لم تتوصلّ جلسة مجلس الوزراء التي إنعقدت نهار الثلاثاء الماضي للبحث في ملف الكهرباء، إلى نتائج ملموسة حيث أن الخطّة التي حملها وزير الطاقة والمياه كانت مكتوبة باللغة الإنكليزية وهو ما تحفّظ عليه بعض الوزراء مطالبين بنسخة باللغة العربية. وقام وزير الطاقة بعرض الخطوط العريضة للخطة إتُخذ بعدها قرار تأجيل البحث في هذه الخطة إلى جلسة أخرى.

المعلومات المُسرّبة عن الخطة، تُشير إلى أن الخطة تمتد على مدى خمس سنوات للحصول على كهرباء 24 ساعة / 7 أيام، مع 8 إلى 10 ساعات في العام 2022، 16 إلى 18 ساعة في العام 2023، 16 إلى 20 ساعة في العام 2024، 20 إلى 24 ساعة في العام 2025، 24 ساعة في العام 2026.

أما على الصعيد المالي، فتُشير هذه المعلومات إلى أن وزارة الطاقة والمياه تحتاج إلى 250 مليون دولار أميركي في العام 2022، 150 مليون دولار أميركي في العام 2023، و 145 مليون دولار أميركي في العام 2024 قبل أن تدرّ فائضًا بقيمة 96 مليون دولار أميركي في العام 2025، و347 مليون دولار أميركي في العام 2026.

عمليًا، المعلومات المُتوافرة عن الخطة تسمح لنا بطرح عدد من الملاحظات:

أولًا – العديد من الفرقاء السياسيين صنفوا خطة وزارة الطاقة والمياه في العام 2010 بأنها جيدة وأقروها بقانون مع تمويل بقيمة مليار دولار أميركي. وبغض النظر عن الأسباب التي منعت تنفيذ هذه الخطة ووصولها إلى برّ الأمان وبغض النظر عن نوعية هذه الخطة مقارنة بخطّة العام 2010، السؤال الذي يتوجّب طرحه: ما الذي تغير حتى لا تُعطّل الخطة الحالية للوزارة لنفس الأسباب التي عطّلت تنفيذ خطة الوزارة في العام 2010؟

ثانيًا – تمويل الخطّة يأتي من ثلاثة مصادر أساسية: الأول هو البنك الدولي من خلال قرض لتمويل شراء الغاز من مصر والكهرباء من الأردن؛ الثاني من سلف خزينة (250 + 150 + 145 مليون دولار أميركي على مدى ثلاث سنوات)؛ والثالث من رفع التعرفة التي يُتوقّع أن تفوق العشرة أضعاف! وهنا تُطرح عدّة أسئلة: البنك الدولي يشترط إصلاحات لإقرار القرض، فهل الحكومة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة؟ أيضًا كيف للحكومة أن تضبط الهدر التقني، والتعدّي على الشبكة الكهربائية، وجباية المستحقات؟ في الواقع التاريخ يُخبرنا أن هذا الأمر شبه مُستحيل ولن يتحقق في المستقبل نظرًا إلى الوضع الإقتصادي (إستحالة رفع التكلفة في ظل الظروف الإقتصادية الحالية) ونظرًا إلى أننا على أبواب إنتخابات نيابية لن يكون معها إقرار الخطة سهلًا. أما على صعيد السلف، فمن أين ستؤمّن الحكومة الأموال المطلوبة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان؟

ثالثًا – المرحلة الإنتقالية هي الأكثر حساسية! وبالتالي نسأل عن كيفية تأمين الكهرباء للمواطنين اللبنانيين خلال هذه المرحلة؟ هل هي عبر المولدات الخاصة أم عبر مصادر أخرى؟ في الواقع، إذا كان الخيار عبر المولدات الخاصة، يتوجّب تذكير الحكومة أن المولدات الخاصة الموجودة حاليًا تُنهي مهامها (أي 15 ألف ساعة عمل لكل مولد) في نهاية هذا العام، وبالتالي هناك إستحالة لتأمين الكهرباء من هذه المولدات العام المُقبل كما هي الحال اليوم! من هنا نسأل هل هناك تنسيق مع أصحاب المولدات لتجديد مولداتهم ومن سيدفع الفاتورة؟ أما إذا كانت المصادر هي غير المولدات الخاصة، فما هي هذه المصادر وما هي الكلفة على الدولة وعلى المواطن؟

من هذا المُنطلق، نرى أن خطة الكهرباء ستواجه الكثير من المطبات أمام إقرارها وهو ما سيتبيّن في الأيام والأسابيع المقبلة.

النكران الذي تعيشه السلطة السياسية يدفعها إلى مراكمة أخطائها خصوصًا أنها فشلت في إدارة هذا القطاع بغضّ النظر عن الأسباب التي أدّت إلى هذا الفشل. إذًا لماذا لا يتمّ تحرير هذا القطاع وإعطاء القطاع الخاص إمكانية مشاركة الدولة في إنتاج الكهرباء؟ هذا الأمر لا يعني بأي شكل من الأشكال خصخصة الملكية!

