منذ ان اعلن الرئيس سعد الحريري «تعليق العمل السياسي والنيابي» له ولتياره حتى اشعار آخر، طرحت اسئلة كثيرة عن مصير ودور الطائفة السنّية في الحياة السياسية للمرحلة القادمة وفي الانتخابات النيابية، وما زالت هذه الاسئلة مطروحة دون اي جواب ناجز.

الحريري كان واضحا في قراره بعدم تغطية اي نائب او قيادي في «المستقبل» اذا اراد الترشح للانتخابات، تاركا هذه الخطوة على مسؤولية كل مرشح محتمل. وبتعبير آخر اكد «النأي بالنفس» هو وتياره على اعطاء غطاء لاي كان في «المستقبل» او من هو في دائرته مهما كان شأنه.

ووفقا للاجواء السائدة لدى قيادة «المستقبل» والدائرة الصغرى المحيطة بالحريري، فان هذا القرار ساري المفعول ولا يرجح تعديله او خرقه باستثناءات في اية دائرة من الدوائر، وتحت اي عنوان او اعتبار.

يقول العارفون ، ان محاولات ملء انسحاب الحريري وتياره المؤقت من العمل السياسي والنيابي التي بدأت في اليوم التالي من قراره لم تنجح حتى الآن، لا على صعيد محاولة شقيقه بهاء استقطاب جمهور «المستقبل» او اي شخصية سنّية اخرى طامحة بلعب دور قيادي في الساحة السنّية، ولا على صعيد محاولات البعض من المقربين او المحسوبين في دائرة الحريري وكتلته وتياره.

لكن هذه المحاولات مستمرة بتشجيع من قوى محلية وخارجية، تحت عناوين عديدة منها الحفظ قدر الامكان على تكوين دور مؤثر في الانتخابات النيابية يحمل او ينتهج سياسة الاعتدال التي رفع شعارها وحاول ممارستها الحريري وتياره.

وهناك نوعان من الساعين لهذا الهدف:

– الاول: يضم نوابا في كتلة «المستقبل» يرغبون بالترشح للانتخابات بائتلافات وتحالفات في اطار البيت الواحد، اي دون التحالف مع قوى سياسية فاقعة على خصومة مع الحريري مثل «القوات اللبنانية» من جهة او حزب الله من جهة اخرى.

– الثاني: يسعى الى ما يسمى قيادة سياسية لترشيد وادارة مسار ودور جمهور «المستقبل» في العملية الانتخابية في لوائح مدروسة من فاعاليات واشخاص لا يتجاوزون مظلة النهج السياسي ل «المستقبل»، ويمكن ان يتمكنوا من ملء جزء من الفراغ الذي احدثه قرار الحريري.

ويستند النوعان الى حجة اساسية وحقيقية هي ان السنّة لن يقاطعوا الانتخابات، وهذا ما عبّر عنه الرئيس ميقاتي والمفتي دريان، ولا يحبذوا تكرارتجربة المسيحيين في مقاطعة الانتخابات عام 1992.

وكثر الحديث في الايام الاخيرة، عن محاولة ناشطة ليقود الرئيس فؤاد السنيورة ويلعب دور «المايسترو» في تكوين هذه اللوائح بالتعاون مع بعض نواب الكتلة ليس في بيروت فحسب، التي تردد انه سيترشح فيها شخصياً، بل ايضا في الشمال وصيدا والبقاع.

السنيورة غرّد بعد قرار الحريري انه بات معه ومستمر، وهو اليوم صامت ولا يعلق على ما يدور من حديث حول الدور الذي يلعبه لقيادة تشكيل مثل هذه اللوائح، لكنه في الوقت نفسه لم يصدر اي نفي حول ما يقال ، ربما بانتظار نضوج ما يتحرك في شأنه، او بانتظار عودة الحريري في ذكرى 14 شباط، سعيا الى اخذ غطاء مباشر منه.

وحسب المصادر المقربة من الحريري، فانه ليس في وارد تعديل قراره، او منح غطاء لمثل هذا السيناريو، وبالتالي فانه من المستبعد ان يغطي السنيورة او غيره.

وفي هذا السياق ايضا، تؤكد المعلومات ان السيدة بهية الحريري ونجلها الامين العام ل «المستقبل» احمد الحريري ملتزمان بشكل كامل بقرار الشيخ سعد وبكل تفاصيله، ولا يحبذان تكليف السنيورة القيام بدور المنسق لتشكيل لوائح تملأ جزءا من فراغ تعليق الحريري وتياره العمل السياسي والنيابي حتى اشعار آخر.

وتضيف المعلومات، ان هناك مداولات لم تتوقف في شأن رغبة عدد من نواب كتلة «المستقبل» بالترشح بشكل شخصي، وهناك البعض منهم حزم امره لصالح الترشح، لكنه يفضل تأكيد خطوة بعد عودة الحريري الى بيروت، اي بعد 14 شباط، وهناك بضعة نواب لم يحزموا امرهم، وهم في دائرة التردد ويفضلون اخذ نوع من الضوء الاخضر او عدم الممانعة من رئيسهم وفق سيناريو غير معلن.

وتشير المعلومات الى ان اجتماعات ستجري في اليومين المقبلين للتداول والبحث في هذا الامر بين نواب الكتلة، عشية عودة الحريري الى بيروت، لكن الاجواء السائدة تبدو ضبابية ولا تشي بمفاجأة ايجابية لصالح تقديم جواز مرور لهؤلاء المرشحين باسم الحريري او «تيار المستقبل»، مع التأكيد في الوقت نفسه، على حرية القرار الشخصي خارج اطار تأمين غطاء مباشر او غير مباشر لمن يترشح للانتخابات.

من جهة اخرى، يبدو ان ملء فراغ غياب الحريري و»المستقبل» عن الساحة الانتخابية امر صعب، ان لم نقل مستحيلا، الامر الذي يرجح ان تتشتت اصوات الناخبين السنّة وجمهور «المستقبل»، ويمتنع قسم منه عن الذهاب الى صناديق الاقتراع.

ويقول احد نواب «المستقبل» في بيروت ، ان المشهد في العاصمة على صعيد الساحة السنيّة السياسية يعكس الفراغ الكبير التي تركه قرار الحريري، لافتا الى ان اي قيادي سنّي يقدم نفسه بديلا او يسعى الى لعب دور قيادي في ملء هذا الفراغ غير موجود عمليا.

يحرص النائب على عدم الدخول في الاسماء، لكنه يؤكد ردا على سؤال بان بهاء الحريري غير قادر على ملء جزء من الفراغ لانه لا يحظى بتأييد يذكر في صفوف او جمهور «المستقبل»، ولم يحظ حتى الآن باي غطاء، لا من بيت الحريري ولا من دار الفتوى، التي تسعى الى لملمة الساحة السنيّة، مع الاخذ بعين الاعتبار الحرص على عدم مباركة اي شخصية او تيار او حزب او جماعة تريد ان تحلّ محل الحريري او «المستقبل».

ويعتقد النائب ان اي شخص آخر غير بهاء الحريري من خارج دائرة نهج الشيخ سعد او من داخله، غير قادر على لعب جزء من دوره، ويلفت في هذا المجال، الى ان محاولة تشكيل لائحة رديفة ل «تيار المستقبل» بشكل مستقل لم تشق طريقها، وليس مكتوب لها النجاح ، لانها تفتقد القيادة او الغطاء، وبالتالي لا نستطيع القول ان هناك فرصة جدية لملء فراغ قرار الحريري و»المستقبل» في بيروت وفي سائر المناطق.