كارل قربان Karl Korban
يقترب تاريخ 15 آيار، يوم الانتخابات النيابيّة المنتظرة. خصوم السياسة جمعتهم المصالح. فجأةً، اختفت السجالات والبيانات بين فريقين سياسيين أساسيين، “حركة أمل” و”التيّار الوطني الحرّ”. نجح “حزب الله” بجمعهما للعمل على تأمين الاكثريّة النيابيّة. فبعدما تبادلا الاتّهامات التي وصلت إلى حدّ تعطيل عمل مجلس الوزراء، ها هما يخوضان معاً المعركة الديمقراطيّة في لوائح موحّدة في بعض الدوائر. الاهداف تجمعهما، وهي الفوز بالانتخابات وإيصال مرشّح لرئاسة الجمهوريّة من رحم الثامن من آذار، وخصوصاً بعد تعليق الرئيس سعد الحريري مشاركته في الحياة السياسيّة، وتشرذم الشارع السنّي بين مؤيّدٍ لقرار الحريري، وبين مُشدّدٍ على ضرورة المشاركة.
ولا يُخفى على أحد رغبة النائب جبران باسيل إكمال مسيرة رئيس الجمهورية ميشال عون، التي سادها الكثير من المطبّات، وأبرزها المعيشيّة والاقتصاديّة، وعدم النجاح حتّى الان بفتح ملفات الفساد ومعالجتها في إدارات الدولة. فباسيل يحتاج لأصوات الحلفاء، وإعادة صياغة علاقاته مع القوى السياسيّة حتّى يتمكّن من تحقيق هذا الهدف، الذي يبدأ من إستحقاق الانتخابات النيابيّة.
وقد خسر رئيس “الوطني الحرّ” العديد من الحلفاء الذين بفضل تحالفه معهم، استطاع تشكيل تكتّل “لبنان القوي” عام 2018، وضمّ العديد من الشخصيات الحزبيّة، ومن الحلفاء. إلا أنّ الاخيرين، ابتعدوا شيئاً فشيئاً عن التكتّل، وتمثيلهم وازن في الدوائر التي يترشحون فيها. ما يعني أنّ باسيل خاسرٌ من خلال ضعفه في تشكيل لوائح إنتخابيّة مع هذه القوى. فبعد الفراق مع الحريري، وعزوف الاخير، يعمل خصومه على إقصائه في دائرة الشمال الثالثة. وأصبحت خسارته لمقعدين أمر شبه محسوم بعد خلافاته مع تيّار “المستقبل” ورئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوّض. وتجدر الاشارة إلى أنّ الانخفاض بعدد نواب كتلة باسيل سينسحب أيضاً في كسروان – جبيل، مع أرجحيّة أيضاً في المتن مع ارتفاع حظوظ “الكتائب” بثلاثة حواصل.
أمام كل ما تقدّم، يرى مراقبون أنّ ليس أمام باسيل سوى التحالف مع “الثنائي الشيعي” في بعض الدوائر، لتعويض عدد النواب الذين سيخسرهم، حيث يخوض الانتخابات وحيداً. ويوضح المراقبون أنّه مثلاً بعد الاتّفاق مع “حزب الله” و”أمل” على دعم مرشّح “الوطني الحرّ” لمقعد الروم الكاثوليك في بعلبك – الهرمل، مكان مرشّح الحزب “السوري القومي الاجتماعي”، فإنّ باسيل أمام مشكلة خلق خلافٍ جديدٍ مع مكوّن سياسيِّ حليفٍ له، ربما سيُؤثّر عليه في دوائر أخرى، كالمتن والبترون.