التداعيات الإقتصادية والإجتماعية لغياب الكهرباء ستكون عديدة وأحيانًا كارثية حيث تُعتبر الكهرباء عصب المجتمعات الحديثة. وبالتالي فإن الأضرار على الماكينة الإنتاجية ستكون كبيرة وهو ما سيضرب القطاع الإنتاجي وبالتحديد المصانع التي تلجأ إلى المولدات الخاصة (إشتراك أو مولد خاص) لتلبية حاجاتها. أضف إلى ذلك الضرر الكبير على الصعيد الإجتماعي من ناحية الإستخدامات المنزلية وضخ المياه والإتصالات، والتعليم وغيرها.

من ناحية أخرى، ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من قبل القضاء سيكون له حتمًا تداعيات سياسية وإقتصادية ومالية ونقدية على الساحة اللبنانية. وإذا كنّا في معرض مقال إقتصادي بحت، سنعمد فقط إلى طرح التداعيات الإقتصادية والمالية والنقدية:

على الصعيد النقدي، إستطاع التعميم 161 والتوسيع اللاحق لهذا التعميم لجم الدولار في السوق السوداء من خلال عملية تقنية لم يكن من السهل إستنبطاها نصّت على سحب الليرة اللبنانية من السوق وإستبدالها بدولارات. وهنا يقول البعض أن المركزي يحرق دولاراته من الإحتياطي بالعملات الصعبة، وهنا يتوجّب معرفة أن الكتلة النقدية في السوق توازي 53 تريليون ليرة لبنانية منها 37 تريليون ليرة لبنانية في التداول. وهذه الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية توازي 1.6 مليار دولار أميركي (على سعر 22 ألف ليرة للدولار الواحد) أي بمقدور المركزي سحب كل الليرات اللبنانية الموجودة في التداول مقابل هذا المبلغ وبالتالي منع أي مضاربة على الليرة. المعلومات تُشير إلى أنه تمّ سحب ما بين 7 إلى 8 تريليون ليرة من التداول وهو ما يوازي 360 مليون دولار أميركي، والتي كانت كافية لوقف المضاربة على الليرة اللبنانية من دون أن يكون هناك أي إصلاحات إقتصادية أو مالية! والأهم في هذا التعميم أنه نقل السوق السوداء بجزء كبير إلى منصة صيرفة مما يعني أن ضخ الدولارات في السوق لم يعد حملًا على مصرف لبنان لوحده نظرًا إلى شح الليرة بالسوق. الجدير ذكره أن التعميم 161 الذي تنتهي صلاحيته في أواخر شباط الجاري، يجب أن يتمّ تجديده تحت طائلة عودة الدولار إلى الجنون!

على الصعيد المالي، أقرّت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مشروع موازنة العام 2022 وأحالته إلى المجلس النيابي. هذا المشروع يحوي على عجز بقيمة 7 تريليون ليرة لبنانية بحسب ما ورد في تصريح الرئيس نجيب ميقاتي، ومن المفروض أن تمويل هذا العجز أصبح مؤمّنًا من قبل مصرف لبنان المصدر الوحيد الذي يُمكن للحكومة الإقتراض منه نظرًا إلى تخلّفها عن دفع مُستحقاتها. القوة في التعميم 161 أنه إستطاع ضرب عصفورين بحجر واحد: لجم سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وتأمين تمويل عجز الموازنة من دون أن يكون هناك أي طبع للعملة. لكن في حال تفلّت سعر صرف الدولار مُقابل الليرة اللبنانية فإن هذا العجز يُصبح حبرًا على ورق، من هنا ضرورة المُحافظة على سعر صرف مُستقرا وهو أمر قادرٌ عليه حاكم المركزي نظرًا إلى نتائج التعميم 161. بمعنى أخر تحتاج الحكومة إلى إستقرار في سعر صرف الدولار كي لا يرتفع العجز إلى مستويات تقع معه الدولة بالكامل.

في هذا الإطار، يجب التذكير أن مُمثل لبنان رسميًا في صندوق النقد الدولي هو مصرف لبنان بشخص حاكمه. هذه العلاقة مُستمرة منذ ما يُقارب الثلاثة عقود وبالتالي فإن تغيير حاكم المركزي في هذه المرحلة قد يؤثّر على العلاقات مع صندوق النقد نظرًا إلى أن أي حاكم جديد – حتى ولو كان على علاقة بصندوق النقد – يحتاج إلى ستّة أشهر أقلّه لكي يتملّك جيدًا الملفات النقدية ويُمارس مهامه بالكامل في المصرف المركزي. وبالتالي فإن المفاوضات مع صندوق النقد قد تتأخر وهو ما لا يصب في صالح الدولة اللبنانية.

على الصعيد الإقتصادي وهو الأخطر، فإن ملاحقة حاكم مصرف لبنان قضائيًا قد يدفع المصارف المراسلة إلى إقفال حسابات المصرف المركزي لديها خوفًا من المخاطر القانونية، وهو ما سيكون له تداعيات كارثية على الإستيراد نظرًا إلى أن هذا الإستيراد يمرّ عبر المصارف المراسلة التي تفتح إعتمادات لشراء السلع والبضائع.

من هنا نرى أنه بغضّ النظرّ عن الواقع القانوني والسياسي لملف حاكم مصرف لبنان، ملاحقة الحاكم في هذه اللحظة يحوي على مخاطر يتوجّب على الحكومة القيام بما هو ضروري لتداركها تحت طائلة الفوضى.