لطالما كان موقف حزب الله من ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، موقفاً «ملتبساً» بالنسبة لكثيرين، ففي حين يؤكد البعض أن حزب الله يملك الكلمة الاولى والأخيرة في مسألة الترسيم، كان حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله يتحدث مراراً عن وقوف الحزب خلف الدولة في هذا الملف، وبالتالي فإن ما تقرره الدولة، يسير به الحزب.
توعّد حزب الله العدو الإسرائيلي بالردّ على أي اعتداء على حقوق لبنان البحرية، ورسم السيد نصرالله معادلات جديدة في هذا السياق منذ مدّة، إلا أن ملف الترسيم وُضع اليوم على نار حامية بعد الزيارة الأخيرة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وما تلاها من حديث عن تنازل لبنان عن حقوقه المحددة بالخط 29، وسحب الرسالة التي أرسلت الى الأمم المتحدة لحماية حق لبنان بالمنطقة المتنازع عليه، والصمت المريب الذي رافق كل هذه التطورات من قبل حزب الله.
خرج حزب الله أمس عن صمته، إنما قبل الدخول في ما قاله، كان لافتاً موقف رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الأحد، عندما قال: «الحزب منطقيّ، وترك للحكومة التعاطي مع هذا الملفّ (أي ملف الترسيم)، وهو يدعم ما سيتقرّر في هذا المجال في ضوء نتائج المفاوضات والخطّ الرسمي الذي سيُعتمد، سواء كان 23 أو غيره».
لم يتأخر رد حزب الله على لسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد الذي قال أمس في موقف متقدم، يأتي بعدما كان يتجنب حزب الله سابقاً إطلاق المواقف في هذا الملف: «سنبقي غازنا مدفوناً في مياهنا إلى أن نستطيع منع الاسرائيلي من أن يمد يده على قطرة ماء من مياهنا. لسنا قاصرين، وليعلم العدو ومن يتواصل معه، وسيطا وغير وسيط، ان الاسرائيلي لن يتمكن من التنقيب عن الغاز في جوارنا ما لم ننقب نحن عن الغاز ونستثمره كما نريد، فإذا لم تكن قوياً من أجل أن تنقذ حقك فلن ينفعك الدعم من كل الدول».
في هذا السياق، ترى مصادر مطلعة أن موقف الحزب المستجد يأتي في سياق رسم معادلة جديدة مع العدو الإسرائيلي في البحر، وهو لا يهدف الى العرقلة، حيث أنه يريد أن تكون الدولة في الموقع التفاوضي القوي لا الضعيف، أولا لأنها قادرة على ذلك، وثانياً لأن «الإسرائيلي» يسعى لإنهاء المفاوضات في أسرع وقت ممكن، وبالتالي لا يجب التنازل أمام عدو مستعجل. وتُشير المصادر إلى أن حزب الله يريد من الدولة اللبنانية أن تستفيد من قوته في هذه المفاوضات، الأمر الذي يساعد في تحقيق المزيد من المكاسب، لا سيما أن الجانبين الأميركي و»الإسرائيلي» يريدان أن يستغلا الواقع الاقتصادي في البلاد من أجل دفع بيروت إلى تقديم تنازلات، سواء على مستوى المساحة أو على مستوى طروحات قد تكون مقدمة نحو التطبيع. وتذكر المصادر نفسها بأن أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله كان قد حذر قبل أشهر، من أن المقاومة جاهزة للدفاع عن حقوق لبنان، عندما تجد أن إجراءات «تل أبيب» تشكل خطراً على حقوق لبنان، معتبرة أن لبنان مع الأسف لا يبدو أنه يستفيد من هذه الورقة ومن قوة المقاومة في عملية المفاوضات.
لا شكّ ان هذا الموقف المتقدم لحزب الله سينعكس على ملف التفاوض، كما يصيب في شظاياه رئيس الجمهورية بصفته رأس الدولة المفاوض، إلا أنه بحسب المصادر موجه بالدرجة الأولى الى الوسيط الاميركي الذي يعتبره حزب الله غير عادل ولا حيادي، ولا يجوز أن تستمر الدولة اللبنانية في التعاطي معه على أنه الوسيط العادل والحيادي.
منذ أيام تحدث تكتل «لبنان القوي» عن ضرورة «استخراج الثروات وتوظيفها وليس إبقائها في باطن البحر حيث تفقد تدريجاً قيمتها الاستثمارية الفعلية»، لذلك من الطبيعي أن يكون كلام رعد ردّاً غير مباشر على هذا الكلام، تقول المصادر المطلعة، مشيرة إلى أن موقف حزب الله واضح عندما يتعلق الأمر بالحقوق، فلا مساومة على حق، ولا تنازل عن حق، ولا تفاوض على حقّ، دون أن يعني ذلك أن الحزب على علم بمساومة حصلت، أو تنازل تحقق.
دخل حزب الله ملف الترسيم متأخراً، فهل يفرض هذا الدخول عرقلة أم يستطيع المفاوض اللبناني استخدام ورقة حزب الله بالمفاوضات لمصلحة لبنان؟