تحت عناوين “التفوق في القدرة العسكرية”، و”حتمية” الهيمنة الأمريكية، و”انعدام وجود البدائل”، يستمر المحور العربي- الغربي بالاعتراف بكيان الاحتلال في منطقتنا بحجة “الواقعية”، واعتبار “الثورية” فكرة رومانسية غير مسؤولة. الواقع أن الإقرار بـ “عدم وجود بدائل” عن “السلام مع إسرائيل” يعني تبرير كل شيء إلى ما لا نهاية. والحق أن الحديث ليس له أن يدور في فلك “البديل”، وعمليات التسوية ليس لها أن تكون “قدَرًا” لا رادّ لقضائه، وما فكرة البديل إلا عملية تضليل لحرف الأذهان عن إدراك أن هذا الكيان هو كيان غير طبيعي تم زرعه في أرض رافضة له، وأن الرفض هو رد الفعل الطبيعي، وسينتهي هذا الرفض بزوال هذا الكيان، وما هو إلا “كيان مؤقت”، لا جذرَ تاريخيًا له.
في هذا الملف عرض للمصطلحات المستخدمة عند الإشارة إلى هذا الكيان، ومن ثم عرض للآليات المعتمدة لجعل كيانهم مقبولًا من خلال المصطلحات، والتي تحتم علينا نحت مصطلح يحتوي على ردة فعل تنسف كل تلك المحاولات لتثبيت كيان الاحتلال في أرضنا. في الملف أيضًا عرض للتأثيرات النفسية والمعرفية التي من المتوقع لمصطلحاتنا لا سيما “الكيان المؤقت” أن يحققها.
أولًا: فعالية المصطلحات المستخدمة
ثمة العديد من المصطلحات الشائعة التي تطلق على الكيان الإسرائيلي في المنطقة، مثل كيان الاحتلال، كيان العدو، الكيان الغاصب، الكيان الصهيوني، و”إسرائيل” بين شرطتين في إشارة إلى عدم تبنيها كدولة.
كيان العدو: مصطلح دال على أن هذا الكيان هو عدوّ، وما بيننا وبينه علاقة صراع، هذا المصطلح بدايةً، ترك أثرًا في ذهن المتلقي لناحية تلقينه بأن هذا الكيان عدوّ، إلا أن بعض الأنظمة العربية، وبعض الإعلام العربي، وعملاء الغرب في منطقتنا، استطاعوا أن يراكموا خروقات في الحاجز النفسي تجاه هذا الكيان كعدو، في محاولات تكريس أن العداوة هي وجهة نظر، ومنهم من ذهب إلى شرعنة سلامه مع “إسرائيل” إسلاميًا، والترويج لأيديولوجيات دينية جديدة، قائمة على فكرة السلام.
كيان الاحتلال: هو تعريف توصيفي، قد يخدم أيضًا في تكريس فكرة الاحتلال، لكن من جهة ثانية يسلط الضوء على ان فلسطين دولة محتلة من قبل اليهود وان المواجهات والحرب الدائرة ليست نزاعا داخليا بل هو صراع بين اصجاب الارض والمحتلين من اليهود الغرباء.
الكيان الصهيوني: هو مصطلح تعريفي، أي أنه كيان بأيديولوجيا صهيونية. الواقع أن ما درج في الوجدان الشعبي هو أن الصهيونية هي صفة ملحقة بالشتيمة، إذ يتضمن دلالة التزامية مع الاحتلال والتهجير والعنف وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، إلا أن هذا المصطلح معتمد لدى كيان العدو بكل فخر، وليس فيه ما يشير إلى زوال الكيان.
“إسرائيل”: بين شرطتين في إشارة إلى عدم تبنيها كدولة، والواقع أن مجرد إعطاء رمزية للنقيض يجعل العبارة كالتالي: يعترف العالم بها كدولة، ولكن نحن لا نعترف بها.
