الأخبار- عبدالله رامي
المعركة الحقيقية بدأت داخل عقل القمني بعد نكسة 1967. قادته صدمة الهزيمة إلى التفكير في أصل ما حدث، ليقرر حينها أن «يكون جندياً من نوع آخر» على حدّ تعبيره في حوار لـ Middle East Times في عام 2004. يقول إنّ جذر المشكلة يكمن في الإطار الفكري الإسلامي، لا في الإطار الفكري العروبي. من وقتها، بدأت معركته التي بلغت ذروتها في مواجهة التيار الديني خلال التسعينيات بمؤلفات عديدة، فضلاً عن المناظرات والسجالات التي خاضها.
بالمقارنة بين مجايليه الثلاثة على الجبهة نفسها: فرج فودة (1945ـــــ 1992) ونصر حامد أبو زيد (1943 ـــــ 2010) وحسن حنفي (1935 ـــــ 2021)، تُعد طريقة سيد القمني أشبه بالمطرقة في وجه فاشية الإسلام السياسي والجماعات الدينية. تطرّق في مؤلفاته إلى إشكاليات كبيرة في الثقافة والتاريخ الإسلاميَّين، لم يفصل بين الأسطورة والعلوم السياسية والتاريخ والدين. أما في مناظراته الإعلامية، فلم تتح له أن يقدم وجهة نظره بالشكل الكافي وكان دائماً ما يردّد: «ارجعوا لمؤلفاتي… لقد قلت كل شيء بالتفصيل».
لكنّ تصريحاته الصحافية والتلفزيونية جعلت اسمه يرتبط دوماً بالجدل، بين من يراه ينال من «المقدّسات الإسلامية»، وبين من يتهمه مباشرة بـ «الإلحاد والخروج من الدين». أما هو، فقد كان يعتبر نفسه من أتباع «المعتزلة»؛ فالعقل عنده يسبق النقل. يرفض مع المعتزلة الأحاديث النبوية التي لا يقرّها العقل، ويؤمن معهم بوجوب معرفة الله بالعقل أولاً. بذلك، واجه العقل السلفي كما واجهه المعتزلة الأوائل. فهو صاحب عدد من المؤلفات الهامّة، لا ينفصل فيها السياسي عن الديني أبرزها: «النبي إبراهيم والتاريخ المجهول» (1996)، و«الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية» (1996)، و«حروب دولة الرسول» (1996)، و«قصّة الخلق» (1999)، و«الفاشيون والوطن» (1999)، و«النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة» (1999)، و«إسرائيل التوراة والتاريخ التضليل» (2000)، و«الإسلاميات» (2001)، و«الإسرائيليات» (2002)، و«الجماعات الإسلامية: رؤية من الداخل» (2004)، و«أهل الدين والديمقراطية» (2005)، و«انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح» (2010).
وفي فترة مضطربة من تاريخ مصر، لم تكن مواجهات القمني مع التيارات الدينية المتشدّدة فقط، لكن مع الأزهر نفسه، إذ طالب بإدراجه ضمن المنظّمات الإرهابية دولياً، منتقداً المناهج التي يدرسها تلاميذه باعتبارها تؤدي حكماً إلى التطرف.
لم يكن القمني صاحب موقف عدائي من التراث بشكل عام. على العكس كان يرى أن دراسته الحقيقية تفيد في فهم ما يحدث في الحاضر، إذ يقول في كتابه «الأسطورة والتراث» (1999): «إهدار التراث القديم من دون بحثه، وبحث ظرفه الموضوعي، وإصدار أحكام قبْلية عليه وعلى فلاسفتنا، ليس من العلمية في شيء… ومِن ثَمّ يمكننا القول: إنه بالتزام كل شروط العلمية في البحث، يمكن أن نعثر في القديم على كثير مما يفيد قراءتنا لتراثنا وحاضرنا قراءةً صحيحة».
خاض القمني معركة قديمة مع المؤسسة الدينية أيضاً في عام 1997، حين صادر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر كتابه «ربّ هذا الزمان»، ليخضع بسبب ذلك لاستجواب في نيابة أمن الدولة حول معاني «الارتداد» الواردة في كتابه. وفي تصريح سابق لـ«الأخبار» في عام 2016 رداً على بلاغ تقدّم به المحامي خالد المصري ضد القمني إلى نيابة أمن الدولة العليا بتهمة «ازدراء الدين الإسلامي وسبّ الصحابة»، علّق القمني: «لم تعد المسألة الآن قضية سيد القمني وحده. هذه قضية وطن تضيع هويته. لن أتراجع عن قول ما قلته، ولن أتنازل عن حقي في الخلاف وحرية البحث والقول، وستكون هذه رابع محاكمة».
إلى جانب الرفض الشديد الذي واجهته أفكار القمني المولود في محافظة بني سويف جنوب مصر، فإنه واجه تشكيكاً في درجة الدكتوراه الحاصل عليها من «جامعة كاليفورنيا الجنوبية»؛ وهي الشهادة التي يشكك بعضهم في حصوله عليها، إذ تبين أن تلك الجامعة «وهمية» أنشأها آل فاولر، الذين تمّ سجنهم في الولايات المتحدة الأميركية عام 1987 لقيامهم ببيع الدرجات العلمية للراغبين. أمر ردّ عليه القمني في مقال له في «المصري اليوم»، موضحاً أنه حصل على درجة الدكتوراه من جامعة جنوب كالفورنيا وليس جامعة كالفورنيا الجنوبية الوهمية.
وفي عام 2009 كان على موعد مع معركة جانبية أخرى عندما حصل على «جائزة الدولة التقديرية» التي تسبّبت في موجة كبيرة من الرفض والاعتراض ضده، إذ اعتبرتها التيارات الإسلامية دليلاً على دعم الدولة لأفكاره، وهي الموجة التي انتهت بصدور قرار من هيئة مفوّضي الدولة بسحبها منه.
لم يتنازل القمني عن مواقفه، بل أصبحت أكثر وضوحاً وحدّةً. في محاضرة عن «جذور وأصول العنف في الإسلام» في بروكسيل عام 2016، قال: «الخطر الحقيقي على العالم هو الإسلام بالشكل المتداول الآن في العالم العربي والإسلامي. ودوري هو أن أعرف كيف يفكّر الوحش وأدخل بنية تفكيره حتى لا يستطيع هزيمتي»، موضحاً: «نشأ الإسلام في بيئة شحيحة ليس فيها سوى لون واحد أصفر ومفرداته جافّة ومفاهيمه مغلقة على لون الصحراء فقط. والعربي ترس في قبيلته. الفرد لا قيمة له وسط الصحراء. كيف يمكن لهذه البيئة أن تنتج فلسفة لخلاص العالم؟».