باتت المهمات الملقاة على المؤسسة العسكرية كثيرة ومعقّدة، إذ إنّ الجيش الذي يجب أن يُدافع عن الحدود ويصونها يُثقل كاهله بالمهمات التي لا تعرف كيف تنتهي.
تحاول الطبقة السياسية أن تُحوّل الجيش اللبناني من أهم جيش استطاع مواجهة تنظيم «داعش» وأخواته بشهادة أهم قادة الجيوش العالمية وعلى رأسهم قادة الولايات المتحدة الأميركية، إلى شرطي سير من ضمن مهامه تنظيم عمل محطات الوقود في زمن الإحتكار والدعم، أو يحاول فرض الأمن بين الأحياء السكنية.
والأصعب من هذا كلّه أنّ معظم مؤسسات الدولة تنهار وتتفكّك، وكان آخرها القطاع المصرفي الذي أطاح بمدّخرات اللبنانيين، في حين يعجز القيّمون على المؤسسات عن فعل شيء، لا بل يستغلّ بعضهم هذا الإضمحلال في الدولة ليرفع منسوب فساده وسرقته.
منذ سنة تقريباً كان الوضع في المؤسسة العسكرية كارثياً، رواتب العسكريين لا تساوي شيئاً، الطبابة مفقودة والتعليم أيضاً وحالات الفرار تتكاثر وتكاد تهدّد بنية المؤسسة، وكان أمام قائد الجيش العماد جوزف عون خيار من اثنين: إما الإستسلام للواقع وترك المؤسسة تنهار ويقول «اللهم إني بلغت» وإما الإنتفاضة والسعي إلى تمرير المرحلة بأقل خسائر ممكنة.
لكن جوزف عون الذي اختار أن يعمل في وظيفته العسكرية لا السياسيّة قرّر الإنتفاضة ولم ينتظر أحداً، فهو يعلم جيداً أنّ هذه السلطة عاجزة وكل ما ستقدّمه للعسكري هو «فتات» من العملة الوطنية ستذهب قيمتها سدى بسبب مستويات التضخم العالية، فباشر بالإتصال بقادة جيوش العالم من أجل حصد الدعم.
وفي المحصّلة، فقد بدأت خطوات عون تؤتي ثمارها وِفق خطة مرسومة بدأت بتخفيف تكاليف النقل للعسكريين عبر تقصير مدّة خدمتهم وتأمين وسائل نقل للمراكز، من ثمّ تقديم بعض المساعدات لعناصر وعائلات الجيش من الهبات التي حصل عليها من الدول الصديقة، لكنّه أيقن أن هذا الأمر غير كافٍ. وفي وقت تنهار المؤسسات الضامنة والإستشفائية ويموت عدد لا يستهان به من الناس على أبواب المستشفيات، إستطاع قائد الجيش تأمين طبابة بقدر مئة في المئة للعسكريين وعائلاتهم، ما يعني أن هذا الأمر من أهم الإنجازات في زمن الإنهيار الشامل، والشعب يدرك جيداً ماذا تعني فاتورة الاستشفاء حالياً.
يعمل جوزف عون تحت عنوان صون البشر قبل الحجر، فما الفائدة إذا امتلك الجيش آلاف المعدات المتطورة ولا يوجد عنصر بشري لتشغيلها، من هنا وتحسيناً لرواتب العسكر، فقد حصل كل عسكري على مئة دولار «فريش» خارج راتبه وذلك لدعم صموده، وهذه المساعدات ستتوالى، في حين أن الأميركي المعجب بأداء المؤسسة العسكرية حوّل نحو 67 مليون دولار كمساعدات لعناصر الجيش.
قد يكون قائد الجيش استفاد من القرار الدولي والأميركي بمنع الفوضى في لبنان وحماية المؤسسة العسكرية، لكنه أيضاً تصرّف كرجل دولة، ففي وقت ينتقد الجميع الرؤساء الثلاثة والوزراء والنواب وحاكم مصرف لبنان وبقية قادة المؤسسات والأجهزة على عدم مبالاتهم بآلام الشعب، يخرج بصيص أمل من بين جدران اليرزة ليقول إن الأمل لا يزال موجوداً مع قائد الجيش، وهناك رجال دولة عملهم حماية عناصر المؤسسة العسكرية لأن انهيارها يعني انهيار الدولة وضرب حلم كلّ شاب إنتفض من أجل دولة قوية وسيّدة وحرّة ومستقلّة.