ثانيًا: كيف يكرّس كيان الاحتلال وجوده من خلال المصطلحات
من الملاحظ أن الإسرائيليين لجعل كيانهم مقبولًا، يستخدمون في لغتهم الدبلوماسية: “الديموقراطية”، “الحرية”، “الأمن”، “السلام”، وهي نفس أدبيات الديبلوماسية الأمريكية، كما لو أنه كيان طبيعي في المنطقة. ويتم استخدام هذه المفردات بشكل مكثّف وأساسي للحصول على انطباع بأن الأخطار التي تتربّص هذا الكيان، هي نفسها الأخطار التي يمكن أن تتربّص بالدول المجاورة، وهي مشاكل مشتركة بينه وبين باقي الشعوب الأمريكية والأوروبية وحتى العربية، فيظهر المستوطنون اليهود بمظهر المدافع عن حقهم في الأمن والديموقراطية مثل غيره من شعوب العالم، وأن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية تمامًا كباقي الحكومات لحماية شعبها. ويعرف الدعاة الإسرائيليون أنهم كلما ركّزوا على التماثل والتشابه مع الولايات المتحدة، زادت إمكانية كسب دعم الأشخاص المحايدين لصالح “إسرائيل”، وخاصة مع موجة التطبيع التي تجتاح دول الخليج اليوم ودول عربية أخرى.
الملاحظ أن كيان الاحتلال في أدبياته أمام المجتمع الدولي والرأي العام، يُكثر من استخدام عبارات مثل “الاحترام المتبادل”، “التعاون” ،”التشارك” و”التسوية”، في محاولة للإيحاء بأمر واقع يجعل كلا الطرفين يتمتع بحقوق متساوية.
وفي سياق آخر، يبرع الإسرائيليون في خلق سياقات لمفردة “السلام” في حد ذاتها. فيستخدمونها كأنهم يمتلكون الحقّ فيها وينفون من خلالها عن أنفسهم بأنهم غزاة ومعتدون، خاصة أنهم باتوا يعرفون جيّدًا أنّ العالم لم يعد ينظر إليهم على أنهم شعب مقهور ومضطهد. وقد ارتفعت بعض الأصوات في الأوساط الأمريكية والجماهير الأوروبية، خاصة المتعلمة والمتقدمة والتي تتمتّع بآرائها الخاصة، على أنهم محتلون ومعتدون.
وثمة الكثير من الاستخدامات لمصطلح “السلام”، فمثلًا، لدى الحديث عن “دفع عملية السلام” ليس ثمة سياق عن المكان الذي سيتم الدفع إليه، وإبقاء السياق غامضًا سيؤدي إلى خيارات مفتوحة، في محاولات لجعله ينتهي بدمج “إسرائيل” بالعالم العربي.
بناءً على ما تقدّم من استخدامات للمصطلحات ومفاهيم التطبيع بما هي عامل مساعد على تثبيت مشروعية استمرار النظام وبقائه، ودورها الأساسي والفعّال في جعل التطبيع أكثر مقبولية على الرغم من أن مصطلح التطبيع بحدّ ذاته يشي بأن ثمة ما ليس طبيعيًا يتمّ العمل لجعله طبيعي، وهكذا، يصبح غاية في الأهمية -وإن كان متأخرًا – نحت مصطلح يحتوي على ردّة فعل على هذه المصطلحات التي تحاول تثبيت الكيان في العالم العربي، والاعتراف به كما لو أنه كيان طبيعي، ألا وهو “الكيان المؤقت”.
ثالثًا: الكيان المؤقت
تعريف الكيان المؤقت: أي أنه زائل لا يدوم، مرتبط بوقت محدد، وهو ما تكون ممارسته مسندة إلى وظيفة عابرة. والكيان المؤقت هو كيان استند وجوده على وظيفة زُرعَ من أجلها في منطقة غرب آسيا، وهو غير دائم لعدة اعتبارات بنيوية تحتّم الزوال، منها: فشل وظيفته، ضعفه لأنه مصطنع وغير طبيعي، إرادة ومقاومة الشعوب الرافضة له.
