سفير الشمال-غسان ريفي
عندما قرر الرئيس سعد الحريري الاعتكاف عن العمل السياسي مع تيار المستقبل، وعدم خوض الانتخابات النيابية كان يهدف الى توجيه رسالة الى من يعنيهم الأمر عربيا ودوليا مفادها أن غيابه عن الساحة السنية سيؤدي الى إرباكها خصوصا في المناطق التي تعنيه بشكل مباشر، وأن غياب تياره الأزرق عن هذا الاستحقاق سيؤدي الى إحجام جمهوره عن المشاركة بما يُخفض نسبة الاقتراع الى حدودها الدنيا ويفشّل العملية الانتخابية.
قرار الحريري ترافق مع تعميم حزبي داخلي يطلب من الراغبين في خوض الانتخابات النيابية تقديم إستقالاتهم، وذلك في محاولة واضحة لمنع التسرّب من التيار نحو الترشح، ظنا بأن القيادات الزرق ستفضل البقاء ضمن التيار ودعم موقف الحريري على شهوة الدخول أو العودة الى مجلس النواب.
تشير المعلومات الى أن ثمة إنزعاج كبير جدا من الرئيس الحريري وكل المحيطين به من عائلة ومقربين من الاستقالات التي يشهدها تيار المستقبل، ومن مسارعة بعض نواب كتلته الى التبرؤ من الانتساب إليه والاسراع في تقديم ترشيحاتهم والبدء بتشكيل اللوائح والسعي من خلالها لاستمالة جمهور المستقبل.
وتضيف هذه المعلومات أن إنزعاج الحريري مرده الى أن المرشحين والطامحين من تياره الداعين الى المشاركة الكثيفة في الانتخابات لسد الفراغ الذي خلفه قرار الاعتكاف، يؤدي عن قصد أو عن غير قصد الى ضرب هدف الرئيس الحريري في إيصال رسالته السياسية، وبالتالي فإن ذلك يُضعف موقفه، ويجعل قراره مجرد عزوف شخصي عن ترشح من دون تأثير فعلي على الساحتين السنية والوطنية.
ولعل الانزعاج الأكبر لدى الحريري هو مسارعة بعض القيادات اللصيقة به الى الانقلاب عليه، والى تقديم إستقالاتهم بهدف الترشح ومحاولة إقناع بعض الملتزمين بالاقدام على تلك الخطوة، بحجة عدم ترك الساحة السنية للفراغ أو للموالين لقوى 8 آذار، فيما يشكل ذلك ضربة موجعة للحريري كونها تُظهر عدم إلتزام قيادات تياره بقراره، والاستفادة من فتح باب الاستقالة لخوض المعركة الانتخابية.
تشير المعطيات الى أن ما يشهده تيار المستقبل من شأنه يؤدي الى إنشقاق حقيقي في هيكليته التنظيمية، خصوصا أن رفاق الأمس باتوا خصوم اليوم، وقد بدأت الأمانة العامة بقيادة أحمد
الحريري وبمؤازرة أحمد هاشمية بمواجهتهم ضمن “حرب باردة” بدأت بوضعهم على لائحة “الخونة” للرئيس سعد الحريري، ووصفهم بـ”المنشقين”، وشن الهجمات المتتالية عليهم على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا على الرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس التيار المستقيل الدكتور مصطفى علوش، ما يشير الى “جولات عنف سياسي” بين أركان المستقبل و”المنشقين” الذين يتعرضون لهجوم مماثل من النائب فؤاد مخزومي ليس حبا بالحريري أو بالمستقبل وهو المعروف بالأنانية و”الانتهازية السياسية” التي جعلته وحيدا، بل خوفا من خسارة ما يعتبره فرصة تاريخية في بيروت يسعى الى إستغلالها بكل مندرجاتها مستفيدا من إعتكاف الحريري.
تقول مصادر سياسية مواكبة: إن الرئيس الحريري خاب أمله ممن كان يعتبرهم أقرب الناس إليه، في حين لا يختلف إثنان أن لدى هؤلاء طموحات نيابية ربما دخل البعض منهم الى تيار المستقبل لتحقيقها، وبالتالي فإن التعويل الوحيد اليوم هو على جمهور تيار المستقبل، فهل يتعاطف مع “المنشقين” ويضع المسمار الأخير في نعش الحريرية السياسية المتمثلة بـ”سعد”، أم يبقى على العهد والوعد ويقاطع كل من خرج عن قراره أو خالف توجهاته، ويساعد الحريري على تحقيق أهدافه من الاعتكاف؟، الاجابة ستكون داخل صناديق الاقتراع في 15 أيار المقبل إذا ما حصلت الانتخابات النيابية!..