول اللاجئ الأوكراني. هكذا يبدو المشهد المخجل. فالموظفون المجتهدون في مطار بن غوريون يعملون بدأب على تصنيف الذين يطرقون أبوابهم: أأنت يهودي؟ أهلاً وسهلاً؛ أوكراني؟ تعال لنرى ما إذا بقي مكان آخر في “الكوتة”.
حتى كتابة هذه السطور، أكثر من مليون لاجئ أوكراني أغرقوا أوروبا، والآلاف قتلوا، ودمار من هنا وحتى إشعار آخر، ونقص في الكهرباء والمياه… وفي “إسرائيل”؟ في “إسرائيل” يحصون اليهود القادمين. ينتظرون مجيء مئات آلاف المهاجرين الجدد من أوكرانيا، واللعاب السائل من أفواه المسؤولين المتحدثين عن النقاء الديمغرافي، يملأ الميادين. 300 ألف يهودي أوكراني، كما تتنبأ وزيرة الداخلية اييلت شكيد (يوسي فيرتر، هآرتس، 4/3)، سيأتون إلى إسرائيل. أوكرانيا تضمد الجراح، وإسرائيل تلعق الأصابع.
لا تكتفي شكيد بهذا الوابل من المهاجرين؛ فهي تطمح أيضاً إلى نوع آخر من المحاصيل. “في جلسة “الكابنت”، أشارت شكيد إلى أن الحرب في القارة الأوروبية ستجعل دول أوروبا تدرك أنها بحاجة إلى السلاح، الكثير منه. وسترغب في زيادة ميزانية الدفاع، وعلى الأقل سنجبي أموالاً من الأزمة، اقترحت”، كتب فيرتر. مأساة أوكرانيا بدت فرصة لـ “إسرائيل”. هل توقف هؤلاء الأشخاص عن النظر إلى المرآة؟
من المهم الإشارة هنا إلى أن مأساة الشعب الأوكراني ستلقي بظلها على العالم كله، وضمن ذلك الشرق الأوسط أيضاً. الشعوب المضطهدة تعلمت بأن المصالح الاقتصادية والأخلاق خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً. في نهاية المطاف، المصالح الاقتصادية لما يسمى “العالم الحرب” نمت بوتيرة كبيرة جداً، ولم يسلم منها حتى دول ظلامية. انظروا إلى العلاقة بين أمريكا والسعودية مثلاً؛ فرائحة النفط تسمم الحواس، لكننا الآن نرى أن معظم دول العالم تدين روسيا، وكثير منها فرضت عليها عقوبات ثمنها ثقيل جداً حتى عليها هي نفسها.
السؤال المؤلم هو: لماذا تبدو هذه الأخلاق انتقائية جداً؟ لماذا تنبت هذه الأخلاق في مكان وتذوي في مكان آخر؟ لماذا تسري في دول يعيش فيها أصحاب جلود بلون معين، ولا تسري في دول يعيش فيها من لديهم لون جلود مختلفة؟ وماذا بالنسبة للاحتلال الذي يلقي بثقله الشديد على الفلسطينيين منذ 55 سنة؟ ألا يستحق الفلسطينيون القليل من هذه الأخلاق؟
لذلك، يمكن تفهم الغضب على العالم المحيط بنا، العالم الذي يرضى للمأساة الفلسطينية الاستمرار والتواصل، وفي الوقت نفسه يستمتع بشهر عسل طويل ويلهو مع المحتلين. يمكن الفهم، لكن محظور على هذا الغضب أن يعمي عيوننا. يجب على الديمقراطي الحقيقي عدم تبرير احتلال ما لأن العالم يغض الطرف عن احتلال آخر.
أسمع أصدقاء يشتاط غضبهم عند رؤية نفاق الغرب، يعلنون بأنه إذا أيدت أمريكا طرفاً فسيختارون الآخر. وأقول لهم بأن هذا الموقف يعني تنازلاً مسبقاً عن كونهم أنفسهم. من غير الصحي للشخص (أو المجموعة) ألا يكون سوى صدى، سلبياً أم إيجابياً، لرأي الآخرين.
كلمة حق أخرى لن تضر: بدلاً من تقليص عدوانه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، يضم حلف الناتو المزيد من دول شرق أوروبا في صفوفه. ولكن إذا لم تعد هناك حرب باردة، فلماذا كل هذا الزحف العسكري نحو الشرق؟ تتساءل روسيا وبحق. في الوقت نفسه، يظهر المزيد من الأسئلة التي تصعب الإجابة عليها، مثل: لماذا لم ينتفض ويغضب العالم بهذه الصورة ضد غزو الولايات المتحدة للعراق وبسبب مئات آلاف القتلى هناك، وهو غزو استند إلى كذبة فظة تقول بأن في جعبة العراق سلاحاً غير تقليدي؟
أجل، العالم منافق. ولكن علينا ألا نفقد البوصلة في عهد النفاق. لأن الاحتلال، أي احتلال، هو عمل متوحش ويدمر الحياة داخله. اسألوا الفلسطينيين. لذلك، من الجدير رسم خارطة أخرى للأخلاق، ونقول: أيتها الشعوب المحتلة في كل العالم، اتحدي! الفلسطينيون المحتلون هم أخوة الأوكرانيين المحتلين، وليس من الغريب أن فلاديمير بوتين المحتل قد اختار نفتالي بينيت المحتل من أجل التوسط.
المصدر: هآرتس
الكاتب: عودة بشارات