حتمية الزوال
حتمية الانتهاء وفشل الوظيفة: في الأعوام التي سبقت عام 1948 عام النكبة في فلسطين، جرت العديد من النقاشات في الأروقة السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة، كشفت عنها المذكرات، حول قيمة إنشاء “إسرائيل” في الولايات المتحدة. ولعلّ أبرزها النقاشات والمواقف الحادة التي حصلت بين الرئيس الأميركي آنذاك هاري ترومان وبين رئيس أركان الجيش الأميركي مارشال الشهير الذي نظّم وسهّل غزو أوروبا، وصاحب «خطة مارشال» التي أعادت إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وركّزت مواقف مارشال على مجموعة اعتبارات:
– دعم “دولة” إقليمية إسرائيلية في الشرق الأوسط سوف يؤثر على أمن ومصالح الولايات المتحدة أولاً.
– الاعتراف ب “دولة” يهودية سيؤجّج العالم العربي.
– الاعتراف ب”دولة” يهودية سيؤدي إلى صعوبات إضافية ومتزايدة مع مشاكل مهمة أخرى أمام الأمم المتحدة والرأي العام.
– حسم المواقف بالعنف سيقوّض عمليات السلام.
– مصلحة اليهود أيضاً في حجب الاعتراف القانوني.
وهكذا أصبح مارشال ذا سمعة ليس فقط بأنه معارض لموقف الولايات المتحدة المؤيد لتقسيم لفلسطين، بل أوصى بشدة بألا تعترف واشنطن بـ “دولة” إسرائيل. لقد تنبأ مارشال بأن “الدولة” اليهودية ستشكل صداعًا للسياسة الأمريكية المستقبلية، وقد كان ذلك واضحًا له من خلال عدة مؤشرات أبرزها التعنت الإسرائيلي آنذاك في الصراع مع الفلسطينيين والمستمر حتى اليوم، والذي يشلّ موقع ودور الولايات المتحدة في المنطقة، وفيما نقل في مجلة فورين بوليسي في مقال موجز “بترايوس: إحراج بايدن ليس كل القصة” عام 2010، نقل الكاتب مارك بيري أن بايدن نقل فحوى تقرير مولين- بترايوس عام 2010 لنتنياهو بقوله: ” «لقد أصبح الأمر خطيراً بالنسبة إلينا. إن ما تفعله هنا يهدد أمن قواتنا المقاتلة في العراق وأفغانستان وباكستان، وهذا يعرّضنا ويعرض الأمن الإقليمي للخطر».
إثر عملية سيف القدس الأخيرة، كتب ستيفن والت مقالاً تحت عنوان «حان الوقت لإنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل»، وهو كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد. في هذا المقال اعتبر والت أن الولايات المتحدة قد بالغت في قيمة «إسرائيل» كرصيد استراتيجي في كثير من الأحيان، وأن الدعم غير المشروط لإسرائيل اليوم يخلق مشاكل لواشنطن أكثر مما يحلها. ويرى أن تكاليف العلاقة الخاصة بينهما مستمرة بالارتفاع، على أن هذه التكاليف سياسية وليست اقتصادية.
فعندما تقف الولايات المتحدة بمفردها وتستخدم حق النقض ضد ثلاثة قرارات منفصلة لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، فإنها تعيد التأكيد مراراً وتكراراً على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وتفوّض بإرسال أسلحة إضافية بقيمة 735 مليون دولار إلى “إسرائيل”، وتقدّم للفلسطينيين خطاباً فارغاً فقط حول حقّهم في العيش بحرية وأمن مع دعم حل الدولتين (هذا الأخير هو احتمال لم يعد يأخذه إلا عدد قليل من أهل العلم على محمل الجد)، فإن «ادعاءها بالتفوّق الأخلاقي أصبح مكشوفاً باعتباره أجوفاً ومنافقاً». يقول والت.
والتكلفة الدائمة الأخرى لـ «العلاقة الخاصة» كما يعبّر الكاتب، هي الاستهلاك غير المتناسب للنطاق التردّدي للسياسة الخارجية مع «إسرائيل». يواجه بايدن ووزير خارجيته انتوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان مشاكل أكبر مما يدعو للقلق من تصرّفات دولة شرق أوسطية صغيرة. ومع ذلك، تتورّط الولايات المتحدة في أزمة من صنعها إلى حد كبير، «تتطلّب اهتمامها وتستغرق وقتاً ثميناً بعيداً عن التعامل مع تغيّر المناخ والصين والجائحة وفك الارتباط الأفغاني والانتعاش الاقتصادي ومجموعة من المشاكل الأكثر ثقلاً». ويضيف: «إذا كانت للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل، فإنها ستحظى بالاهتمام الذي تستحقّه ولكن ليس أكثر».
