محمد الجنون
بعد المقاطعة الطويلة لجلسات مجلس الوزراء، وبعد قرار العودة إليه تحت شعار “تسيير شؤون الناس”، شاء “الثنائي الشيعي” مجدداً أن يعلنَ الانتفاضة على مجلس الوزراء بسبب الجلسة الأخيرة التي طُرِح فيها ملف التعيينات العسكريّة من خارج جدول الأعمال.
حتى الآن، ما زال الامتعاضُ من قبل وزراء “الثنائي” كبيراً إزاء ما يرونه “تجاوزاً لهم” بشأن كيفية طرح ملف التعيينات وأيضاً بشأن الموازنة، إذ كان هناك تأكيد واضح بأن الأخيرة “لم تُقر” بالنسبة للثنائي باعتبار أن البحث فيها لم ينتهِ بعكسِ ما جاء في مقررات الجلسة الأخيرة التي عقدت في بعبدا. أما في ما خصّ “التعيينات”، فقد كانت بمثابةِ “ضربة كبيرة”، لأن العودة إلى مجلس الوزراء كانت برأيهم مشروطة بعدم مناقشة هذا الملف أبداً.
“الإستياء الشيعي” بشأن ما حصل في مجلس الوزراء ما زال محصوراً في إطار التصريحات، في حين أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما زال متمسكاً بوحدة المجلس وتجانسه باعتبار أن المرحلة الحاليّة حساسة جداً وتقتضي حرصاً على تسيير عمل الحكومة كما يجب.
بشأن الموازنة، فإن ما كشفته المعطيات المرتبطة بحيثيات جلسة مجلس الوزراء هو أنّ المجلس ناقش التعديلات التي طرأت على مشروع الموازنة، وبالتالي لم يكن هناك أي تجاوزٌ للوزراء الذين قال بعضهم أنهم لم يطلعوا على التعديلات. أما عندما يتعلق الأمر بالتعيينات، فقد كان الأمر بمثابة مفاجأة من رئيس الجمهورية ميشال عون، على حد اعتبار “الثنائي”، إلا أنها لا تتعدّى الصلاحيات الدستورية حتى وإن جاءت من خارج جدول الأعمال.
ماذا يريد الثنائي؟
وسط مشهدية الغضب العارم، يتضح تماماً أن “الثنائي الشيعي” بات يرى نفسه أمام حصارٍ حكومي، لكن هذا الأمر مخالفٌ تماماً لكل الحقائق. فمن أجل الثنائي تعطلت جلسات مجلس الوزراء فترة طويلة، وبسبب عدم مشاركته، كاد المتعاقدون مع الدولة لا يتقاضون رواتبهم، وفي حال لم يوافق الثنائي على العودة لكانت المساعدة الاجتماعية للموظفين في مهبّ الريح. إضافة إلى ذلك، فإن إقرار الموازنة الحالية يعتبرُ خطوة ضرورية لإتمام المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وفي حال لم تُقر فسيكون هناك عواقب غير إيجابية على لبنان.
في الواقع، فإن “الثنائي” يدركُ تماماً أن الوضع في البلاد لا يتحملُ تعطيلاً جديداً لعمل مجلس الوزراء خصوصاً أننا على مقربة من الانتخابات النيابية. إضافة إلى ذلك، فإنّ الموازنة التي يعترض عليها “الثنائي” نوقشت بشكل كامل خلال جلسات ماراثونية لمجلس الوزراء.. فأين كان وزراء الثنائي من هذا النقاش؟ لماذا صرحوا مراراً بمعرفتهم بمضمون بنود الموازنة وشمول البحث لها جميعها؟ هل بسبب طرح ملف التعيينات باتت الموازنة غير صالحة وغير مُقرّة؟
ما يتضح بشكل أساسي هو أنّ ملف الموازنة جاء كمطيّة وكحُجّة للاعتراض على التعيينات، الأمر الذي قد يدفع البعض لاعتبار جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في بعبدا غير دستورية وغير قانونيّة بمقرراتها، وهذا ما يريده الثنائي الشيعي بشكل غير مباشر، إذ أن تصريحات وزرائه تدلّ على هذا الأمر. أما ما يزيد الشرخ أكثر هو أنّ ضرب الموازنة يعني عرقلة للمسار الإصلاحي الذي يطالب به صندوق النقد الدولي لبنان، وفي حال واجهت الموازنة أية عراقيل فإنّ الخطوات اللاحقة ستكونُ أصعب، مالياً واقتصادياً.
بكل تأكيد، فإنّ تدليل أوساط “الثنائي” على بنود محدّدة مرتبطة بالموازنة والإشارة إلى أنها “ملغومة” وتستهدف المواطنين بشكل أساسي، إنما يندرجُ في إطار التعبئة الشعبيّة والانتخابية لا أكثر ولا أقل. وعلى صعيد التعيينات، قد يكون رئيس الجمهورية قد طرح هذا الملف بحكم الضرورة التي تفرض نفسها، لكن انتفاض “الثنائي” هو رسالة إلى عون بشكل كبير، خصوصاً من “حزب الله”.
وسط كل هذا، فإنّ أي مقاطعة جديدة للحكومة لن يكون في صالح “الثنائي”، فالاعتراض قد يبقى سيد الموقف، وقد ينتقل إلى مجلس النواب خلال مناقشة الموازنة. وبشكل أساسي، فإنّ غياب وزراء الثنائي عن جلسات مجلس الوزراء قد يضع الانتخابات في خطر، وقد يجعل الأوضاع المالية والاقتصادية تتدهور بسبب أي شلل يصيب مجلس الوزراء من جديد. وهنا، يُطرح السؤال التالي: هل سيتحمل الثنائي الشيعي عواقب كل ذلك؟ ما هي الخطوات التي سيعلنها لاحقاً بشأن ملف الموازنة والتعيينات؟ هل سيطوي هذه الصفحة بالموافقة؟ هل سيرفض التعيينات التي تخصّ الطائفة الشيعية في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء المقبل؟
كل ذلك كفيلٌ بأن يظهره الوقت، والأمور ستتضح أكثر مع المسار الذي سيسلكه الثنائي، وعما إذا كان سيكون باتجاه التهدئة او غير ذلك.
المصدر: خاص “لبنان 24”