حلم السيسي لمصر… لا حدود له

 

عماد الدين أديب – أساس ميديا

“مصر التي يريدها رئيسها عبدالفتاح السيسي” ما هي أهدافها؟ وما هي مناطق نفوذها الإقليمي والدولي؟ وما هي تحالفاتها الاستراتيجية؟ وما هي تحدّياتها الأمس واليوم وغداً؟

مصر السيسي كيف تواجه مخاطرها؟ وكيف تُحقّق حلمها الاستراتيجي؟

الفهم الصحيح للظرف الموضوعي، وتحدّيات الداخل والخارج، وحلم القائد، هي المثلّث الإلزامي لفهم خارطة طريق حاضر مصر ومستقبلها.

يقول الدكتور العبقري الفذّ جمال حمدان، في كتابه المرجع “شخصيّة مصر”، عبارة حاكمة تفرض نفسها على كلّ مَن حكم أو يحكم أو سيحكم مصر منذ 4922 سنة قبل الميلاد حتّى قيام الساعة: “هناك عدّة عبقريّات لمصر أولاها عبقرية الطبيعة التي تحمل ثلاثية “النهر والصحراء والبحر”، ممّا يخلق حالة من “تناظر وبساطة وانتظام طبيعي يؤثّر على السلوك البشري”.

يضيف الدكتور جمال حمدان إنّ “الكلمة المفتاح من شخصيّة مصر البشرية تتحدّد في التجانس الطبيعي، المادي، السكاني، العمراني ووحدة الوطن السياسي”.

نتوقّف أمام عبارة استثنائية للدكتور حمدان حينما يقول: “من النادر أن نجد في العالم بلداً يخضع في ملامحه لقانون التدرّج كوجه مصر، فإذا كان التجانس هو قانونه الأوّل فإنّ التدرّج هو قانونه المكمّل”.

انتهى كلام الدكتور حمدان، لكنّ معناه كما نفهمه أنّ أيّ حاكم يجلس على سدّة الحكم في مصر، عليه أن يراعي أنّ مشروع الدولة الوطنية هو مشروع حياة أو موت لمصر وحاكمها وشعبها، وأنّ الحفاظ عليه يبدأ من تحقيق الاستقرار. وفهم السيسي للاستقرار ليس أمنيّاً فحسب، بل يعتمد على تحقيق إرضاء المواطنين من خلال تأمين احتياجاتهم الأساسية بشكل كريم.

منذ أن كان صبيّاً في حيّ الجمالية وعشق الطيران، حتّى دخوله الكليّة الحربية، نبتت في عقل الشاب الملازم الأول عبد الفتاح السيسي 3 أمور حاكمة أثّرت في تكوين فكره السياسي والإنساني:

1- لا حدود ولا سقف للحلم الإنساني.

2- تحقيق الحلم يبدأ بالتوكّل الكامل على الله والخلق السليم، وبعمل علمي دؤوب لا يعرف التراخي.

3- مصر دولةً وشعباً وبشراً تستحقّ حياةً أفضل بكثير ممّا تعيشه الآن.

فهم شعوب المنطقة

بوادر شخصية السياسي ظهرت في كلّ “سلاحٍ” خدم فيه، حتّى برز بشكل صريح في قيادة المنطقة الشمالية العسكرية، ودورات الضبّاط المحليّة، ثمّ دورة قادة الأركان في كليّة الحرب الأميركية التي جذب فيها اهتمام أساتذته، والتي قدّم فيها بحثاً سياسياً مميّزاً عن خصوصيّة فهم الديموقراطية في الشرق الأوسط.

إرهاصات هذا البحث توضح فهم السيسي العميق لقانون الفعل وردّ الفعل الحقيقي الحاكم في عقول شعوب الشرق الأوسط ونفوسها.

منذ تلك اللحظة أدرك السيسي أنّ الجوعى الذين يعيشون في حالة الفقر الممتدّ، والذين يسكنون العشوائيّات، والذين يعانون من فقدان أدنى حدّ من الخدمات الدنيا لأيّ إنسان، يحتاجون إلى الحقّ الأول بين حقوق الإنسان، وهو حق الحياة الكريمة الذي يجب أن يسبق حق التعبير والحرّيات.

حلم السيسي سقفه لا يقف عند حدود توفير الضرورات للإنسان، بل يتعدّاها إلى توفير كلّ سبل الحياة الكريمة وتحسين جودة الحياة للمواطنين والمواطنات الذين عانوا لسنوات وافتقدوا حنان الدولة ورعايتها.

حلم السيسي لمصر ألا تكون مجرّد “الشقيقة الكبرى”، لأنّها الأقدم تاريخياً أو الأكبر من ناحية تعداد السكان، بل يريدها الأقوى عسكرياً في الشرق الأوسط وإفريقيا، وعلى مستوى التصنيف العالمي.

حلم السياسي لمصر أن تكون متقدّمة في تصدير المنتجات الزراعية والصناعية والغاز والكهرباء.

