موسكو | تستمرّ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بوتيرة ثابتة، توازياً مع استئناف المفاوضات السياسية، ما يؤشّر إلى أن موسكو لا تزال تعوّل على تحقيق خروقات بمستوى النيران المفعّل حالياً، من دون الاضطرار إلى الانتقال إلى مستويات أعلى. واتّبعت القوات الروسية، خلال اليومَين الماضيَين، تكتيك عزل القوات الأوكرانية في حوض إقليم دونباس، عبر تقسيمها إلى مجموعات منفصلة بعضها عن بعض، ما أدّى إلى حدوث تضعضع في صفوفها، فيما تمكّنت قوات جمهوريتَي لوغانسك ودونيتسك الشعبيّتَين، من السيطرة على 40 تجمعاً سكنياً داخل الإقليم. وبينما أحكمت القوات الروسية سيطرتها على بلدتَي توكماك وفاسيلييفكا في مقاطعة زابوروجيه، بعد تسليم الجنود الأوكرانيين هناك أسلحتهم طوعاً من دون قتال، استمرّ العمل على تأمين مدينة خيرسون وضواحيها.
جنوباً، جرى تأمين ساحل بحر آزوف الشمالي، وأُحكم الطوق على مدينة ماريوبول البحرية، في انتظار خروج أكبر عدد من المدنيين منها عبر الممرّات الآمنة، فيما بدأت طلائع القوات الروسية بالوصول إلى مشارف مدينة أوديسا البحرية شمال غرب البحر الأسود، ما يشير إلى قرب إحكام السيطرة على المنافذ البحرية، علماً بأن البحرية الروسية تسيطر، منذ بدء العملية العسكرية، على شمال البحر الأسود من القرم إلى رومانيا. أمّا في شمال غرب إقليم دونباس، فتتقدّم القوات الروسية لإحكام السيطرة على مدينة خاركوف، بعدما دخلت عدداً من أحيائها من عدّة محاور. كما يستمرّ التموضع حول العاصمة كييف، مع التركيز على التقدّم من شمالها، والتعامل مع الأهداف الحسّاسة بضربات دقيقة نسبياً، نظراً إلى تمركز القوات الأوكرانية والمجموعات المسلّحة في الأحياء السكنية.
ويعتقد رئيس «المركز الروسي للدراسات الاستراتيجية»، الخبير العسكري فلاديمير يفسييف، أنه «بعد أن تتمكّن القوات الروسية وقوات جمهوريَتي دونيتسك ولوغانسك من القضاء على هيكلية القوات الأوكرانية في دونباس، سيتوفّر عديد إضافي لتعزيز الجبهات الأخرى، وخصوصاً غرباً، وقد يكون الهدف التالي هو السيطرة على العاصمة كييف». ويشير يفسييف، في حديث إلى “الأخبار”، إلى أن «قواتنا تسعى إلى التخفيف من حجم الخسائر قدر الإمكان، حيث تستخدم تكتيكات الضربات الدقيقة، وبعدها يأتي دور عمليات القوات الخاصة»، مضيفاً إن «الغرب ينتظر منا أن نتصرّف بالأسلوب الأميركي في احتلاله العراق أو غيره (…) لن نعطيهم الفرصة ولن نقاتل بنفس أسلوبهم المدمّر».

ومن المتوقّع، بعد السيطرة على إقليم دونباس، أن يكون تقاطع مدن دنيبرو ــــ بيتروفسك ــــ تشيركاسي ــــ بولتافا، عند نهر الدنيبر، هو محور المواجهات التي ستحدّد مصير المعارك خلال الأيام المقبلة. وبالنسبة إلى إمكانية إيصال السلاح من الدول الغربية و«الناتو» إلى أوكرانيا، يقول يفسييف: «هذا عملياً غير ممكن إيصاله إلى مدينة كييف قطعاً، فالمطارات المحيطة بالعاصمة لا تعمل، والقوات الجوية الروسية تسيطر على الأجواء، وإمداد كييف بالسلاح براً يأخذ وقتاً يسمح لقواتنا باعتراضه». غير أن الخارجية الروسية حذّرت من أنه «ما من ضمانات بعدم حصول حوادث مع الناتو في ظل إمدادات السلاح المستمرّة لأوكرانيا». ويرى الخبير الروسي أن «نظام كييف سينهار عندما تبدأ الأجهزة الأمنية بالتفكّك، ويمكن حينها أن تبرز شخصيات عسكرية وازنة مخوّلة خوض مفاوضات حقيقية مع روسيا»، مقدّراً أن «مرحلة العملية العسكرية النشطة قد تستمرّ قرابة الشهر حتى تحقيق الأهداف الأولية، ويمكن أن تتسارع مع سقوط النظام فتبدأ المدن الكبرى بالاستسلام».
أمّا على مسار المفاوضات بين موسكو وكييف، فيبقى انطباع «غياب الجدية»، مرافقاً لتحرّكات الوفد الأوكراني الذي لم تتأكّد المعلومات حول موعد وصوله إلى مكان التفاوض على الحدود البيلاروسية ــــ البولندية. وحتى ساعات مساء أمس، كان الوفد الروسي لا يزال ينتظر المفاوضين الأوكرانيين. وحول التوقّعات من هذه المحادثات، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: «لن أقدّم مثل هذه التوقعات، أنا لا أمتلك موهبة التبصير، إذ إن عليك أولاً التنبّؤ بما إذا كان الأوكرانيون سيحضرون إلى مكان المفاوضات أو لا، فلنأمل في أنهم سيحضرون، وسيكون وفدنا على استعداد تامّ للجلوس إلى الطاولة». ويسود اعتقاد لدى روسيا بأن «الولايات المتحدة توعز إلى الأوكرانيين بالمماطلة»، بحسب ما ذكره وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.