الأخبار- يحيى دبوق
ومن هنا، تأمل إسرائيل أن لا تضطرّ، مع تطوّر الأزمة في أوكرانيا، إلى الاختيار بين المعسكرَين، وهو ما أبلغته للولايات المتحدة، طالبةً إليها أن تتفهّم تحفّظها عن اتّخاذ موقف «معادٍ» في كلّ ما يتّصل بروسيا. مع ذلك، لا تزال مؤسّسات القرار في الكيان العبري، وعلى رأسها وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والمؤسّسة الأمنية على اختلاف أذرعها، مشغولة بسؤال التموضع، وطبيعة الفرص والتهديدات التي ستواجهها في حال اضطرّت إلى حسمه، بما يشمل إمكانية تردّي العلاقات مع روسيا، إلى حدّ قيام الأخيرة بمنْع إسرائيل من مواصلة هجماتها في سوريا. إلى الآن، لا إجابات واضحة، لكنّ الأكيد أن روسيا تُعدّ بشكل أو بآخر دولة «حدود مشتركة» مع إسرائيل؛ إذ إن الجيش الروسي متمركز بقوّة في سوريا، والجيش الإسرائيلي ينسّق معه قبل وخلال أيّ هجوم يشنّه هناك. وفي حال قرّرت موسكو إطفاء الضوء الأخضر لتلك الهجمات، فالتأثير سيكون سلبياً جدّاً على الأمن الإسرائيلي، بما لا يقتصر فقط على الساحة السورية نفسها، بل من شأنه أن يمتدّ إلى ساحات أخرى هي في الأساس مشبعة بالتهديدات، كما هو الحال في لبنان.
وممّا يفاقم المعضلة بالنسبة إلى إسرائيل، هو أن المسألة لا تقتصر على مجرّد موقف مطلوب من الحكومة الإسرائيلية، يمكن أن يصار لاحقاً إلى توضيحه عبر القنوات الخاصة والحدّ من سلبياته، بل إن المنتظر من تل أبيب، في حال تصاعد الأزمة الأوكرانية، أن تكون جزءاً لا يتجزّأ من حصار موسكو، وأن لا تشكّل «ثقباً كبيراً» في جدار هذا الحصار، بما يمكّن الأخيرة من تليينه وإن نسبياً. وهذا، بطبيعة الحال، لا يتساوق مع أيّ حياد تريده إسرائيل في هذه الأزمة. ووفقاً لمصادر أمنية إسرائيلية رفيعة (موقع بريكنغ ديفنس الأميركي)، فقد شهدت الغرف المغلقة في تل أبيب سلسلة اجتماعات أمنية رفيعة المستوى، شارك فيها أيضاً صنّاع القرار، بحثت في «ما يمكن أن يحدث للعمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، في حال تَغيّرت العلاقات مع روسيا». ويَنقل الموقع عن الخبير في الشأن الأمني والاستراتيجيات العسكرية، مستشار الأمن القومى الإسرائيلي السابق، اللواء غيورا آيلاند، أنه «إذا طلبت واشنطن أن تشارك تل أبيب في فرْض عقوبات ضدّ موسكو، فإن ذلك سيكون مستحيلاً» بالنسبة إلى الدولة العبرية.
وفي انتظار ما سيؤول إليه الموقف، يبدو أن إسرائيل ستكتفي بالحدّ الأدنى المطلوب منها أميركياً، والمتمثّل في الفعل الكلامي ضدّ روسيا، من دون أيّ ترجمة عملية. ووفقاً للإعلام العبري (يديعوت أحرونوت)، «فإن المسؤولين في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي يدرسون خطوة إصدار بيان ضدّ موسكو من دون أن يُغضب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهو ما يصفونه بالمعضلة». كذلك، تشير مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة، وفقاً لما يتسرّب إلى وسائل الإعلام، إلى أن «إسرائيل ستحاول بكلّ الطرق تجنُّب الانحياز إلى جانب دون آخر»، وهي أيضاً ستحاول منع أيّ احتكاك أو صدام في الواقع المتشابك بين المصالح ومجموعة من الاعتبارات القصيرة والبعيدة المدى. لكنّ السؤال المؤرّق بالنسبة إلى تل أبيب يبقى: ماذا سيحدث إذا احتدّت الأزمة، وأصرّت الولايات المتحدة على أن تتموضع إسرائيل عملياً، وليس كلامياً فقط، داخل المحور المحاصِر والمعادي لروسيا؟ هنا، ستكون التهديدات قاسية جدّاً على الأمن الإسرائيلي.
يُضاف إلى ما تَقدّم وجه تهديد آخر بالنسبة إلى تل أبيب، وهو ما يمكن وصفه بـ«العامل الإلهائي» لواشنطن عن المشكلة الإيرانية، إذ إن طهران بدأت تتعامل مع الأزمة الأوكرانية على أنها ساحة إشغال للجانب الأميركي، ما يدفعها إلى مزيد من التشدّد في المفاوضات الجارية في فيينا على اتفاق نووي جديد، والذي قد يضطرّ الإدارة الأميركية إلى تنازلات إضافية، ما يعني أن الاتفاق بدلاً من أن يكون سيّئاً، سيكون أكثر سوءاً. كذلك، تتوقّع إسرائيل أن تكون إيران وحلفاؤها أكثر تحفّزاً و«عدائية» في الساحة الإقليمية، من دون مراعاة ردود الفعل الأميركية، الأمر الذي سيؤدي إلى توسّع التهديدات على حساب الفرص، في البيئة الأمنية الإسرائيلية. أمّا التداعي السلبي الثالث فهو أن شركاء تل أبيب الجدد في الخليج، يراقبون الردّ الأميركي المتواضع والموصوف بأنه «بلا أسنان» على الخطوات الروسية، ما قد يؤدّي إلى تراجع عملية التطبيع الجارية مع تلك الأنظمة، إلى حدود أدنى ممّا كانت تأمله إسرائيل في مواجهةٍ تريد لها أن تكون «مشتركة» للإضرار بإيران. ووفقاً لغيورا آيلاند، «هم في الأساس يرون ما حدث في أفغانستان، وكيف لا يردّ الأميركيون على الهجمات على قوّاتهم في العراق، وهذا يجعل السعوديين على وجه الخصوص، يعتقدون أن أحد الخيارات المتاحة لهم، هو تحسين علاقاتهم مع إيران».