“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
ما من شكّ أن السلطة الراهنة وأدواتها، تلجأ إلى سياسة “حافة الهاوية” عندما تكون “مزروكة”، وتبرع في استخدامها نتيجة المناخ اللبناني التقليدي. لذلك في ذروة “مخاض” الدول وانشغالها في درس فوائد الإستثمار في المنظمات الأهلية وغير الحكومية المسمّاة “قوى تغيير” ، وعندما عاينت نموّ شكوك لدى هؤلاء من أهلية “المندوبين” في إتمام عملية انتقالٍ سياسي “مرن و سلمي” للسلطة في لبنان، إنبرت صوب “دسّ” الشكوك حول مصير الإنتخابات في اللعبة الجارية، ثم أوعزت إلى البعض تقديم الجوّ إلى واجهة المشهد، وهكذا كان.
اليوم يعلو النقاش حول مصير الإنتخابات، ويتقدّم المشهد، وليس سراً ، أن سفارات وممثليات في لبنان، ذهبت تناقش مصير الإنتخابات واحتمالات تأجيلها لـ”دواع تقنية”. وخلال نقاشاتها العلنية مع ممثلين عن هيئات ومنظمات أظهرت أن ثمة “عطب” سياسي داخلي ما، أوحى للحاضرين و كأن هؤلاء بدأوا يفكرون جدياً بمصير الإنتخابات، ولم لا، تقديمها شوطاً إلى الأمام حتى يصلح الإستثمار بها لاحقاً. وخلال زيارة وفدٍ تابع لـ”كونسورتيوم” منظمات غير حكومية ناشطة في الجنوب، إلى إحدى السفارات الغربية، لاحظَ أحد الحاضرين بصفة “مرشح مفترض” من كلام السفيرة، ما يوحي بأن الإنتخابات مقبلة على التأجيل بنسبةٍ عالية، فمصطلحات “قد” و “ربما” و”من الممكن” تحمل علامات لا تحمل على الراحة.
في موضعٍ آخر، يدور التناتش حول الجهات الصالحة لتشكيل اللوائح والمرشّحين الأكفّاء، الذين لهم الحقّ في الترشّح على مستوى المجموعات، ولا ريب في أن معايير الترشيح و تأليف اللوائح إمّا غائبة أو غير متوازنة، وهذا النقاش، وإن لُفّ بصورة “الصحي و السليم”، لكنه يستبطن علاماتٍ تبعث على القلق، فارتفاع النقاش إلى هذا الحدّ وما ينتجه من زخمٍ سلبي قبيل ما يقارب 100 يوم على افتتاح صناديق الإقتراع دون أن يتمّ التفاهم بعد حول العناوين الأساسية، له أن “يفرطع” وحدة إدارة الإنتخابات من جهة المعارضة وقوى التغيير بطريقة “موحدة”، ما قد ينعكس على طريقة إنتاج اللوائح، فظهور أكثر من لائحة معارضة في دائرة واحدة كـالشوف أو بعبدا مثلاً ، “يشظّي الأصوات” فيخرج “التغييريون” بخفّي حُنين!
ثمة قضيةٌ أخرى طُرحت مؤخراً على النقاش، فجانبٌ معارض يطرح نظرية “تخفيض” الحواصل الإنتخابية بعدما أدرك صعوبة جني أرباح عالية من خلف سريان إنتخابات عادية بحواصل مشابهة لتلك التي سادت عام 2018، وهذا الفريق لا يُخفي أن كافة الإحصاءات الموثوق بها التي أُجريت خلال الفترة المنصرمة من قبل مؤسسات محددة، أظهرت نمواَ واضحاً لتوجهات المقاطعة لدى الفئات الشعبية كافة سيّما لدى الُنخب، وهنا مكمن خلل قوى السلطة، التي تريد رفد الإنتخابات بمشاركة مرتفعة تؤمّن حواصل عالية لتأمين “مناعة مُكتسبة” للوائح، وهنا تكمن أو تولّدت محاولة المعارضين للخرق، إذ أن انتخاباتٍ بمشاركة ضئيلة، تعني أصواتاً قليلة أي حواصل منخفضة ما يمكّن هؤلاء من العبور إلى ساحة النجمة. لكن لعبةً من هذا القبيل، عبارة عن سيف ذو حدّين، فلا أحد يضمن حصول خروقات، فيما ندرة المشاركة في الإنتخابات تنعكس على شرعية التمثيل فلا يمكن بأيّ حال حُكم البلد بمجلسٍ تقلّ نسبة تأييده عن 40% من الناخبين اللبنانيين.
في مقابل كل ذلك، ومع ظهور علاماتٍ غير مشجّعة حول اعتماد “القوى التغييرية”، سيّما تلك المنبثقة عن 17 تشرين، كـ”فرق موحد” في الإنتخابات، وعدم نجاعة ذلك لعدة أسباب منها الخفّة في التسويق وغياب الرؤى والخطاب الواضح، تبلورت فكرةٌ قامت على محاولة إنتاج قوى هجينة، بمعنى جمع القوى التقليدية التي خرجت من رحم السلطة مؤخراً كـ”حزب الكتائب” مثلاً و الشخصيات النيابية التي استقالت كـ”نعمة افرام” وميشال معوض وغيرهما مع نماذج من قوى المجتمع المدني لإنتاج “تحالفٍ هجين ومركّب”، بإمكانه خوض الإنتخابات والتحصيل، وهذا المُنتج يُمكن أن يُطلق عليه مصطلح “تنقيح الـNGOs” عبر تلقيحات بخبرات سياسية. ويعتقد بعض المخترعين و على نطاق واسع، أن هذا الـItem بإمكانه التحصيل بشكل أفضل.
من جهةٍ أخرى، وكحال نموّ “نزعة الأنا” لدى القوى البديلة، ما حتّم بروز عامل الفوضى و التصارع و التزاحم في إنتاج ليس فقط الخطاب السياسي، وإنما اللوائح و المرشحين، من المتوقّع أن تتولّد النزعة ذاتها لدى “المُنتج الهجين”، بحيث أن حزب الكتائب مثلاً و الذي استبدل اسمه حديثاً وأدخل تغييرات إجتماعية عليه، يأمل في أن يكون المثال الرائد في قيادة هذا النموذج الجديد، وليس من المصادفات أن يبالغ حزب “العائلة” في تقديم التنازلات الإنتخابية في العديد من الدوائر لصالح من يطلقون على أنفسهم “البدلاء” وهم في الحقيقة ورثة لرجالات سياسية، ممّن شغلوا مراكز سياسية أساسية في عمق المنظومة السلطوية الحالية، كـ”مجد بطرس حرب” على سبيل المثال لا الحصر.