الأخبار- ابراهيم الأمين
بمعنى آخر، هل هناك من يتوقّع تغيّراً في برامج أيّ من الأطراف السياسية وآليات عملها، من الرئيس نبيه بري وحركة أمل، إلى وليد جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي، إلى سعد الحريري وتيار المستقبل، إلى جبران باسيل والتيار الوطني الحر، إلى سمير جعجع والقوات اللبنانية، إلى آل الجميل وحزب الكتائب، إلى سليمان فرنجية وطلال أرسلان، وآل معوض وآل سكاف وآل المر وآل الخازن… وإلى كلّ هذه التشكيلة التي يعرفها الناس تاريخاً وحاضراً، يقف صفّ من النواب الذين استقالوا «تضامناً» مع الناس. الا اذا كان بين الناس من يتخيل أن مروان حمادة سيعود إلى البرلمان مدافعاً عن السيادة والحرية والاستقلال والإصلاح، بصحبة فؤاد المخزومي وميشال معوض ونعمة افرام وبولا يعقوبيان… وستكون مشكلتهم كبيرة إن لم ينضمّ إليهم فؤاد السنيورة ورولا الطبش وهادي حبيش!
هناك جهة مركزية يجب مناقشتها في هذا الأمر بصورة مختلفة، هي المقاومة التي تتعرّض لكثير من الظلم، كما تظلم نفسها في كثير من الأحيان. والهدف من تمييزها أنها الطرف الذي يريد العالم اقناعنا بأنه «مركز الأزمة»، ولأنها تمثل التجربة الأفضل في مقارعة الاحتلال والهيمنة، وقد تكون الأكثر تأهيلاً لمقارعة الفساد والظلم في الداخل، إن قرّرت خوض هذه التجربة ووجدت من يقف معها بإخلاص، لا بانتهازية كما هي حال غالبية من يدعونها إلى دعم التغيير.
تؤكد المقاومة أن مقاربتها للملفات الداخلية وموقع لبنان في الإقليم وطريقة التعامل مع التدخلات الخارجية دفعتها للبقاء في موقع المشارك في الانتخابات وفي الحكومة. تعرض قيادة حزب الله ما تعتبره أمثلة على جدوى هذا الحضور، ولا ترى أن الوقائع الحالية توجب عليها تغيير الاستراتيجية. وبالتالي، ينتقل النقاش مع قيادة حزب الله إلى كيفية المشاركة في الانتخابات، وتالياً الحكومة، وإلى الآلية والبرنامج والتحالفات. وبما أن الحزب يعرف أن برنامجه لحماية المقاومة وجمهورها له متطلّبات لا تتطابق تماماً ومتطلّبات الإصلاح الداخلي، وبما أن الجميع يعرف أن خصوم المقاومة يتآمرون عليها بسبب دورها في الصراع مع إسرائيل وليس بسبب مواقفها الداخلية، فإن حزب الله نفسه، لن يبني تحالفات لا تجعله واثقاً من عدم التآمر عليه، أو في الحدّ الأدنى، لن يبني تحالفات تجعل مصاعبه أكبر في الساحة الداخلية.
في هذه النقطة بالذات، يفلش حزب الله على الطاولة لائحة القوى والمجموعات والأحزاب والشخصيات والبرامج. وبعد بحث بسيط، يجد نفسه يعود إلى المربع نفسه. بالتالي، لا يفترض توقّع برنامج مختلف للحزب حيال الانتخابات المقبلة. تحالفاته الأساسية ستبقى هي ذاتها، والتغيير سيكون مرتبطاً حصراً بالآلية الإجرائية للعملية الانتخابية.
عندما نتحدث عن حزب الله، فنحن نتحدث عن القوة الأكبر في لبنان والأكثر تأثيراً خارجه. وبالتالي، فإن عدم قناعة حزب الله بتغيير جذري لوجهته في ما خصّ الانتخابات وتركيبة السلطة، يُعفينا من النقاش الآخر.
