يرقد القديس مار مارون الذي يحتفي المسيحيون الموارنة بذكراه في 9 شباط، في بلدة براد السورية التي تبعد حوالي 40 كيلومتر عن مدينة حلب، شمال سوريا. فقد “نشأت المارونية في سوريا وانتشرت في أماكن مختلفة، أبرزها حماة وحمص، منطقة أنطاكية، وحلب قبل أن يتسع انتشارها ليصل إلى كسروان في لبنان” حسب مطران الطائفة المارونية في حلب أنيس أبي عاد.
عام 2012، دخل تنظيم داعش الإرهابي الوهابي إلى حلب، وقام بنهب الكنيسة وتكسير صلبانها وتحطيم تمثال مار مارون، قبل ان تقوم الميليشيات الكردية بالسيطرة عليها ونهب ما تبقى من الكنوز المرتبطة بالإرث المسيحي بكل ما تحمله من رمزية، ليس للموارنة في سوريا فقط بل لكل المسيحيين في الشرق.
وقتها، وبعدما انقطع الطريق إلى مرقد القديس مار مارون، ولم يعد بالإمكان الوصول إليه أبداً أو حتى الاحتفال بذكراه بعد أن أصبح ذلك “جرماً” يعاقب عليه “أصحاب الرايات السوداء” بالقتل والذبح والتنكيل، ناشدت الأبرشية المارونية في حلب التدخل لمنع انتهاك قداسة مار مارون، لأن “رمزية المكان تختصر روح الشرق، ووحدة المصير، وعمق الجذور” يقول القس إبراهيم نصير، وأضاف “لم نتمكن من الوصول إلى الحجر الآن، ولكن بتعاون كل الوطنيين الشرفاء سيصل المؤمنون مجدداً إلى مرقد مار مارون، لأن التكفير والإقصاء دخيلان على ثقافتنا”.
صوت مار مارون لم يصل إلى آذان رعيته
في 27 شباط 2021، وخلال تظاهرة في الصرح البطريركي في بكركي، أكد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على “سردية الحياد” التي اتبعها طيلة فترة الاعتداء على الكنائس التي يتجاوز عددها الألف كنيسة وكاتدرائية، وتكسير الصلبان وتحطيم تماثيل القديسين، وقد عاد وأصرّ عليه خلال “القداس الإلهي”، وانه “يتطلع مع الشعب اللبناني إلى 5 أولويات”، مشيراً في الأولوية الخامسة إلى “اعتماد نظام الحِياد الإيجابيّ أساسًا في علاقاتِنا الخارجيّة”.
واصل حلفاء بكركي، خاصة أولئك المنتمين لحزب القوات اللبنانية، المرتبط تاريخهم بتفجير الكنائس، طيلة السنوات الماضية، حملتهم الشعواء على دمشق، منتظرين سقوط “النظام” فيها، وصل إلى الحد الذي منعهم من “نصرة” إخوانهم في الرعية.
عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب بيار بو عاصي اعتبر في تغريدة له على حسابه على تويتر أنه “في عيد مار مارون يستذكر موارنة لبنان والعالم عمق رسالتهم وجذور هويتهم”. فيما لم يوضح بو عاصي عن أي “جذور” يتكلم وهم الذين فصلوا “مسيحية مار مارون عن هويته”.
رب لقائل ان يقول “لا دخل للكنيسة بدهاليز السياسة، وان أدوات الولايات المتحدة في لبنان لا يمكنهم الوقوف مع سوريا أو دعمها”. لكن ماذا عن “الانتصار لمسيحيتهم” واستنكار الاعتداء على مار مارون مؤسس الطائفة كونها قضية إنسانية عالمية، أم أصبح حلفاء بكركي من “أتباع الولايات المتحدة” يمشون على نفس سنن “سلفيي” الخليج الذين تبروا من “مادية المقدسات”؟
العروبة أقرب للمسيحية من الصهيونية
مع تشابك الرؤى بين هؤلاء وبين المشروع العالمي للوقوف إلى جانب واشنطن في كل سياساتها وأولها التطبيع التي طُبقت في عدد من الدول العربية والخليجية الذين يطوفون حولها، يبدو من اللازم إعادة التذكير ان المسيحية وخاصة المارونية التي ولدت من عمق المشرق أقرب للعروبة من الصهيونية التي يصر هؤلاء على التماهي معها بطريقة أو بأخرى.
فالمارونية الحضارية هي رسالة إنسانية وتسامح تتخذ من مار مارون مصدر إلهام وشفاعة، وتتفيّأ الكنيسة المارونية روحانيته فهو الناسك الذي قهر ذاته ليحيا الآخرين. فيما تتسم الصهيونية بالتوسع والعنصرية والعدوانية، تتخذ من “يهوا” إله القتل والغضب ملهماً وهو الذي يعتمد على الفكر الالغائي الغوغائي المقيت. فيما تجمع العروبة بين طبيعتها وهويتها المشتركة وبين بيئة الموارنة المشرقية الانطاكية.
قد تكون القوات اللبنانية وأتباعها تبصر بعين واحدة، تأخذ من المارونية ما تحب وتتنكر لما يلزمها بضرورة الانحياز لإنسانيتها، إلا ان هناك الكثير من المسيحيين في لبنان والمشرق يعرفون جيداً الفرق بين الحق والباطل. وكما ذكر في “الكتاب المقدس: (…) أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!”.
الكاتب: الخنادق