وقبل مدة أعلن رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين أنه “سيأتي يوم يتمكن فيه حزب الله من تحرير الدولة اللبنانية ومواقع أساسية فيها من المحسوبين على الأميركيين”. وموقفه هذا تذكير بما حصل في العراق بعد الاجتياح الأميركي، وتكرَّس بقانون “اجتثاث البعث”.
ومعركة حزب الله في مرآة قول صفي الدين وذلك القانون، تعني أن حزبه يريد أن يسيطر تباعاً على البنية الأساسية في الدولة اللبنانية.
وفي المعادلة العسكرية، يركز الحزب عينه على ما يحققه من تطور تقني وتسلّحي، وصولاً إلى إعلانه عن قدرته على تصنيع الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة. وهذا من شأنه إشعار الجنوبيين والشيعة بالأمان، وبقدرة حزبهم على الاستمرار في بناء قوته، وتحقيق الكسب الشعبي على مشارف الانتخابات النيابية، على الرغم من الظروف الاقتصادية والمالية السيئة في البلاد.
وجوه متكاملة
أما في المعادلة السياسية، فيركز حزب الله هجومه على الخصوم بتحميلهم مسؤولية الانهيار والتدهور والفساد، ويتهمهم بالتبعية إلى الخارج.
والمعادلة هذه لها وجوه ثلاثة: الأول يتعلق بتحميل القوى السياسية التقليدية أو الأحزاب القائمة في السلطة مسؤولية الانهيار. والثاني يطاول هيئات المجتمع المدني التي يخوّنها باعتبارها تابعة أو مرتهنة ومشاريعها تآمرية على المجتمع اللبناني عموماً، ومجتمع المقاومة خصوصاً. أما الوجه الثالث فثقافي، ويتعلق بما أعلنه أمين عام حزب الله في خطابه الأخير: حماية الحريات والتعددية في لبنان. وهو يعني بذلك أن حزبه يريد -وفق رؤيته وبناءً على قول صفي الدين ومقولة اجتثاث البعث- تحقيق إنقلاب في بنية الرأي العام اللبناني للسيطرة عليه.
ويحاول حزب الله، انطلاقاً من وجوه هذه المعادلة، تثبيت قواعد اشتباك خارجية وداخلية في آن واحد، لينتقل إلى مرحلة جديدة، ومسوغاته جاهزة: الردّ على المخاوف التي تتعلق بوضعه في لبنان ومستقبله. فحربه الاستباقية الخارجية تقابلها حرب استباقية على الجميع في الداخل.
لكن الوضع في هذه المرحلة يختلف عن ما كان عليه سابقاً أيام إدارة دونالد ترامب، عندما كان النقاش حول وجود حزب الله وسلاحه. فيما ينتقل النقاش اليوم إلى دوره وكيف يمكن أن يكون. وفي معركته المزدوجة الراهنة يحاول حزب الله نقل النقاش إلى موضع آخر، عنوانه: السلاح باق ولا بحث فيه، والبحث ينحصر في كيفية إدارة لبنان مستقبلاً.
والاقتصاد حاضر أيضاً
وهذا يعني تكريس مبدأ أن حزب الله ثابت أساسي في تركيبة لبنان وتوازناته السياسية والدستورية. بل أكثر من ذلك: هو الأساسي في الاستحقاقات، وكأنه السلطة ومحدد المسارات في البلاد. مستمداً القوة من احتمال إنجاز الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، وانعكاساته على الواقع اللبناني.
وبغض النظر عن أن هذا قد لا يكون واقعياً، ولن يكون حزب الله وحده قادراً على ذلك، فإنه يسعى إلى تقديم هذه الصورة، للانتقال إلى البحث في مصير البلد الاقتصادي. علماً أنه لم يظهر حتى الآن أي تبن لأي خطة اقتصادية واضحة. والمعلوم أن أي خطة اقتصادية لا قيام لها من دون القوى الدولية التي سيتم التعاون معها. أكانت فرنسا المفتوحة قنوات الاتصال معها، أم سواها من الدول. وما يريده حزب الله هو تقديم نفسه بأنه هو الذي يجيز الاستثمارات.
الثقافة والاجتماع
ومحاولة حزب الله في فرض نفسه مقرراً سياسياً، عسكرياً، واقتصادياً، لا بد أن تليها وقائع اجتماعية وثقافية. وهذا ما تجلى في مواقف نصر الله الأخيرة: حزبه هو من يصون الحريات، ويحافظ على التعدد والتنوع في لبنان. وهذا نوع من هجمة إرتدادية على خصومه، وتعني: “كل من يهاجم حزب الله أو ينتقده عميل”.
ويستكمل ذلك بحملة شعواء على قوى المجتمع المدني. أو بتحويل الصراع مع إسرائيل من استراتيجيات وحرب أدمغة وتطور إلكتروني وعسكري، إلى حرب إعلامية. إما بالارتكاز على الإعلام الإسرائيلي لاستهداف سمير جعجع مثلاً، أو بتصوير المشكلة على أنها إعلامية محلية. وهذا يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها تخيير الصحافيين والمثقفين لا شعورياً بين خيار من اثنين: إما ان يكونوا موالين ومناصرين وصامتين، أو عملاء ومهددين أمنياً، في حال انتقادهم حزب الله أو معارضتهم سياسته. وفي هذا السياق من السهل تركيب ملفات أمنية لهؤلاء.
وهذا من شأنه أن يؤسس للبنان جديد ليس بعيداً عن النموذج البعثي في سوريا، وأشباهه من الأنظمة.