يؤدي الدعم غير المشروط لـ “إسرائيل” إلى تعقيد جوانب أخرى من دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. سيكون التفاوض على اتفاقية جديدة للتراجع عن إمكانات الأسلحة النووية الإيرانية ووضع حد لها أسهل بكثير إذا لم تواجه الإدارة معارضة مستمرة من حكومة نتنياهو، ناهيك عن المعارضة القاسية للعناصر المتشدّدة من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
واليوم، وبعد معركة سيف القدس في أيار من عام 2021، تبدو الأجواء التي سيطرت في عام 2010 أكثر انقشاعاً وتثبيتاً، ولم تعد أي سياسة أميركية قادرة على تجميل الحقائق التي استشرفها مارشال، لقد أتى اليوم الذي وُصفت فيه «إسرائيل» بأنها كيان فصل عنصري داخل قاعات الكونغرس، كما اتُّهمت بأنها ترتكب «أعمالاً إرهابية»، وفي الحالتين لم تقابل هذه الاتهامات بمعارضة واسعة داخل الكونغرس. كما أن كلّ الاعتبارات التي أشار إليها مارشال في مذكّراته، تتثبّت مصاديقها يوماً بعد يوم، أمام الرأي العام العالمي والأميركي الذي لم يكن للإدارة الأميركية ما تقوله له، سوى مسارعة بايدن لوقف الحرب على غزة، بالإضافة إلى معضلة مقاومة الشعوب للكيان الصهيوني التي تزداد تأجّجاً وتراكم قوة إلى اليوم، وإعلان هذه الشعوب عداءها الواضح للولايات المتحدة.
كيان مصطنع وغير طبيعي
كيان مصطنع تم زرعه في أرض رافضة له، فمنذ قيامه لم تنتهِ المقاومة ضده بل تزداد مراكمة للقوة العسكرية وقوة الحق بالأرض. أما على صعيد الدول المجاورة، فرغم كل الجهود العالمية لجعل الأنظمة تعترف بالكيان اليهودي في المنطقة العربية، إلا أنها لم تتمكن من تحصيل الاعتراف الشعبي.
إلى ذلك، فإن هذا الكيان تأسس على العرق والدين، وجعلتهما أساس المواطنة فيها، ويستند إلى وهم التفوق العرقي، وإلى أساطير “الحق التاريخي”، ومهما كان من حاله فإنه ليس في إطار “الدول” الحديثة، فهي فيما تصدره من تشريعات، كيان عنصري بامتياز من غير الممكن الاندماج الديموقراطي فيه، وقيامه أصلا مخالف لكل السنن في نشوء الدول، وأساس قوته الاقتصادية والعسكرية والسياسية من خارج حدود الأرض التي أقام عليها كيانه، وقائم على الحماية الأمريكية. وهو كيان وظيفي أسسه التشكيل الحضاري والإمبريالي الغربي ليقوم على خدمته، ولذا فهو يحظى بكثير من التعاطف لأن بقاءه كقاعدة للاستعمار الغربي جزء من الإستراتيجية العسكرية والسياسية والحضارية للعالم الغربي ·
إرادة ومقاومة الشعوب الرافضة له
عادة ما يكافح الفلسطينيون وحلفاؤهم من محور المقاومة من أجل اختراق روايتهم في الاعلام العالمي، لكن ليس بعد معركة سيف القدس. لا ريب أن لدى “إسرائيل” ميزة عسكرية في صراعها المستمر مع المقاومة الفلسطينية، لكن في الكفاح للسيطرة على الرواية العامة للصراع بدأت ميزة هذا الكيان تتراجع، خاصة بعد التطور التقني والاتصالي الذي استطاع اخراج القضية الفلسطينية من البعد المحلي، وعزز هوية القدس العربية.
