كلير شكر-نداء الوطن
تحت عنوان «تطوير» تفاهم مار مخايل، ترك رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل منفذاً خلفياً للعودة إلى تحالف انتخابي مع «حزب الله» يرفده بما تيسّر من أصوات احتياطية، بعد أن يكون قد حصّن موقعه التفاوضي ورفع من سقف مطالبه، وهو المأزوم في حيثية تياره الشعبية، كما حيثيته، ويخشى الوقوف أمام صناديق الاقتراع في لحظات سياسية شديدة الصعوبة، قد تحيله لاعباً متساوياً، في الحجم النيابي، مع خصمه اللدود، رئيس حزب «القوات» سمير جعجع.
في مؤتمره الصحافي الأخير، الذي توعّد به باسيل بقول ما لم يقله سابقاً، ملوّحاً بسيف اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعتين، أعلن صراحة أنّ «تفاهم مار مخايل» استنفد نفسه، أو بالأحرى «خدم عسكريّته»، وصار لا بدّ من تطوير إلزاميّ له، وهو ما يعني أنّ التفاهم أمام مفترق طرق مصيري، لأنّه «ما منقدر نخسر الدولة كرمال المقاومة»، بعدما تولّى باسيل تقديم نفسه «ضحيةً» لهذا التفاهم، سواء من خلال تعرّضه لاغتيال معنوي تولّته انتفاضة 17 تشرين الثاني أو من خلال إدراجه على لائحة العقوبات الأميركية لرفضه تمزيق التفاهم.
بالموازاة، حمّل «حزب الله» مسؤولية النتائج التي قد تترتّب على أيّ خيار أو قرار يتّخذه «التيار الوطني الحر» بشأن التفاهم: «أنا ما عم إستجدي عطف، أنا عم نبّه من عواقب هالسياسات يلّي رح ندفع كلّنا ثمنها، وما بينجى منها حدا… القضيّة صار بدها حوار عميق وإلاّ ما فينا نكمّل هيك! التفاهم بيضلّ جيّد ببنوده، ولكن صرنا بحاجة لشي جديد يلبّي حاجات اللبنانيين ويردّ على مخاوفهم. وإذا ما في استعداد فعليّ لهالشي، بيكون القرار هو قراركم أنتم». كذلك هاجم رئيس مجلس النواب نبيه بري على نحو واضح وصريح، متّهماً إيّاه بأنّه رأس المنظومة الحاكمة وحاميها الأساسي.
وفق القواعد المتعارف عليها، يمكن لهذا الشريط من المواقف الهجومية أن ينسف جسر التحالف القائم بين التيار «الوطني الحر» والثنائي الشيعي وتحديداً «حزب الله»، عن بكرة أبيه. اذ سيكون من الصعوبة اقناع الجمهور الشيعي بوِديّة هذا الخطاب، وبأنّه لا بدّ من التصويت لمصلحة المرشحين الذين يمثلونه. كذلك سيكون من الصعب اقناع القواعد المسيحية بجدوى التحالف مع الحزب بعد تحميله مسؤولية تدمير هيكل الدولة برمّتها!
ومع ذلك، حين كان باسيل يعدد أخطاء الحزب وخطاياه، كان في الوقت عينه، يفلش على طاولة المفاوضات، مناطق التماس مع الحزب للبحث في كيفية الاستفادة من أي فائض قد يكون لدى مخزون الحزب ويسمح له بتجييره لحليفه المسيحي، على نحو موسّع أكثر من تجربة 2018 حين وزّع «التيار» تحالفاته بين الحلفاء والخصوم، لتشمل العديد من القوى السياسية، منها «تيار المستقبل» وحتى «الجماعة الاسلامية».
ففي الدورة الماضية، تجلّى تفاهم مار مخايل بشكل واضح في دائرة بعبدا حيث التقى الحليفان ضمن لائحة واحدة حملت اسم «لائحة الوفاق الوطني» والتي حصلت على 3,6 مقاعد، صارت أربعة كونها حصلت على الكسر الأكبر. وفي بيروت الثانية، أهدى «حزب الله» حليفه البرتقالي مقعداً مجانياً كون لائحته حصدت أربعة حواصل انتخابية، فنجح ادكار طرابلسي بحوالى 1900 صوت… بالمقابل، كانت الخصومة بينهما في كسروان – جبيل.
خريطة المفاوضات
راهناً، يأخذ النقاش مساحة أكبر بين الحليفين. وفق بعض المتابعين، فإنّ رقعة المفاوضات تشمل كلاً من كسروان – جبيل، بعبدا، زحلة، بيروت الثانية، بعلبك – الهرمل، مرجعيون، وسط مخاوف لدى ماكينات الثنائي الشيعي من انخفاض نسبة المشاركة في الاستحقاق لدى الناخبين الشيعة (يتردد أنّ الانخفاض قد يكون بين 6 و8%) ما قد يدفع الى مراجعة الحسابات الانتخابية بدقة.
وبالتفصيل، تفيد بعض المعلومات أنّ هذا الانخفاض في حال حصوله، قد يعني أنّ الثنائي الشيعي قد يضطر الى تركيز تصويته على المقعدين الشيعيين في دائرة بعبدا، ما يعني قد تكون هناك صعوبة في تحويل بعض الأصوات لمصلحة مرشحي «التيار الوطني الحر» الذي يضمن وصول ألان عون دون سواه.
في المقابل، فإنّ الخسارة الوحيدة التي لحقت بالثنائي الشيعي، وتحديداً «حزب الله»، في دائرة كسروان- جبيل، نظراً لصعوبة تأليف لائحة قادرة على خطف مقعد، قد تدفع «الحزب» إلى تعديل استراتيجيته، من خلال الانكفاء عن خوض المعركة على نحو مباشر، وتحويل أصواته إلى أوراق دعم لحلفائه. وهنا، يُقال إنّ «الحزب» قد يوزّع هذه الأصوات بالمناصفة بين من يختاره «التيار الوطني الحر» وبين من يختاره فريد هيكل الخازن لكونه داعماً لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. يُذكر أنّ مرشح «الحزب» في الدورة الماضية حسين زعيتر نال حوالى 9000 صوت تفضيلي.
بالتوازي، فإنّ التحالف بين «التيار» والثنائي الشيعي في زحلة قد يساعده على تأمين المقعد الماروني للحليف المسيحي. يذكر أنّ أنور جمعة نال أكثر من 15 ألف صوت تفضيلي في زحلة في حين أنّ الحاصل الانتخابي في الدائرة كان حوالى 11 ألف صوت، ما يعني وجود فائض أصوات شيعية.
وهذه المرة، يتردد أنّ باسيل يحاول التعويض عن خسائره في جبل لبنان من خلال المقعد الكاثوليكي في بعلبك – الهرمل (يشغله حالياً البير منصور كممثل عن الحزب القومي)، والمقعد الأرثوذكسي في مرجعيون (يشغله اسعد حردان).