الأخبار-أحمد الحاج علي
ومع أنه لا تفاؤل بما يمكن أن تؤول إليه مفاوضات غومل، وخصوصاً في ظلّ رفع بوتين السقف إلى حدود اعتبار الوعود بتدفّق السلاح الغربي على أوكرانيا تدخّلاً خارجياً يندرج في خانة تهديد الأمن القومي الروسي، بل والتهديد الوجودي، إلّا أن الخيارات لا تبدو كثيرة أمام زيلينسكي. إذ إن إمكانية إدخال السلاح إلى سلطته باتت على درجة كبيرة من الصعوبة؛ فالمطارات معطّلة، فيما القوات الجو ــــ فضائية والبحرية الروسية تُحكم سيطرتها على المجال الجوّي والمنافذ البحرية والبرّية كافة، تاركةً فقط معبر مدينة لفوف غرب أوكرانيا على الحدود مع بولندا، كمنفذ لخروج الراغبين من المواطنين والهاربين من أركان سلطة كييف. وحتى لو وصلت صواريخ «ستينغر» المضادّة للطائرات وصواريخ «جافلين» المضادّة للدروع وغيرها من أكثر الأسلحة تطوّراً إلى أوكرانيا، فكيف سيتمّ توزيعها؟ هل على «مَن يرغب» من المواطنين، كما وزّع زيلينسكي الأسلحة الفردية والمتوسّطة وقاذفات القنابل والمتفجّرات والقنابل اليدوية على المجموعات النازية الجديدة المتطرّفة، من دون منظومة قيادة أو سيطرة أو تنسيق؟
هنا، يبدو أن ثمّة رهاناً غربياً بالفعل على خلْق مستنقع أوكراني لروسيا، شبيه بذلك الذي غرقت فيه في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، لكن موسكو تَظهر متنبّهة إلى المخطّطات التي قد يتهيّأ للقوى الغربية تنفيذها، ولذا فهي تقود عمليتها بحذر وتروٍّ، على رغم وجود تنبيهات إلى خطورة التأخير في الحسم. والظاهر أن القيادة الروسية تضع على رأس أولوياتها أمرَين: الأوّل، تأمين المدن الكبرى مثل خاركوف وكييف، مع مراعاة سقوط أقلّ عدد ممكن من الضحايا، ووقوع أدنى نسبة دمار ممكنة للبنى التحتية. ولعلّ أكبر دليل على ما تَقدّم، هو أنه بعد احتواء العاصمة عسكرياً، بقيت شبكات الكهرباء تعمل بصورة طبيعية كاملة. والأمر نفسه ينسحب على خاركوف، التي جرى تأمين محيطها من دون الدخول في صدامات داخل الشوارع، مع إبقاء منافذ انسحاب للمجموعات التي تبدي مقاومة.
أمّا الأمر الثاني، فهو تأمين المنشآت ذات الأهمية وبخاصة النووية منها، حيث نجحت القوات المظلّية في تأمين محطة تشيرنوبيل، وتسلّمت إدارتها من القوات المسلّحة الأوكرانية المحلية التي أبدت تعاوناً ملموساً. والجدير ذكره أن هذه المحطّة، التي تُعدّ واحدة من خمسٍ في أوكرانيا، تحتوي مفاعلَين نوويَّين. ويوم السبت، سيطرت القوات الروسية، أيضاً، على منطقة بالغة الأهمية جنوباً، تشتمل على ثلاث محطّات نووية، بعدما جرى فتح معبر وتأمينه للوصول إلى المربّع الذي تقع فيه هذه المحطّات، وسط عمليات تمشيط مستمرّة وبأعداد كبيرة لإحكام السيطرة على المنشآت وإدارتها. وتبقى محطّتان نوويتان في القسم الغربي من أوكرانيا، حيث يجري فتح ممرّ للسيطرة عليهما من قِبَل القوات التي تتقدّم غرباً باتجاه مقاطعة تشيرنيغوف. كذلك، تجري عمليات التمشيط في محيط المقاطعة بمشاركة عدد كبير من القوات الروسية، في إجراء يُعدّ ضرورياً للتحرّك غرباً باتجاه منطقتَي سيمينيفسكي وروفنو، وبعدهما للوصول إلى أقصى حدود غرب أوكرانيا. واللافت أن قسماً كبيراً من القوات المسلحة الأوكرانية يبدي تعاوناً مع القوات الروسية، علماً بأن التواصل قائم منذ ما قبل العملية مع قيادات وضباط وجنرالات كبار في جميع قطاعات الجيش.
وبينما لا تزال القوات الروسية تسيطر على القسم الشمالي الغربي من البحر الأسود، وسط امتناع تركي ــــ إلى الآن ــــ عن إقفال مضيقَي البوسفور والدردنيل، أُعلنت سيطرة تلك القوات على جزيرة «زمييني» (الثعبان) الاستراتيجية إلى الجنوب من أوديسا بين بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا. وسقطت الجزيرة بعد توجيه ضربة صاروخية تحذيرية وحيدة إليها، لتستسلم حاميتها من دون سقوط ضحايا. وعلى إثر ذلك، حاولت مجموعة من الزوارق الأوكرانية الحربية استهداف القوة البحرية الروسية في محيط الجزيرة، إلّا أن الأخيرة تمكّنت من تدمير 6 زوارق أوكرانية، وإحكام السيطرة على المنطقة. وتتمتّع «زمييني» بطابع استراتيجي، لوجود قاعدة دفاع جو ــــ فضائي من الحقبة السوفياتية فيها، وأيضاً رادارات مراقبة فضائية بعيدة المدى، كان يستفاد منها للتحكّم بالمركبات الفضائية.