ويعتبر المراقبون أنّ فوز مرشّح باسيل في دائرة البقاع الثالثة محسوم مع “الثنائي الشيعي”. بالاضافة إلى أنّ اللائحة التي ستجمع “الوطني الحرّ” مع حليفيه الشيعيين في دائرة بيروت الثانيّة، ربما ستزيد من فرص الاوّل بالفوز بالمقعدين المسيحيين، الانجيلي والروم الارثوذكس. كذلك، الدخول بلائحة موحّدة في دائرة الجنوب الاولى، سيُمكّن “لبنان القوي” من المحافظة على نائبيه الماروني والروم الكاثوليك. ولكّن، يجدر السؤال، هل يقبل رئيس مجلس النواب نبيه برّي بزياد أسود في لائحة “أمل” بعد كلّ الفترة المشحونة التي مرّت بها العلاقة بين باسيل وبري، وكان فيها أسود رأس حربة الهجوم على رئيس المجلس النيابيّ؟
توازياً، تحالف باسيل مع “حزب الله” و”أمل” في دائرة البقاع الثانيّة، سيزيد من فرص فوز “الوطني الحرّ” بالمقعد الماروني . في السياق، يقول متابعون إنّ تحالف “الثنائي الشيعي” مع “الوطني الحر” في دائرة بعبدا، من شأنه أن يعزز حظوظ الاخير بالفوز بالمقعد الماروني الثاني، وخصوصا وأن قوى المجتمع المدني من جهة، وتحالف الكتائب والكتلة الوطنية من جهة ثانيّة، لن يستطيعوا تأمين الحاصل الانتخابي للفوز بالمقعد الماروني الثالث إنّ خاضوا الانتخابات منفصلين. ولكّن شكوك تدور حول قرار النائب حكمت ديب الاستقالة من “التيّار” وعدم خوض الانتخابات، ويسأل مراقبون هل للامر علاقة بأنّ “لبنان القوي” سيخسر المقعد الماروني الثاني في بعبدا، وديب استدرك هذا الامر وأعلن قراره؟
ويُشير مراقبون إلى أنّه ربما صحيح أنّ نسب التصويت ستكون متدنيّة في الانتخابات، وبشكل خاص في الشارع السنّي، إلا أنّ لوائح الاحزاب ستكون متقدّمة على تلك للمجتمع المدني. فتصويت المحازبين محسوم، وخصوصاً في الشارع الشيعي، الذي ينكبّ على زيادة نسب التصويت في الدوائر التي يخوض فيها الانتخابات، للفوز بأكبر عدد من الحواصل، وقطع الطريق أمام اللوائح المضادة من إمكانيّة الخرق بنسب كبيرة.
وصحيح أنّ باسيل بفضل تهدئته مع بري وتحالفه معه في دوائر النفوذ الشيعي سيُعوّض خسارته للنواب الذين سيفقدهم في الدوائر المسيحيّة. وصحيحُ أنّ بري همّه كـ”حزب الله” فوز الثامن من آذار بالاكثريّة النيابيّة. لكّن يسأل مراقبون، هل تعويض “الثنائي الشيعي” باسيل بالنواب المسيحيين، خلفه اتّفاقٌ مسبقٌ بين “الحزب” و”أمل” و”الوطني الحرّ” بسير باسيل بدعم بري لرئاسة سابعة لمجلس النواب؟
ويلفت المراقبون إلى أنّ عدد نواب تكتّل “لبنان القوي” سيُوازي عدد نواب كتلة “المستقبل” التي خسر بري أصواتها في المجلس النيابي بعد إعتكاف الحريري. ويُضيفون أنّها ليست المرّة الاولى التي يسير فيها “التيّار” بتسميّة بري، خلافاً لما جرى عام 2018. ويقولون إنّ هناك خشية من أنّ ينال المجتمع المدني تمثيلاً جديداً في مجلس النواب، بالاضافة إلى زيادة عدد نواب الاحزاب المسيحيّة المعارضة لـ”الثنائي الشيعي”، بالتوازي مع صعود كتلة سنّية جديدة مناهضة لسلاح “حزب الله” مع انسحاب الحريري، ستكون عائقاً أمام حسم نتيجة إنتخاب رئيس مجلس النواب بأكثريّة الاصوات.
المصدر: خاص “لبنان 24”