تحقيقات - ملفات

الحزب طائراً.. رسائل متعدّدة الاتجاهات

 

ابراهيم ريحان -أساس ميديا

استعراض قوّةٍ ورسائل “مُجنّحة” مصدرها العاصمة الإيرانيّة طهران انطلقَت من لبنان وحطّت رحالها على طاولة المفاوضات النّوويّة في فيينا وطاولة الحكومة الإسرائيليّة في تل أبيب.

بالغَ الحزب في الاستعراض وتوجيه الرّسائل، فذكَر بيانه، الذي حمَل توقيع “المُقاومة الإسلاميّة”، أنّ طائرته “حسّان”، التي سمّاها تيمّناً بمسؤول تطوير المُسيّرات حسّان اللقيس الذي اغتالته فرقة كوماندوس سنة 2013، حلّقت “40 دقيقة في مهمّة استطلاعيّة، امتدّت على طول 70 كلم في فلسطين”، وأضافَ أنّها عادت “سالمة على الرغم من كلّ محاولات العدوّ المتعدّدة والمتتالية لإسقاطها”.

لم تتأخّر تل أبيب في الرّدّ استعراضيّاً أيضاً فوق سطوح بيروت والضّاحية الجنوبيّة. إذ سارعت طائرتان من طراز F15 إلى التحليق على علوٍّ منخفضٍ جدّاً فوق رؤوس أبناء العاصمة والضّاحية، حتّى شوهدَتا بالعين المُجرّدة.

كان أخطر ما في المشهد الاستعراضي الإسرائيلي التّحليق المُنخفض فوق مُدرّجات مطار رفيق الحريري الدّوليّ والأوزاعي، وهي المنطقة التي طالما قال المسؤولون العبريّون إنّها تضمّ منشآت حيويّة لبرنامج حزب الله الصّاروخيّ والجوّي..

هناك أهداف ورسائل عديدة خلف إطلاق الطائرة المسيّرة في العمق المحتلّ.

أوّلها: وصلَت محادثات فيينا النّوويّة إلى مراحلها الأخيرة والأكثر دقّة، وعليه سيكون إمّا اتفاق نوويّ أو لا اتفاق.

سارعَت تل أبيب إلى إرسالِ مبعوثٍ يوم الإثنين الماضي إلى العاصمة النّمساويّة، حيث أبلغ وفود المجموعة الدّولية أنّ إسرائيل غير معنيّة بأيّ اتفاق يُعقد في فيينا، وعليه فإنّ تل أبيب ستقوم بما سمّته “حماية مصالحها”، وغير معنيّة بأيّ اتفاقٍ ينبثق عن مفاوضات إيران والمجموعة الدّوليّة 4+1 وأميركا.

كانت رسالة المسيّرة اللبنانية التي سبقتها أخرى فلسطينيّة أُطلقت من قطاع غزّة الذي تُسيطر عليه حركتا حماس والجهاد الإسلاميّ المواليتان لإيران: أيّ تحرّك إسرائيلي ضدّ إيران سيُقابَل بتحريك الجبهات كلّها. وهذه في المبدأ رسالة ردع لا هجوم.

ثانيها: محاولة “إهانة” الدفاعات الجويّة الإسرائيلية التي عرضت الحكومة الإسرائيلية على دولة الإمارات شراءها لمواجهة مسيَّرات ميليشيات الحوثي. وقد نجحت المسيَّرة في مناورة القبّة الحديدية وحتى الرادارات الإسرائيلية حتى عمق 70 كلم والعودة إلى لبنان سالمة.

زادَ حزب الله في إحراج الإسرائيليين، إذ شهدَ الدّاخل العبريّ تخبّطاً منذ لحظة اكتشاف الطّائرة في الأجواء. فقد قال الإسرائيليّون في أوّل الأمر إنّهم اعترضوا الطّائرة وأسقطوها، ثمّ ذكروا أنّهم لم يجدوها، قبل أن يعلنوا أنّ منظوماتهم الدّفاعيّة والطّائرات الحربيّة لم تنجح في إسقاطها.