خارج كل ما سبق من نادي أهل السلطة بأجنحتهم المختلفة، لا ضرورة للحديث عن الإحباط والتخبّط واليأس والتلاعب والمتاجرة، خصوصاً في نادي المعترضين على السلطة اليوم، من خبراء ونقابيين وناشطين (لا مناضلين) وقوى علمانية (هكذا تصف نفسها، كما هي حال العنصرية الغربية المُسماة بالعلمانية). مع كل هؤلاء، هل يتوقّع عاقل أن تعالج الانتخابات المقبلة أي نقطة عالقة؟ ولأن البعض لا يحبّ الصراحة يمكن قول ما لا يُسعد القوم:
هل بينكم من يعتقد بأن مصير سلاح المقاومة بيد من يقود الانتخابات النيابية اليوم؟ هل تأملون حقاً بانقلاب يقود إلى تظاهرات جنونية تقلع عيون المقاومين وترفع التراب عن مخازنهم وتطردهم من قراهم وبيوتهم وتعرض أسلحتهم للبيع في مكبّات الخردة؟
هل بينكم من يعتقد بأن الحشود ستتجمّع في الساحات معلنة رفضها لكل المؤسسات الدينية المتحكّمة بالمال والعباد وفي مقدّمها البطريركية المارونية وملحقاتها في المجالس الملية الإسلامية؟
هل بينكم من يعتقد بأن أميركا وفرنسا والسعودية والإمارات وحشود الدول الكارهة لنا ستعلن الامتثال لرأي غالبية تقول إن المشكلة في جيش الفاسدين من السياسيين ورجال المال والأعمال الذين يحملون جنسيات هذه الدول أو يعيشون فيها أو هربوا مع أموالهم إليها؟
هل بينكم من يعتقد بأن أهالي جبل لبنان سينتفضون على الإمارات الجنبلاطية واليزبكية، وأن في جبل لبنان من قرّر نبش قبور من تسبّب بالحروب الأهلية من قيادات الجبهة اللبنانية، أو من يعتقد بأن أنصار حركة أمل في صور والنبطية والضاحية وبيروت سيقودون انتفاضة ضد عين التينة؟
هل هناك من يعتقد بأن جماهير سواحل وجرود المتن وكسروان وجبيل والبترون والكورة وبشري وزغرتا وعكار ستُشعل بيوت من تعاقبوا على تمثيلها، فلم يأتوا لهم بالمنّ والسلوى ولم يوقفوا موسم الهجرة المقبلة التي ستجعل القرى ملاعب للغربان؟
هل هناك من يعتقد بأن في لبنان جيشاً أو قوى عسكرية وأجهزة أمنية تملك القدرة على الاجتماع على كلمة واحدة لخمس دقائق فتنفذ انقلاباً عسكرياً يُلزم الناس بالتزام إشارات السير وعدم سرقة كابلات الكهرباء ووقف التعدّي على أملاك الدولة وتسيير أمور الإدارات؟
هل هناك من يأمل بعودة الروح إلى التعليم الرسمي وإقفال دكاكين التعليم الخاص، الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي والمهني، ويفتح الباب أمام رعاية صحية ودعم اجتماعي مستدام وموثوق؟
ما بالكم أيها المنشغلون في مناقشات ولقاءات، ويا من تهيمون على وجوهكم وأنتم تستمعون إلى هذا أو ذلك يصرح ويعد ويحاضر ويعرض برامج وأفكاراً ويورد مراجع وتواريخ لينتهي به الأمر عارضاً نفسه بديلاً فيما هو غير قادر على إقناع أولاده بالعودة إلى المنزل.
في حالة لبنان، لكل منا رأيه، ولكل منا طريقته في التعبير عن هذا الرأي. ولأننا جميعاً لسنا على الحياد، ولكل منا معتقده ومذهبه وتفكيره وحساسيته، ولأننا نعيش وسط أبشع أنواع الدجل اليومي، لا بأس من موقف حاسم.
هذه الانتخابات مجرد مسخرة. عندما أُجبر سعد الحريري على الانسحاب، ربما لم يكن سعيداً بالخطوة التي أقدم عليها، لكنّ «حظّه من السما». وهو فتح الباب أمام خيار ليس متوقّعاً له أن ينجح، وهو خيار منع الانتخابات، لا مقاطعتها فحسب.
في حالة لبنان اليوم، لا بأس ببعض الجنون!