الأخبار- محمد نور الدين
من جهته، ذكّر الباحث في العلوم السياسية، مداد تشيليكبالا، بأن استراتيجية روسيا، منذ عام 1999، هي حماية الناطقين باللغة الروسية خارج حدودها. وأضاف أن ما فَعلته موسكو في عامَي 2014 و2015 في أوسيتيا وأبخازيا، تقوم به الآن في شرق أوكرانيا. إلّا أن تشيليكبالا اعتبر أن روسيا لن تذهب أبعد من خطوتها الأخيرة، لأن احتلال كييف مكلف جداً، مستدركاً بأن المنطقة لن تشهد استقراراً لفترة طويلة. وأشار إلى أن سياسة روسيا في شرق أوروبا والبحر الأسود أتعبت تركيا، التي عليها أن تُحدّد أولوياتها، وتدير الأزمة بدقّة عالية لا تشبه إدارتها لملفّ صواريخ «أس 400»، إذ إن جغرافيتها كبيرة ولا تستطيع حمايتها بسهولة، فيما «أوراق الغاز الطبيعي والمفاعل النووي بيد روسيا»، على حدّ تعبيره.
بدوره، رأى السفير التركي السابق في سوريا، عمر أونهون، أن روسيا تعيد تشكيل جوارها المباشر، وقد بدأت بأوسيتيا وأبخازيا، ومن ثمّ القرم، والآن مقاطعتَي دونيتسك ولوهانسك، معتبراً أن «الوسيلة إلى ذلك واحدة: استخدام القوة العسكرية المباشرة، أو غير المباشرة، ومن ثمّ إجراء استفتاء، فإلحاق». ولاحظ أونهون أن تركيا دخلت، في الآونة الأخيرة، في علاقات استراتيجية تحالفية مع أوكرانيا في بعض المجالات، منبّهاً إلى أنه في حال بقائها على موقفها، فإن العلاقات مع موسكو ستشهد تراجعاً وتوتّرات؛ وفي حال تراجعها عنه، فإن الغرب سيرى في ذلك ذريعة يبحث عنها، لتشديد الخناق على الرئيس رجب طيب إردوغان. وأشار إلى أن الأزمة الأوكرانية جاءت في توقيت سيّئ لتركيا، التي تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة، مضيفاً أن غالبية السائحين الأجانب يأتون من روسيا (4.4 مليون)، ومن أوكرانيا (مليونان)، مستنتجاً أن «التوتر بينهما قد ينعكس سلباً على عدد السياح إلى تركيا». ولم يغفل السفير السابق حقيقة أن العقوبات على روسيا ستترك أثرها السلبي على تركيا، نظراً إلى قربهما الجغرافي. وبشأن التداعيات على «اتفاقية مونترو» حول المضائق، اعتبر أن الأحداث أظهرت أهمية المحافظة عليها، من دون أيّ محاولة لتعديلها، لا نصّاً ولا روحاً، ويجب أن يكون ذلك أولى أولويات تركيا.
سياسة روسيا في شرق أوروبا والبحر الأسود أتعبت تركيا التي سيكون عليها تحديد أولوياتها
من جانبه، أشار مراد يتكين، على موقعه على الإنترنت، إلى أن تركيا رفعت درجة استعدادها العسكري، منذ اجتماع وزراء دفاع «حلف شمال الأطلسي» في 17 شباط. وأضاف يتكين أن القلق الأكبر، وفقاً لمصادر رسمية، هو أن يمتدّ التوتّر إلى البحر الأسود، وأن يتحوّل إلى حرب عالمية. وفي هذا المجال، رأت المصادر أن بوتين يريد أن يستبدل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، برجل آخر موالٍ لروسيا، تماماً كما أدّب رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، بسبب ميوله الغربية. لكن يتكين اعتبر أن تركيا سوف تتحرّك بالتنسيق مع «حلف شمال الأطلسي»، حتى المعارضة تقول إنها ستبقى مرتبطة بالحلف، في حال وصولها إلى السلطة. وحذّر من أن ارتباك حسابات موسكو في العلاقة مع الغرب، قد تدفع أنقرة ثمنه في سوريا، حيث تمضي العلاقات بينها وبين موسكو على خيط رفيع من التنسيق. إذ قد يحاول بوتين رفع مستوى دعمه لـ«حزب العمّال الكردستاني» و«قوات الحماية الكردية»، وإطلاق موجة هجرة جديدة من سوريا باتجاه تركيا، تُضعف وضع إردوغان، عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي سياق متّصل، يحذّر خبراء اقتصاديون من تداعيات الأزمة على الاقتصاد التركي، لجهة اعتماد تركيا بنسبة 30 في المئة من وارداتها على الغاز الطبيعي الروسي، وبقيمة تقارب 29 مليار دولار، فضلاً عن أن استيرادها عشرة في المئة من نفطها من روسيا، وثلث احتياجاتها من الفحم. كما أن هذه الأخيرة هي التي تنشئ المفاعل النووي الأوّل والوحيد في تركيا في مرسين. ويقول الخبير في الشأن الروسي، الباحث آيدين سيزير، إن العلاقات بين أنقرة وموسكو تشهد توتّراً، منذ بدء الأزمة الأوكرانية، مضيفاً أنه على رغم كلّ جهود التهدئة، فإن روسيا غاضبة من تركيا، لبيعها طائرات «بيرقدار» المسيّرة لأوكرانيا، الأمر الذي أغضب برلين أيضاً. ويعتقد سيزير أن أنقرة دخلت عملياً في «القائمة السوداء» لموسكو، وستكون لهذا نتائج في أكثر من مكان. وهنا، يتساءل: هل يكون ذلك في سوريا، أم في مكان آخر؟ «هذا غير واضح بعد، وفيما لو تقدّمت تركيا خطوة أخرى في اتجاه الغرب، ستكون كمن أطلق النار على قدمَيه في العلاقات مع روسيا»، وفقاً لإجابة سيزير. وبدوره، يحذّر الخبير الاقتصادي، خورشيد غونيش، من أن ارتفاع أسعار النفط سيرفع أسعار الغاز الطبيعي، وستدفع تركيا الثمن غالياً. أيضاً، في حال تصاعُد الأزمة، فإن الأسواق المالية في تركيا سوف تتأرجح، ويتراجع سعر صرف الليرة، ويكبر العجز التجاري.