لقد مللنا من تلك المسرحية في بلد مثلما أنتج أدولف هتلر، أنتج سيغمند فرويد ويوهان شتراوس وفولغانغ أماديو موزارت وفرانز شوبرت. كيف يمكن للتاريخ أن يكون غبياً أو فذاً الى ذلك الحد حين يمزج بين لغة الغراب ولغة السنونو؟ هكذا كتب هتري ميشو.
المتابعة ساعة بساعة. دقيقة بدقيقة، لاعتقادنا أن للاتفاق، أو اللااتفاق، تداعيات اما أن تكون كارثية على لبنان، كما على الدول العربية الأخرى، أو أن تفضي الى سلسلة من التسويات لصراعات عبثية لطالما استنزفت امكاناتنا، وأجيالنا، من أجل حماية عروش من التنك، والا هل كنا نطلق صيحات الاستغاثة بهذا الأسطول أو ذاك كلما قرع أحدهم، بالعصا، على باب القصر؟
لا نصدق أياً من التصريحات التي تتناهى الينا من هنا، ومن هناك. الأقنعة، لا الوجوه، هي التي تتكلم. ديبلوماسي فرنسي عريق لاحظ أن ما يحدث في قصر كوبورغ، عرض ساخر وثقيل الظل، ليضيف، بحسب صحيفة “ليبراسيون”، أن الجانبين يزحفان، بأسنانهما، الى “لحظة الزفاف”. لكل منهما أسبابه التي “تضغط حتى على هيكله العظمي”. ولكن كل جانب يحاول أن يوحي، خصوصاً أمام الرأي العام في بلاده، بأنه يفاوض بشروطه لا بشروط “العدو”. اللعب البطيء، والمضني، والممل، الى أن تستنزف أعصاب “الجمهور” حينذاك تقرع الأجراس في فيينا .
ديبلوماسي روسي في احدى العواصم العربية اذ لاحظ أمام زميل لنا مدى التشابك السريالي ان بين العلاقات، أو بين الصراعات الدولية، كنتيجة للهذيان الأميركي، وشعور أركان الدولة العميقة أن الكرة الأرضية على وشك الافلات من أيديهم، رأى ألاّ مجال للفصل بين ما يجري على الأرض في الشرق الأوروبي، وما يجري في أدغال الباسيفيك، ناهيك عما يجري بين روبرت مالي وعلي باقري على ضفاف الدانوب الأزرق.
أما لماذا تكثف بلاده جهودها من أجل أن يتصاعد الدخان الأبيض من فيينا، فهو يعتبر أن فشل المفاوضات يعني اطلاق الأميركيين يد الأتراك والاسرائيليين في سوريا التي تكفيها جراحها، ومصائبها، حيث تمنع أي يد تحاول أن تتلمس الطريق الى اعادة الاعمار، دون أن تدرك البلدان العربية (كمحميات أميركية)، وبالرغم من حالات الاهتزاز التي تضربها، أهمية الاستقرار في دولة تعتبر احدى الركائز الأساسية في الأمن الاستراتيجي العربي .
الديبلوماس الروسي يرى أن أنقرة وتل أبيب تلعبان، سوية، بـ “قرني الشيطان”، كما في احدى روايات دوستويفسكي، داخل الشقوق الأميركية لاعادة تفجير الأزمة في سوريا، واقامة نظام بديل، بل أنظمة بديلة ما دمنا سنكون أمام دول بديلة. انه رهان الشيطان.
اذ يهزأ من البعد الهوليوودي في السياسات الأميركية، يستشهد بكلام الجنرال اريك كوريلا، أثناء اجتماع لجنة القوات المسلحة في الكونغرس بشأن ترشيحه لمنصب قائد القيادة الوسطى خلفاً للجنرال كينيث ماكنزي، “ان غزو روسيا لأوكرانيا سيؤدى الى توسيع حالة اللااستقرار في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا”، مهدداً بـ”أننا لن نتورع عن اثارة الفوضى على الأرض السورية”.
كثيراً ما تحدثنا عن ديبلوماسية، أواستراتيجية، الثعبان التي ينتهجها رجب طيب اردوغان، الجاهز دوماً للقيام بدور “الروبوت الأميركي”، أو حتى “الروبوت الاسرائيلي”. الآن يرتجف لاعتقاده أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا سيجعل تركيا على بعد خطوات من خيول القيصر.
المشكلة أن الأميركيين يعتبرون أنفسهم اللاعب الوحيد في العالم. اذا ما انفجر الوضع في أوكرانيا، وحيث أنتوني بلينكن يتوقع الهجوم في أي لحظة، واذا ما فشلت مفاوضات فيينا، أين سيكون اللاعبان الروسي والايراني. هل يبقى من أثر للآميركيين في العراق؟ وهل ستبقى حرب اليمن في اليمن؟
لن نبقى عند الزاوية الدرامية من المشهد. في الرؤية الكلاسيكية للتاريخ، لا بد من حرب تعيد ترتيب العلاقات، والمعادلات، الدولية. لكن الخشية من أن تفتح هذه الحرب أبواب جهنم. في هذه الحال، دور آخر لقارعي الطبول. أن يشقوا الطريق الى يالطا أخرى، كما أن الرياح الساخنة والباردة، التي تهب من واشنطن وتل أبيب لا تعني، بالضرورة، الخروج من فيينا بأيد فارغة.
اذا انفجرت هذه المرة، الملاجئ وحدها لا تكفي…