في حوالي أسبوعين فرض الغرب عدداً قياسياً من “العقوبات” – أكثر من 2000 عقوبة – على روسيا على إثر عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وتعالت أصوات المجتمع الدولي المستنكرة، فيما تُرك الشعب الفلسطيني لمواجهة مصيره من الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948 دون حسيب.
وفي مقال لصحيفة “هآرتس” العبرية يطرح الكاتب مقارنةً بين التعاطي الدولي مع روسيا من جهة ومع “إسرائيل” – “حبيبة الغرب” – من جهة أخرى، مفترضاً أن عقوبة واحدة على الكيان – إخراجه من نظام “سويفت” – ستكون كفيلةً بإنهاء الاحتلال حيث يؤكد الكاتب أن “اسرائيل بدون سويفت ستنهار على الفور على نفسها. ربما روسيا يمكنها أن تصمد لفترة معينة، لكن ليس إسرائيل”.
النص المترجم:
تخيلوا أن اسرائيل تقوم مرة أخرى بغزو غزة؛ القتل والدمار والخراب المعتاد، عشرات آلاف المواطنين الذين يهربون للنجاة بحياتهم بعد فقدان القليل الذي لديهم، بيوت تنهار مثل أبراج ورق اللعب، وإسرائيل تستمر في نشاطها: الطيارون يقصفون والمدرعات تنطلق بسرعة ووسائل الإعلام والجمهور في إسرائيل يصفقون. فجأة، المجتمع الدولي يقرر: إذا لم تخرج إسرائيل على الفور من غزة فسيتم فرض عقوبات عليها؛ إذا لم تتحول غزة على الفور إلى منطقة يحظر الطيران فوقها وقصفها فإن رحلات الطيران ستلغى منها وإليها. إسرائيل ستحاول مرة أخرى الاستخفاف كالعادة، وستقوم بتجنيد ادعاء الدفاع عن النفس والإرهاب والكارثة، والعالم سيستل سلاح يوم القيامة الجديد، سيفصل إسرائيل عن منظومة الاتصالات البنكية، إسرائيل بدون سويفت. ما يُعتبر صحيح وعادل مع من تغزو أوكرانيا، يعتبر صحيح وعادل أيضًا مع من تغزو غزة.
اسرائيل بدون سويفت ستنهار على الفور على نفسها. ربما روسيا الكبيرة والديكتاتورية يمكنها أن تصمد لفترة معينة، لكن ليس اسرائيل. خلال ايام رؤساء الاقتصاد سيأتون الى رؤساء الحكومات والجيش وسيقولون لهم: أوقفوا على الفور. نحن لا يمكننا الصمود. بالضبط مثلما جاءت نخبة رجال الاعمال في جنوب افريقيا الى الحكومة البيضاء وقالت لها: توقفوا. السؤال الوحيد الذي بقي مفتوح هو كم من الوقت سيستمر الجيش الاسرائيلي في تخريب غزة، يوم؟ يومين؟ اسبوع؟ ليس أكثر من ذلك. الجيش الاسرائيلي سينسحب وسيتم رفع الحصار وغزة سيتم فتحها، للمرة الاولى بعد سنوات، وكل ذلك بضربة واحدة سريعة وهي تفعيل نظام السويفت.
قبل اسبوعين كان هذا الوضع يعتبر سيناريو خيالي، لكن ربما الآن يتشكل نظام جديد في العالم، أي اعتداء وحشي على اشخاص عاجزين وأي احتلال، سيتم الرد عليه على الفور من قبل المجتمع الدولي بعقاب اقتصادي وسياسي. لا حاجة الى أي دبابة من اجل تحريك دول مارقة مثل اسرائيل. مطار بن غوريون مغلق، اجهزة صراف آلي مفصولة ستقوم بهذا العمل، بالتأكيد هنا، في دولة الدلال الهشة. المواطنون في اسرائيل لن يوافقوا على دفع ثمن شخصي عن حملات الدمار والخراب في غزة وفي لبنان وفي سوريا أو في الضفة المحتلة، الى الأبد.
لا يوجد أحد يتساءل هل اسرائيل ستصمد أمام ذلك. هي لن تصمد أمام ذلك. عدم مبالاة الاسرائيليين بما تفعله بلادهم وجيشهم سيتم استبداله على الفور بالقلق والخوف على جيوبهم. حتى الوطنيون الكبار، أكثر من يقدسون الجيش ويسعون الى اشعال الحرب، سيعيدون التفكير ثانية. السؤال هو هل سيصمد المجتمع الدولي امام ذلك؟ في الاصل هو كان يريد معاقبة روسيا واسرائيل؟ حبيبة الغرب؟ من الذي يتجرأ على ذلك؟ في نهاية المطاف كلمات عقوبات واسرائيل لم تلتقي في أي يوم، حتى الآن لم يفكر أي أحد بمعاقبة اسرائيل حقا على استخفافها الوقح والمستمر بقرارات المؤسسات الدولية. ربما الآن في اوكرانيا حدث شيء ما، ربما بعد روسيا لن يكون بالإمكان مسامحة اسرائيل عن كل شيء، ربما أن العالم يستيقظ.
الدولة التي فيها حتى الحرب في اوكرانيا تعتبر فرصة تجارية وصهيونية، انظروا الى تصريحات اييلت شاكيد عن فرصة بيع المزيد من السلاح في العالم وتصريحات تسفي هاوزر الذي يريد احضار المزيد من اليهود الى البلاد في ظل الحرب، ربما سيستيقظون فيها على واقع معاكس. الحرب في اوكرانيا تعطي العالم فرصة للكف عن الصمت، عدم الصمت لروسيا وعدم الصمت لإسرائيل.
هل سيوافق الاسرائيليون على أن يدفعوا من جيوبهم عن أفيتار، مكان معزول ومشبع بدماء محاربي حرية، الذي معظم الاسرائيليين لم يكونوا فيه ولن يكونوا؟ هل سيواصلون التصفيق لسلاح الجو بعد كل عملية قصف، إذا كان من الواضح لهم أنه بعد الجريمة سيأتي ايضا العقاب عليها؟ في الواقع العالمي الجديد غير المعروف كل شيء محتمل. يمكن أنه عند توقف المدافع ستعود الحياة الى المسار السابق، الذي فيه اسرائيل تتصرف كما يخطر ببالها وتتجاهل العالم الذي يقوم بتسليحها واحتضانها وتمويلها. ولكن ايضا ربما لا يكون ذلك. في واشنطن، التي فيها تكتب هذه السطور، أصبحنا نسمع اصوات جديدة، وربما ستتضاعف بعد الحرب، وأخيرا العالم سيقول كلمته ويبدأ في العمل، ليس فقط ضد روسيا الصغيرة جدا، بل ايضا ضد العزيزة الاكبر له، التي هي مسموح لها كل شيء، حركة سريعة واحدة وسينتهي الاحتلال.
المصدر: “هآرتس” العبرية
الكاتب: جدعون ليفي