#سماهر_الخطيب-صحافية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية.
#وكالة نيوز
بأختصار ،ما قامت به روسيا ضدّ أوكرانيا لم يكن أمراً عبثياً ولا حدثاً مفاجئاً بل كانت كل الأحداث توحي بقرب هذه الحرب، خاصة وأن القصد الأساسي منها ليس التوسع الروسي (لو أنه موجود في العقلية الروسية للوصول نحو الأوراسية)، إنما القصد من هذا الهجوم هو إزالة تلك القواعد الناتوية الإستراتيجية، التي باتت تهدد الأمن الروسي، وكذلك رفع الضغط الذي يتعرض له سكان مينسك ودونباس من قبل السلطات الأوكرانية..
وقد حاول الغرب عموماً إشعال تلك البؤر المحيطة بروسيا، من أرمينيا إلى أذربيجان فكازاخستان وأذربيجان، مروراً بأحداث جورجيا سابقاً وكذلك أوكرانيا حالياً..
بمعنى يمكن لمتتبع الأحداث الدولية قراءة حجم التهديد الذي تتعرض له روسيا وعدم إعطائها ضمانات أمنية تخفف من هواجسها طيلة أعوام، جعلها تقوم بما قامت به سعياً منها إلى الحصول على الضمانات الأمنية بالقوة من خلال شرط حياد الدول الشرقية الأوروبية عن الناتو وإزالة تلك الصواريخ الإستراتيجية التي تهدد أمنها من تلك الدول، خاصة وأن الاتفاقات الأولى بعد انهيار الإتحاد السوفيتي التي كانت تقول بعدم توسع الناتو نحو تلك الدول الحدودية..
ناهيك عن ان المواقف الغربية المتسارعة من الهجوم الروسي وحجم العقوبات الاقتصادية والحملة الإعلامية الممنهجة ضد الروس، توحي وكأن الجميع كان جاهز لشيطنة روسيا وإفراغ ذاك الهجوم من أسبابه الحقيقية وإظهار السلطات الأوكرانية وكذلك الناتوية مظهر الضحية..
وقد كتبت سلسلة مقالات منذ أعوام مضت حتى الأشهر القليلة الماضية تشرح الموقف الروسي من تلك التهديدات وكذلك المحاولات الغربية لرفع سقف التهديدات ضد روسيا ومحاولة استفزازها، إنما كانت المواقف الروسية دائماً تقول بامتصاص تلك التهديدات وتحويلها لفرص مع محاولات عدة لإيجاد آلية للحوار..
واليوم وقعت الواقعة، وباتت الاصطفافات واضحة ما بين الشرق والغرب، وباتت معالم النظام العالمي الجديد تتضح أكثر فأكثر، وبات تاريخ 24 شباط تاريخ مفصلي في القرن الحالي لإنهاء قرن أميركي وبداية حقبة جديدة، هناك خسائر طبعاً إنما المكاسب ستكون أكثر بكثير في حين ستكون منطقتنا المتلقي الإيجابي من تلك المتغيرات..
بالتالي فإن هذه الحرب ليست حرباً مع أوكرانيا بل هي حرب مع المنظومة العالمية المهترئة ككل على الأصعدة كافة، سواء الجيوسياسية أو الأيدولوجية خاصة وأن روسيا ترفض تلك الافكار الليبرالية المتوحشة القائمة على الاحتكار والعولمة المصطنعة والمناهضة للتقاليد والتي يريد الغرب فرضها بالقوة..
في حين أرادت روسيا مواجهة تلك الافكار التي ولدت الإرهاب بل وسوّقت له وساهمت في انتشاره وانتشار التطرف بكل انواعه، ليبدو ان روسيا أخذت على عاتقها مواجهة تلك الأفكار، وإعادة ضبط المصنع العالمي لها برفضها ومواجهتها..
وما ظهر من رد فعل غربي من هذا الفعل الروسي وإبعاد روسيا عن كل الشركات العالمية يظهر أن معظم اولئك القادة الغربيين هم من تلك النخب الليبرالية..
والآن لم يعد إمام روسيا خيار، فإما أن تبني عالمها الخاص أو أن تختفي، وهي باستمرار عمليتها هذه أخذت قرار بناء عالمها الخاص وأفكارها الخاصة وحضاراتها الخاصة، وفرض سيادتها في مواجهة العولمة الليبرالية، وسيكون انتصارها انتصار لكل الأفكار المناهضة للغرب المتوحش، وهي الآن توجد أسس نظام عالمي جديد بل وربما تخلقها من العدم..
إنما ستكون أنموذجاً يحتذى في إعلاء السيادة وتحقيق كلمتها..