الحدث
روسيا في أوكرانيا: هدفٌ في مرمى الغرب
الأخبار
لن تُكرّر روسيا تجربة أفغانستان. هذا ما يدركه الأميركيون جيّداً. ولكن إصرارهم منذ أسابيع على ملء الفضاء العالمي بأحاديث عن «غزو روسي كبير وقريب» لأوكرانيا، إنّما يستهدف – بحسب المراقبين – تهويل الأمور في وجه موسكو، وتأليب «المجتمع الدولي» عليها، بما يشكّل لديها رادعاً عن اتّخاذ أيّ خطوة عملياتية – ولو دون مستوى الغزو – ضدّ جارتها. لكن فلاديمير بوتين أدرك مبكراً أن ثمّة محاولة أميركية للعب في ملعبه، عبر ضخّ استخباراتي مكثّف رمى إلى «التغدّي بالخصم قبل أن يتعشّى الأخير بالحليف». ومن هنا، اتّبعت موسكو استراتيجية باردة، عنوانها التنظير لمطالبها الأمنية، توازياً مع بعثها برسائل تخويفية جلّتها مناوراتها العسكرية، قبل أن تنتقل إلى مرحلة ساخنة اتّخذت من التوتّرات في إقليم دونباس – والتي لا يَبعد أن تكون مفتعلة – مبرّراً لتلك النقلة. أفهمت روسيا خصومها سريعاً، بحركة خاطفة و«نظيفة» حتى الساعة، أنها لن تتردّد في تكرار تجارب القرم وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا إذا ما وجدت أن مصلحتها وأمنها القومي مهدَّدان بشكل مباشر. وبمعزل عمّا سيؤول إليه التدخّل الروسي في منطقتَي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتَين شرقيّ أوكرانيا، فالأكيد أنه سدّد نقطة في مرمى كييف وحلفائها الغربيين: أوّلاً عبر تعقيد جهود انضمامها إلى «حلف شمال الأطلسي»، وثانياً عبر فتح بوّابة حراك انفصالي لا يُعلم أي يمكن أن ينتهي، وثالثاً عبر تضييق الخناق على السلطات الأوكرانية التي ستخسر منطقة كانت تشكّل نحو 16% من إجمالي ناتجها المحلّي. في المقابل، تتوقّع روسيا أن يُقدِم الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون على توقيع عقوباتهم الموعودة ضدّها، وهو ما بدأت إرهاصاته أمس مع تعليق مشروع «السيل الشمالي 2»، لكن موسكو كانت استعدّت جيّداً لذلك، في إطار ما يبدو أنها «خطط جرى تطويرها منذ وقت طويل ووُضعت على الطاولة»، بحسب قراءة الخبراء الروس. وأيّاً يكن الفصل الجديد الآتي من الأزمة، فالواضح والأكيد إلى الآن أن كفّة روسيا لا تزال هي الراجحة فيها، وأن المشهد على الحدود الروسية – الأوكرانية بمجمله يفتح الباب على تحوّلات إضافية في سيرورة النظام العالمي، الذي يَظهر أنه مقبل على مرحلة قد لا تكون فيها للأميركيين حتّى الكلمة الأولى، فضلاً عن الكلمة الأخيرة