اندريه قصاص
عندما يلجأ البعض إلى الإصرار على تأكيد ما هو مؤكد، عندها تحوم حوله الشبهات وتحيط به الشائعات من كل حدب وصوب وتُطرح علامات الإستفهام. فإذا كان لا دخان من دون نار فإن أي نار سينبعث منها دخان.
وهذا الدخان هو تمامًا كالرماد الذي يذرّ في العيون. فهو يعمي ويجعل الصورة غير واضحة المعالم. وهذا ما يلجأ إليه البعض عندما يرون أنفسهم “محشورين” في الزاوية، وعندما يكتشفون أن “الشعبوية” لم تعد صالحة في زمن الوعي الشعبي، حيث لم تعد تنطلي على المواطن المواقف الظرفية، والتي تكون عادة غبّ الطلب وتُستخدم عند الحاجة، ومن دون أهداف واضحة.
كل هذا لنقول أمرًا واحدًا، وهو أن كثرة الكلام عن تأكيد ما لا يجب تأكيده بالنسبة إلى حتمية إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها المقرر في منتصف أيار المقبل، هو تمامًا كالتشكيك في عدم إجرائها. فالسؤال حول إمكانية حصول هذه الإنتخابات في مواعيدها الدستورية أو عدمها يُطرح كل يوم، حتى أن المواطن لم يعد يعرف إذا ما كان سيختار المقاطعة في كلا الحالتين، خصوصًا أنه فقد الأمل بإمكانية التغيير من خلال صندوقة الإقتراع، وذلك لأسباب كثيرة.
فاللبنانيون أمام مشهدية تتكرر كل يوم، مع ما فيها من تناقضات. فالتشكيك في إمكانية حصول هذه الإنتخابات تقابله تأكيدات كلامية من قِبل مراجع وقوى أساسية داخلية بأن هذه الإنتخابات حاصلة لا محال، وأنها لن تؤجل أيًّا تكن الظروف إلاّ إذا إستجدّت أمور فائقة الطبيعة، وأن التمديد للمجلس النيابي الحالي لن يحصل.
ولكن الشكوك والمخاوف إرتفعت في الآونة الأخيرة وزادت وتيرتها بعد ارتفاع درجة التوترات والنزاعات السياسية التي زّجت بمؤسسات قضائية وأمنية في أتون هذه الصراعات، ودفعت بالوضع الى مزيد من التعقيد والتأزم. وترافق ذلك مع التغيير الكبير والطارئ الذي حصل داخل الطائفة السنيّة مع خروج تيار “المستقبل” ورئيسه سعد الحريري من حلبة السباق الإنتخابي وتعليق العمل بالحياة السياسية.
ولأن الأمور على هذه الدرجة من الغموض والبلبلة وخلط الأوراق، فإن العملية الإنتخابية ما زالت خجولة وضعيفة. فالإقبال على الترشح ما زال ضعيفًا على رغم فتح باب الترشيح وانقضاء نصف المهلة. فلا لوائح جاهزة حتى الآن، ولا تحالفات محسومة ولا أنشطة وفعاليات انتخابية تُذكر، بإستثناء إطلاق حزب الكتائب لماكينته الإنتخابية، والترشيحات الفردية لبعض المرشحين المنفردين.
ولكن، وعلى رغم كل الشكوك والهواجس، ما زال سيناريو إجراء الإنتخابات متقدّمًا، وذلك إستنادًا إلى جملة معطيات، من بينها:
أولًا، أن الحكومة تثبت إلتزامها عبر التحضيرات الإدارية واللوجستية، التي تُتخذ على قاعدة أن الإنتخابات حاصلة في مواعيدها .
ثانيًا، الموقف الدولي الضاغط بقوة لإجراء هذه الإنتخابات الى درجة أن هناك شبه إجماع دولي على التعاطي معها كمحطة مفصلية، وعلى أنها مفتاح المرحلة المقبلة والمدخل الى الإصلاحات والإتفاق مع صندوق النقد الدولي والمساعدات.
ثالثًا، عدم قدرة أي فريق على تحّمل مسؤولية وتبعات تأجيل الإنتخابات تجاه المجتمع الدولي الذي يلّوح بالعقوبات، أو تجاه الرأي العام اللبناني الذي يتطلع الى محاسبة الطبقة السياسية التي يتهمها بالفساد والفشل.
رابعًا، إستحالة حصول التمديد للمجلس النيابي الحالي على غرار ما جرى في العام 2014 إلا في حال طرأ حدث أمني كبير غير محسوب يضع الجميع أمام خيار التمديد أو الفراغ والفوضى، مع إعلان كتل أساسية بينها “المستقبل” و”القوات” أنها ستقدم إستقالاتها من مجلس النواب في حال كان مشروع التمديد جدّيًا.
ويبقى الأهمّ من كل هذا وذاك في ما يتعلق بمصير الإنتخابات أن نسأل: هل ستكون نتائج هذه الإنتخابات، إذا حصلت، في مستوى ما يطمح إليه اللبنانيون؟
المصدر: لبنان 24