حلم السيسي أن تكون مصر دولة مؤثّرة في التوازنات الإقليمية ولاعباً رئيسياً يُؤخذ برأيه ويُحسب حسابه على المستوى الدولي.

محاولة قتل حلم السيسي

من هنا كان لا بدّ لأعداء مصر من محاولة “قتل حلم السيسي في مهده” واستنزاف موارده في صراعات عقيمة ومرهقة للغاية.

بدأ ذلك بالتفجيرات الأمنيّة في الداخل، ثمّ تسخين جبهة سيناء وتهريب السلاح، ثمّ تسخين حدود السودان في عهد البشير، ثمّ فتح كابوس ملفّ سدّ النهضة في أثيوبيا، ثمّ تسخين الوضع في ليبيا والعمليات العسكرية بين حماس وإسرائيل.

في كلّ مرّة تعاملت مصر السيسي بحكمة شديدة وضبط نفس على أعلى المستويات.

تمّت السيطرة على الوضع الأمني داخلياً، ومحاصرة شبكات الإرهاب الديني، والقبض على زعامات الفتنة من المرشد إلى مجلس الشورى، إلى مكتب الإرشاد، حتّى التنظيمات العسكرية الإرهابية.

وعلى الرغم من منع واشنطن قطع الغيار عن الطائرات الأباتشي لدى مصر، استطاع الجيش المصري ضبط الأوضاع في سيناء وإضعاف عمليات الإرهاب الديني.

تمّ تغيير الوضع في السودان، ولعبت مصر دوراً إيجابياً.

تمّ تحديد خطّ أحمر استراتيجي وضعه الرئيس لضبط العمليات العسكرية في ليبيا.

تمّت محاصرة إثيوبيا من 6 دول إفريقيّة، منها السودان، باتفاقات أمنيّة مع مصر، ولم تبتلع مصر استفزازات أيّ أحد.

فتحت مصر صفحة جديدة مع قطر ودخلت جولتيْ مفاوضات أمنيّة مع تركيا.

تقييم وضع المنطقة

قامت مصر بتقييم دقيق لوضع المنطقة الآن تبيّن من خلاله ما يلي:

1- هناك فراغ استراتيجيّ بسبب الخروج الأميركي من المنطقة وانتقال الاهتمام إلى جنوب بحر الصين والمحيط الهادئ.

2- هناك ضعف وارتباك وغموض في سياسة أميركا الخارجية أعطت الفرصة لصعود النفوذ التجاري للصين والنفوذ الأمني والعسكري لروسيا.

3- تدرك مصر أنّه يجب عدم ترك المنطقة العربية لقوى استراتيجية إقليمية تحاول السيطرة عليها، وهي إيران، تركيا، وإسرائيل. وأنّ مصر، القوة العربية الإقليمية، يجب أن تواجه محاولة هذه الدول “تسلّم إرث” الخروج الأميركي.

4- تركّز مصر، بقوّة ودون تردّد، على علاقاتها وتحالفاتها مع الرياض وأبو ظبي والمنامة، وتتعاون بشكل قويّ مع الأردن والعراق وتونس، وأخيراً الجزائر.

وبالتالي فإنّ عام 2022 يحمل لمصر تحدّيات مهمّة تفرض نفسها، وهي:

1- حسم موضوع ملف النهضة.

2- استقرار أو انفلات الوضع في ليبيا؟

3- حسم موضوع المكوّن العسكري والمكوّن المدني في السودان.

4- علاقة حماس بالسلطة الفلسطينية.

5- مستقبل العلاقة مع سوريا الأسد.

6- مشروع إيصال الكهرباء إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.

7- حسم موضوع اليمن، بناءً على ما سوف تسفر عنه نتائج مفاوضات فيينا الثورية.

في الداخل أهمّ ما يشغل بال السيسي هو المضيّ بقوّة في حلمه الكبير، وهو مشروع حياة كريمة سوف يحسّن حياة 56 في المئة من المصريين.

وفي الداخل، مع اقتراب شهر رمضان، سيزداد الاستهلاك للسلع الأساسية، وسيكون هناك ارتفاع متوقّع في سعر فائدة الدولار الأميركي عالمياً، ويُحتمل وصول سعر برميل النفط إلى ما يزيد على 95 دولاراً للبرميل، وسترتفع أسعار الحبوب والغلال والقمح ارتفاعاً جنونيّاً (لاحظ أنّ مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم. فإن كان هناك سقوط شديد فسيكون على قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار).

لذلك كلّه يستعدّ الرئيس وفريقه الاقتصادي لتنفيذ إجراءات علمية وسريعة لمواجهة هذا الضغط المقبل.

مصر السيسي أكبر من حدودها التاريخية المرسومة في الخارطة، وحلم الرجل هو خلق حياة كريمة للجميع حتّى يستطيع أن يقف مستريح الضمير والبال أمام ربّه وشعبه.

هذا هو حلم السيسي.

 

Exit mobile version