تُعدّ الانتخابات النيابية المقبلة فرصة نظرية يأمل العدو، إلى جانب أصدقائه في الداخل والخارج، بأن يحققوا عبرها في مواجهة حزب الله ما عجزوا عن تحقيقه بواسطة الخيارات الأخرى. ورغم أن تل أبيب ترى أن هذه الفرصة ضبابية وذات إمكانات محدودة، لكنها تبقى بالنسبة إليها أفضل من الوقوف بلا حراك أمام عدو عجزت عن مواجهته بوسائل التحييد التقليدية.
هل يوفر الاستحقاق النيابي «هزيمة» حزب الله كما ترغب إسرائيل؟
سؤال قد يكون أكبر بكثير من أي إجابة. وعلى فرضية أن الإجابة هي «نعم»: هل تؤدي خسارة حزب الله الانتخابات إلى تغيير الواقع في لبنان؟
وفقاً لتسريبات إسرائيلية عن طاولة التقدير في تل أبيب، فإن الأمل محدود في ما يمكن أن تسفر عنه انتخابات أيار المقبل، حتى ولو كانت الولايات المتحدة، بقدراتها الهائلة، تقف وراء خصوم حزب الله في الداخل، وتتولى قيادة الأتباع وتأطيرهم وتوجيههم بشكل مباشر، إذ إن لدى تل أبيب وجهة نظر مغايرة عن الحليف الأكبر: فحتى مع رافعات الضغط الاقتصادي والأزمة المتفاقمة في لبنان التي تتحكّم الولايات المتحدة في مستوياتها واتجاهاتها، إلا أن الهدف سيكون صعباً، ليس فقط في ما يتعلق بنتيجة الانتخابات نفسها، بل تحديداً في تثمير فوز كهذا لاحقاً، هو في طبيعته فوز نسبي في أحسن حالاته.
في قراءة الانتخابات النيابية اللبنانية، تبرز تقارير ومواقف لعدد من الخبراء الإسرائيليين، تخلط بين الواقع والآمال، إلا أنها قد تكون الأكثر تعبيراً عن «الجو العام» في إسرائيل. ومن أبرز ما صدر في الأسبوعين الماضيين، تقرير لـ«الخبير المخضرم» في الشؤون العربية في «القناة 13» العبرية، إيهود يعري، تحت عنوان: «هزيمة حزب الله في صناديق الاقتراع».
اللافت في مضمون التقرير، «الرغبوي» في معظمه، شبه التطابق بينه وبين ما يجري من «فذلكات» بإشراف الجانب الأميركي، عن وجهة الانتخابات، وأسباب فوز الأتباع بها، إذ يرد في مقدمة التقرير الآتي:
«نعم، هناك طرق للتأثير في صناديق الاقتراع المقبلة في لبنان، مع الأميركيين والفرنسيين ودول الخليج. القليل من المساعدة المالية، والمساعدة المهنية للحملات الانتخابية، والوساطة الهادئة بين السياسيين الذين يجدون صعوبة في تشكيل قوائم مشتركة. وهذه يمكن أن تؤدي إلى نجاح معارضي وخصوم حزب الله في لبنان». ويوضح: «الشريك المسيحي الأكبر لحزب الله هو التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون الذي سيُنهي ولايته قريباً. ومن المحتمل أن يخسر الآن نصف مقاعده في البرلمان، وسينتقل عدد كبير من هذه المقاعد إلى أطراف معادية لـ(الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصرالله، مثل حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، صديقنا في حرب لبنان الأولى عام 1982». ويضيف: «أحدثت استقالة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري فراغاً في المعسكر السني. وأخوه وعمته ليسا قائديْن. مع ذلك، تستعد شخصيات سنية أخرى من المنافسين اللدودين لنصرالله لنسج تحالفات مغلقة في الدوائر الانتخابية الخمس عشرة. سيجد نصرالله صعوبة في إدخال مرشحين سنّة (من هذه الدوائر) إلى البرلمان»، كما «سيصوّت عشرات الآلاف من اللبنانيين من المهاجرين خارج لبنان، إذ تسجّل للتصويت 250 ألفاً، علماً أن العدد كان تسعين ألفاً في انتخابات 2018. ويخشى حزب الله من أن هذه الأصوات ستقلب الموازين، إذ إن معظم هؤلاء الناخبين هم من المسيحيين الموارنة».

ويهتم كاتب التقرير بالإشارة إلى أن هناك مرشحين شيعة «سيعملون على منافسة قوائم حزب الله وحركة أمل بشكل مستقل. وهنا سيكون نصرالله معنياً بتحييدهم عن خوض الانتخابات، إما عن طريق الإغراء أو عن طريق التخويف كي يدفعهم للانسحاب من السباق الانتخابي». كما «يتوقع نشوب معركة انتخابية لدى الدروز، بين رجال وليد جنبلاط، العدو القديم لحزب الله، وبين متماهين مع نصرالله مثل الأمير طلال أرسلان. لكنّ دروز لبنان، كما دروز إسرائيل، غاضبون من نصرالله نتيجة المعاملة التي يتلقاها إخوانهم في سوريا». ويختم الكاتب الإسرائيلي تقريره بـ«نصيحة»: «واضح أن شعور نصرالله بالخطر، سيدفعه إلى البحث في تأجيل الانتخابات، حتى لو ألزمه ذلك اللجوء إلى العنف من أجل التأجيل. لن نكون في وضع التعاطف معه في حالة كهذه، لكن دعونا ندفعه إلى تلك الزاوية. ليس هناك الكثير من الوقت، إذ إن هناك ما يجب القيام به، وكذلك هناك من يمكن العمل معه، وفي النهاية، هناك ما يمكن ربحه».