جنبلاط يَرث الحريري
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
عشية المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بتاريخ 24 كانون الثاني 2022، غرّد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي معلناً الحداد السياسي: “المختارة وحيدة وحزينة”. لم يدم الحزنُ طويلاً، ليلة الخميس 27 كانون الثاني 2022 وخلال مقابلة تلفزيونية أعلن جنبلاط، بأننا “استمرينا بعد اغتيال رفيق الحريري … وسنستمرّ”، ليشكّل ذلك إعلاناً بطي “صفحة سعد الحريري” في اليوم الثالث للمأتم!
الآن دار “البيك” دورةً كاملةً ثم عاد، محاولاً إيجاد حلّ لمعضلة خروج سعد الحريري من المشهد وبالتالي جعل المقاعد الدرزية المتأثرة بالصوت السُنّي في حالة يتمٍ شديد، ولم لا ؟ الشروع بـ”وراثة سعد الحريري إنتخابياً”، في الإقليم وراشيا وبيروت 2 وربما الجنوب 3. إذاً غاية المختارة العمل على “جمع” أصوات تيّار “المستقبل” المتنافرة في بوتقة “القوى السيادية” التي يمثّلها “البيك” وتجييرها في صالح العناوين السياسية التي يطرحها، بمعزل عن أي تأثير لـ”تيّار المستقبل”، المستقيل من وظائفه إلاّ التحوّل إلى “وحدة رصد” لا تصدر سوى البيانات، لذلك شحذ همم بلال عبدالله في الإقليم، و وائل أبو فاعور في راشيا، فيما البحث جارٍ عن “إنتحاري” في الجنوب الثالثة. وفيما لبيروت قصّة أخرى، حيث يتردد أن جنبلاط كان وراء “دفش” السنيورة إلى الترشّح بمعزل عن تيار “المستقبل”، تبلغ الأحاديث مداها في تناول احتمال أن يعاون الإشتراكي السنيورة في تشكيل لائحة، فيحجز المقعد الدرزي عليها، مستفيداً من إنجاز المقايضة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بين مقعد مرجعيون – حاصبيا و مقعد بيروت 2!
لا شكّ بأن “مديريات” الإشتراكي “تنقّب” في وضعية الأصوات السنّية بدقة، وهي تراهن على “يقظة سنّية” ، يبدو أنها ستأتي تحت إدارة “دار الفتوى” التي تحوّلت من جهة دينية ترعى أحوال الرعية، إلى “جهازٍ إنتخابي” يعمل في خدمة تقطير أصوات السُنّة و تنقيحها لدى “لجنة فاحصة” في عائشة بكار، فتستفيد “المختارة” مع إعادة تفعيل الصوت السنّي، ولذلك يُلاحظ في بعض الدوائر كـ”الإقليم” مثلاً، وجود مساعٍ لدى الإشتراكي هناك، ليس في سبيل تحشيد الأصوات فقط، وإنما إيجاد العنصر السنّي المناسب في شحذ همم تلك الأصوات و الخروج عن إعلان تيّار “المستقبل” لعناصره “الكفّ” عن المشاركة في الإنتخابات. لكن هل بيان “المستقبل” الأخير والذي أعاد التشديد على دعوة أنصاره إلى عدم المشاركة لا إقتراعاً ولا ترشيحاً ولا حتى دعماً أو تسويقاً لأي مرشّح، موجّه إلى المختارة حصراً؟ ربما.
في الواقع، لا يخفي قياديون إشتراكيون، ومنهم النائب بلال عبدالله، مسعاه للإستفادة من الأصوات السنّية وإعادة تصويبها بإتجاه المشاركة في عملية الإقتراع وجعلها تتدفّق في خانة القوى السيادية، رغبةً من المختارة في قطع الطريق على أي احتمالٍ لتسلّل ولو مرشّح واحد في “الإقليم” محسوب على “حزب الله” وحلفائه، كذلك يحصل في بيروت الثانية، إذ يحاول جنبلاط بالتضامن مع السنيورة، فعل الشيء ذاته، سواء على المقاعد السنية أو الدرزية لا فرق. لكن ما مدى واقعية حصول ذلك؟
أوساط تيّار “المستقبل” تأسف لسلوك البعض إتجاه “وراثة سعد الحريري بالمعنى الإنتخابي” ، مستغرباً كيف يُعطي البعض لنفسه “الحقّ” في التسلّل إلى القاعدة الزرقاء وتجاوز ما أعلنه سعد الحريري سابقاً مع “تعليقه” للعمل السياسي. يذكر المصدر أن الحريري أبلغَ جنبلاط خلال لقائهما الشهير في بيت الوسط عشية إعلان عزوفه، بالأسباب التي أملت عليه تعليق عمله، و جنبلاط كان قد ألمح مرّة إلى تبلّغه هذه الأسباب من دون الرغبة في الإفصاح عنها. يومذاك، أعلن جنبلاط تفهّمه لها، وقد وعد الحريري بالتزام رأيه. فما عدا ما بدا حتى “قلّعت المختارة” باتجاه إجراء عمليات إحصاء على الصوت السنّي بهدف الإستفادة منه؟
على المقلب الآخر، ثمة من يبّرر للإشتراكي ما يعمل على إنجازه، فالبنتيجة وبحكم الواقع السياسي، فلا أحد يمتلك أحداً وللناس حرّية إبداء الرأي. من جهةٍ أخرى، من أعادَ “تقليع” العمل السياسي بالنسبة إلى السنّة هي “دار الفتوى” وشخصيات سُنّية سياسية مرموقة، وبهذه الحال ماذا نفعل إن ارادَ البعض التوجّه نحو الصناديق وإتمام عمليات تعاون؟
حالة اللا-ثقة هذه التي تُسجّل في أكثر من موضع ومكان بين التّيارين، تنسحب على ما يشبه القطيعة السياسية” بين الجانبين، فمنذ تاريخ إعلان سعد الحريري تعليقه للعمل السياسي، لم يحصل أي تواصل بين الجانبين، فهل إن الأمور مقبلة على ما هو أبعد من ذلك؟