التوقعات الإسرائيلية حول الزوال
في كل مرة يحصل حرب بين كيان الاحتلال وبين المقاومة، تبدأ الأصوات العبرية بالتصاعد والتنبؤ حول بداية نهاية هذا الكيان:
-يارون لندن وهو كاتب صحافي عبري كتب في مذكراته في نهاية العام 2014: “إنني أعدّ نفسي لمحادثة مع حفيدي لأقول له إن نسبة بقائنا في هذه الدولة لن يتعدى 50%. ولمن يغضبهم قولي هذا فإنني أقول له إن نسبه 50% تعتبر جيدة لأن الحقيقة أصعب من ذلك”.
-يوفال ديسكين وهو رئيس سابق لجهاز الشاباك: “لا أدري هل هي نهاية البداية أم بداية النهاية، نحن ليس فقط فاسدين بل نحن معنفون”.
-كارمي غيلون رئيس سابق لجهاز الشاباك: “إن استمرار السياسات المتطرفة ضد المسجد الأقصى ستقود إلى حرب يأجوج ومأجوج ضد الشعب اليهودي وستقود إلى خراب إسرائيل”.
-مائير داغان رئيس جهاز الموساد العاشر: “إنني أشعر بخطر على ضياع الحلم الصهيوني”.
-روني دانييل المحلل العسكري في القناة العبرية الثانية: “أنا غير مطمئن أن أولادي سيكون لهم مستقبل في هذه الدولة، ولا أظن أنهم سيبقون في هذه البلاد”.
-أفراييم هليفي رئيس سابق لجهاز الموساد: “نحن على أبواب كارثة، إنه ظلام ما قبل الهاوية”.
-بيني موريس وهو مؤرخ إسرائيلي: “خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض إما مطاردة أو مقتولة، وصاحب الحظ هو من يستطيع الهرب إلى أمريكا أو أوروبا”.
-بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق: “سأجتهد لأن تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المائة لكن هذا ليس بديهيًا، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة وهي دولة الحشمونائيم”.
-غادي آيزنكوت رئيس أركان جيش الاحتلال السابق: “الأهم من كل التهديدات الخارجية، وأن ما يقلقه هو تراجع التماسك الاجتماعي والداخلي في إسرائيل، لأن الصدع في المجتمع الإسرائيلي، والقطيعة المتبادلة بين القادة، وتدهور الحكم، وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة والمحاكم، وانتشار الجريمة، كل هذه أكبر تهديد يواجه مستقبل الدولة”.
رابعًا: التأثيرات النفسية والمعرفية
فعالية المفاهيم
بناءً على كل ما ورد أعلاه، وقبل إخضاع هذا المصطلح “االكيان المؤقت” للمبادئ التقنية للكلمات الفعالة، يتضّح أن التركيز والتداول المتكرر لفكرة مؤقتية الكيان، تترك تأثيرًا نفسيًا اندفاعيًا لدى الشعوب المحتلة، وتأثيرًا نفسيًا انهزاميًا لدى الشعوب المستوطنة. وتأطيرًا عامًا لمحدودية هذا الكيان. إنه من أكثر المفاهيم تصويبًا على حتمية انتهاء هذا الكيان، وهذا وعد ديني أيضًا ورد في القرآن والتوراة والإنجيل.
الواقع أن استخدام الأطراف الفاعلة السياسية والإعلامية لأفكار ومفاهيم معينة، سيؤدي إلى تغيير أكثر أثراً عندما يتم إضفاء الطابع المؤسسي عليها. فما يجعل الأفكار قوية هو استقرارها، وقدرتها كمنطلق فكري على قولبة أنماط التفكير بحيث تقود إلى القضاء على أي حلول سياسية أخرى خارج قالبها الفكري، وهي تعتمد إلى حد كبير على دعم أطراف فاعلة سياسية في مواقع مركزية قيادية بالدرجة الأولى، وأطراف فاعلة إعلامية بدرجة لا تقل أهمية، ووضعها على أجندات سياسية وإعلامية. ومن ثمّ إطلاقها في مناسبة مركزية أيضًا لتعطي انطباعًا راسخًا لا يُنسى، ومن ثمّ، يأتي دور التكرار، والتكرار، والتكرار، فالتكرار هو التقنية الأكثر فعالية لاستمرار الرسائل، ووضعها في سياق مستمر ومتصل.
الكاتب: الخنادق