ثالثها: إرسال رسالة إلى تل أبيب مفادها أنّ كلّ الغارات الجويّة التي استهدفت قوافل ومخازن السلاح في سوريا لم تمنع وصول التكنولوجيا المطلوبة للطائرات المسيّرة، وأنّ كلام الأمين العام للحزب السّيّد حسن نصرالله حول تصنيع الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة في لبنان جدّيّ إلى أقصى الحدود.

رابعها: اعترف الحزب في بيان بيان رسميّ أنه أرسل الطائرة بمهمة “استطلاعية” فوق الأراضي المحتلّة، وكأنّه كان يقول للإسرائيليين إنّ انخراط الحزب في صراعات المنطقة، بدءاً من سوريا وصولاً إلى اليمن، لم يؤثّر على قدرته وجهوزيّته على الجبهة الجنوبيّة.

خامسها: رسالة معنوية إلى جمهور الحزب، ومحاولة تغطية تراجع حليفه الرئيس ميشال عون عن الخط 29 في ترسيم الحدود، الذي يُعدّ تنازلاً عن 1430 كلم²، أي ما يزيد على المساحة المحرّرة من أراضي جنوب لبنان سنة 2000 (990 كلم²)، وهذا ليسَ تفصيلاً عابراً.

سادسها: يعلم الحزب أنّ تل أبيب ليست بوارد شنّ حملة عسكرية شاملة، أقلّه في الوقت الراهن، فأراد استدراج ردّها بالتحليق فوق الأراضي اللبنانية من دون تنفيذ أيّ ضربة عسكرية.

سابعها: يحمل اختيار الحزب لاسم حسّان اللقيس رسالة إلى الإسرائيليين وقيادتهم الاستخباريّة المُمثّلة بالموساد مفادها أنّ اغتيال اللقيس المسؤول عن تطوير برنامج الطّائرات المُسيّرة في الحزب لم يوُقِف تطويرها. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على برنامج الصّواريخ الدّقيقة وغيره.

 

ثامنها وأهمّها لواشنطن والمجتمع الدّوليّ وورقة استعادة الثّقة العربيّة التي حملها وزير الخارجيّة الكويتي إلى لبنان قبل أسابيع:

أعلنَ الحزب سيطرته على الأجواء اللبنانيّة دفاعاً وهجوماً، إذ كان الأمين العام للحزب قد أعلنَ أنّ الحزبَ ماضٍ في تفعيل دفاعاته الجويّة ضدّ المسيّرات الإسرائيليّة، وربّما الطّائرات الحربيّة. وعليهِ فإنّه مهما كانت نتائج الانتخابات النّيابيّة المُقبلة، فإنّ الحزب هو المُهيمن والمُسيطر على الجوّ والأرض والبحر. فقد انطلقَت الطّائرة من منطقة جنوب الليطانيّ في ردٍّ واضح على المُطالبة العربيّة والدّوليّة بتطبيق القراريْن الدّوليّيْن  1559 و1701.

جديرٌ بالذّكرِ أنّ الحزبَ فعّل منظومات الدّفاع الجوّيّ قبل أسابيع أثناء هجومٍ إسرائيليّ على السّاحل السّوريّ. يومها انطلقَت صواريخ يُرجَّح أنّها من طراز S200 الرّوسيّة الصّنع، من المنطقة المُتاخمة للحدود السّوريّة في جرود الهرمل لاعتراض الصّواريخ الإسرائيليّة، ونجحت في إسقاط بعضها.

هي لحظة اختارها الحزب ليوجّه رسائله في اتّجاهاتٍ عديدة، ويستعرض قدراته ويثبّت معادلات جديدة ويعلن أنّه قادرٌ على الإمساك بالقرار اللبنانيّ مهما كانت نتائج طاولة فيينا…

هل ينجح؟؟

للحديث تتمّة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى