واشنطن تبحث عن «جنس الغزو»: يدنا مغلولة
الأخبار
هكذا، “أجبر بوتين الولايات المتحدة على الدخول في معضلة مضطربة، بعدما كانت قد امتنعت عن الإعلان عن وقوع غزوٍ لأوكرانيا رسمياً، ليعود بايدن ويُعلن، مساء أمس، أنّ ما حصل بداية غزوٍ لأوكرانيا، مؤكّداً أنّه سيجري فرض المزيد من العقوبات إذا تمادت موسكو. “تصرّفات بوتين ألقَت بالغرب في حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت جادّة بما يكفي لتستحقّ استجابة كاملة”، قال رئيس “مجموعة أوراسيا”، إيان بريمر، في حديث إلى “واشنطن بوست”، مضيفاً أن الرئيس الروسي تعمّد “عدم القيام بكلّ شيء” حتى الآن، لأن “النقطة الأساسية هي، أن لا تجعل من السهل على الغرب الرد”. ما قاله بريمر يستند إلى واقع أن مسؤولي الإدارة الأميركية رفضوا، في البداية، القول ما إذا كان قرار بوتين إرسال قوات “حفظ سلام” إلى المنطقتَين الانفصاليتين، يشكّل خطّاً أحمر في نظر واشنطن. إذ إن أحد المسؤولين حاول تصوير التطوّرات، على أنّها أقل بكثير من تغيير جذري في الوضع الراهن. وقال: “لقد احتلّت روسيا هذه المناطق منذ عام 2014″، مضيفاً: “كانت هناك قوات روسية موجودة في جميع أنحاء هذه المناطق”. وفي تعريفه لـ”غزوٍ روسيٍ من شأنه أن يدفع إلى ردّ أميركي واضح”، قال مسؤول آخر إنه يجب أن يأتي على شكل “عبورٍ إلى الأراضي الأوكرانية، التي لم تحتلّها روسيا منذ عام 2014”.
مع ذلك، لم يكن الجميع متّفقاً على ما تقدّم؛ فدونيتسك ولوغانسك ليس معترفاً بهما على أنّهما دولتان مستقلّتان، بينما أكّد العديد من الخبراء الأميركيين أنّ إرسال قوّات إليهما، يرقى إلى مستوى إرسال قوة عسكرية إلى أوكرانيا نفسها، وهو ما عبّر عنه بايدن في خطابه. ومن هذا المنطلق، أيضاً، كان مايكل ماكفول، سفير الولايات المتحدة لدى روسيا، في عهد الرئيس باراك أوباما، قد غرّد بأن “روسيا تغزو أوكرانيا الآن”. وكتب: “عندما تصف الجنود الروس، الذين يغزون أوكرانيا الآن، بأنهم جنود حفظ سلام، وعندما تستخدم علامات الاقتباس (لهذا الوصف)، فأنتَ تستخدم اللغة التي يريدها بوتين”. وقال: “سمّها باسمها – غزوٌ”. كلام ماكفول وافق عليه بريمر، الذي قال إن ما جرى، فعلياً، هو تراجع الولايات المتحدة عن تهديدها السابق بفرض عقوبات صارمة إذا دخلت روسيا أوكرانيا. “إننا مشوّشون هنا. لهذا فعل بوتين ذلك. إنها الاستراتيجية الصحيحة تماماً لبوتين”، خلُص بريمر.
في كلّ الأحوال، شكّل قرار روسيا إدخال قوات إلى المنطقتَين الانفصاليّتين تحدّياً أمام الولايات المتحدة. ولكن وفقاً لبعض الآراء، تمثّل هذا التحدّي في “محاولة لتحقيق التوازُن بين العقوبة والردع، والحفاظ على الوحدة بين الحلفاء”. إذ رأى أصحاب هذه النظرية أنّ “نهج بوتين التدريجي في تصعيد الضغط على أوكرانيا، يهدف إلى استغلال أيّ انشقاقات في ما كان يُعتبر موقفاً موحّداً تماماً لحلف شمال الأطلسي وأوروبا”. وبالنسبة لصحيفة “نيويورك تايمز”، فقد كمن تخبُّط الإدارة الأميركية في مكان آخر، وهو عدم وضوح ما إذا كان بايدن، أو حلفاؤه الأكثر تردّداً – وخصوصاً ألمانيا وإيطاليا، اللتين تعتمدان على واردات الغاز الروسي – على استعداد لإطلاق حزمة العقوبات الكاملة. الصحيفة الأميركية اعتبرت أنّ “طبيعة العقوبات التي فرضتها واشنطن، تهدف إلى السماح لها ولحلفائها الأوروبيين، بالاحتفاظ بالعقوبات الأكثر صرامة التي هدّدوا بفرضها على موسكو، إذا شنّ بوتين هجوماً واسع النطاق لإسقاط حكومة أوكرانيا”. إلّا أنها نقلت عن مسؤولي الإدارة، إقرارهم بأن بوتين لا يبدو مهتمّاً بمزيد من المفاوضات التي لم تعالج مطالبه الأساسية بأن يتوقّف “الناتو” عن التوسّع في الشرق، فيما اعتبروا أنه قد جارى المبادرات الديبلوماسية، في الغالب، لكسب الوقت لحشد قواته. ومن هذا المنطلق، أشار أحد مسؤولي البيت الأبيض إلى أنّ الرد سيشمل، مع الوقت، عقوبات أخرى، ردّاً على “قرارات وإجراءات موسكو”. وفيما رفض المسؤولون تقديم تفاصيل بشأن المدى الذي يخطِّط بايدن وحلفاؤه للذهاب إليه في معاقبة بوتين، فقد أفادت “نيويورك تايمز” بأنّ أقسى العقوبات التي استعرضها مسؤولو الإدارة، في الأسابيع الأخيرة، تشمل عزل أكبر البنوك الروسية عن النظام الاقتصادي العالمي، و”تجويع” الصناعة الثقيلة الروسية، وتسليح تمرُّدٍ في حال حصل غزو لأوكرانيا.
في المحصّلة، تبقى خيارات بايدن لمواجهة أيّ تحرّكات عسكرية في أوكرانيا، في الأيام المقبلة، محدودة. فقد كان قد قال، مراراً، إنه لن يسمح للقوات الأميركية بالقتال هناك. وبالاستناد إلى كلّ ما تقدّم، تفيد غالبية التحليلات، بأنه ليس هناك ما يضمن أن الصراع لن يمتدّ إلى داخل أوكرانيا.