سجلت الفترة الأخيرة سابقة هي الأولى من نوعها منذ بداية الحرب على اليمن، حيث استهدفت قوات صنعاء الامارات بعدد من الصواريخ والطائرات المسيرة امارتي دبي وأبو ظبي في عمليات متقاربة التوقيت وهو الأمر الذي زعزع ثقة “حلفاء” الولايات المتحدة بها بعد ان ثبت أنها غير قادرة على تحييد الأراضي الإماراتية التي وقعت اتفاقية التطبيع مع “إسرائيل” طمعاً بأن تصبح “جنة للمستثمرين”. هذا القلق عبرت عنه الأوساط الإسرائيلية غير مرة مؤكدة ان اليمن أصبح قادراً على استهداف العمق الإسرائيلي بعد استهداف أبو ظبي، واصفة واشنطن بالعجز.
صحيفة معاريف العبرية أشارت في مقال إلى ان الحرب على اليمن ” تذكر اليوم بالضعف الأمريكي في المنطقة، ولكنها تفتح فرصة لـ”إسرائيل” لتقيم منظومة إخطار ودفاع جوي”. معتبرة ان “الولايات المتحدة غير موجودة، لا هنا في الشرق الأوسط ولا في أوكرانيا ولا في أوروبا. وهذه أنباء سيئة لمن يعتمدون عليهم مثلنا”. مؤكدة ان “الحوثيون يظهرون دقة في توقيت إطلاق العناصر المختلفة، بحيث يمكنها جميعاً أن تصل إلى هدفها معاً”.
النص المترجم:
حرب الصواريخ المتصاعدة في الأسابيع الأخيرة بين الحوثيين في اليمين من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، توفر نموذجاً حاضراً لـ “إسرائيل” عن طبيعة القتال عن بعد، الذي طورته إيران، وأضافته إلى جملة قدراتها. هذه حرب تذكر اليوم بالضعف الأمريكي في المنطقة، ولكنها تفتح فرصة لـ”إسرائيل” لتقيم منظومة إخطار ودفاع جوي.
“نقف إلى جانب الإمارات، ومستعدون أن نعرض عليهم مساعدة أمنية واستخبارية بقدر ما يرغبون كي يحموا مواطنيهم”، هذه الكلمات التي درج على قولها رؤساء أمريكيون بعد تعرض حليف لهم للهجوم، مثلما تتعرض الإمارات في الأسابيع الأخيرة. ولكن عندما يبدو البيت الأبيض اليوم فارغاً أكثر من أي وقت مضى، فإن رئيس وزراء “إسرائيل” مطالب بإطلاق هذه الكلمات لولي عهد الإمارات.
الشرطي العالمي غفا، وحتى لو استيقظ فسيكون استيقاظه لبضع دقائق في اليوم. الولايات المتحدة غير موجودة، لا هنا في الشرق الأوسط ولا في أوكرانيا ولا في أوروبا. وهذه أنباء سيئة لمن يعتمدون عليهم مثلنا.
قبل لحظة من غفو واشنطن، تلقينا منها هدية عظمى في شكل اتفاقات إبراهيم وشراكات جديدة خلقتها لنا في المنطقة. وبينما أبدت الإمارات والبحرين والمغرب انفتاحاً وراحة تجاه “إسرائيل” من اللحظة الأولى، كان في “إسرائيل” من أصروا في البداية على الانقطاع عن المفاهيم القديمة لـ “العالم العربي”. أبدت وزارة الدفاع انعدام رغبة مطلقة في السماح لبيع تكنولوجيات عسكرية للشركاء الجدد، بما في ذلك منظومات دفاع جوي يحتاجونها. الموساد، الذي شق الطريق للاتفاقات، استجدى رجال وزارة الدفاع: “كفوا عن النظر إليهم كـما تنظرون إلى “العرب، هذا شيء آخر”. اضطرت وزارة الدفاع في عدة مجالات للانثناء والسماح لبيع لبعض التكنولوجيات، مثل السايبر الهجومي، ولكنها بقيت متصلبة في رفضها في مجال الدفاع الجوي.
توجه الإماراتيون لشراء منظومات دفاع جوي من كوريا الجنوبية تستند إلى تكنولوجيا روسية، وهكذا فوتت “إسرائيل” فرصة لبيع هذه المنظومات -القبة الحديدية ومقلاع داود- ونصبها لمواجهة التهديدات الإيرانية التي تهاجم الإمارات اليوم. كما أنها فوتت صفقة بقيمة 3.5 مليارات دولار توفر مزيداً من مصادر رزق الصناعة الأمنية الإسرائيلية.
في الأسبوعين الأخيرين، تتلقى الإمارات والسعودية رشقة من جملة القدرات الإيرانية. ما بدأ الجيش الإسرائيلي يسميه “مطراً” -أي صواريخ وحوامات ومقذوفات صاروخية. وليس ما كان يسمى “تمس” أي “قذائف طائرة”- هذه جملة من الطائرات المُسيرة، والصواريخ الجوالة والصواريخ الباليستية في هجمات متزامنة جيداً.
الحوثيون، الذين بدوا في بداية حرب اليمن كميليشيا حفاة، باتوا يعرفون اليوم، بتعاون مع “حزب الله” وإيران، كيف يطلقون هجمات منسقة لأكثر من ألف كيلومتر. وهم يظهرون دقة في توقيت إطلاق العناصر المختلفة، بحيث يمكنها جميعاً أن تصل إلى هدفها معاً: المسيرات التي تطير على مدى ساعات طويلة، والصواريخ الجوالة، والصواريخ الباليستية التي تطير بدقائق قليلة، كلها تهاجم الهدف في الوقت ذاته.
هرعت القوات الأمريكية التي ترابط في قاعدة سلاح الجو في الإمارات هذا الأسبوع، لنجدتهم فأسقطت صاروخين باليستيين أطلقهما اليمنيون، في اعتراض عملياتي هو الأول من نوعه لمنظومة الدفاع الأمريكية. ولكن أساس دفاع الإمارات والسعودية يستند إلى منظومات الباتريوت التي اشترها من الولايات المتحدة ذات النجاعة المحدودة ضد الصواريخ. في ضوء الهجمات المتزايدة، تدير الدولتان اقتصاد تسلح فيما أن احتياطي صواريخ الاعتراض لديهما آخذ في النفاد.
وعليه، فقد توفرت لإسرائيل الآن فرصة متكررة لعرض توريد سريع لمنظومات الدفاع وصواريخ اعتراض ورادارات. وفضلاً عن الصورة الاقتصادية المهمة والمساهمة التي ستكون لهذا في تعزيز العلاقات مع الشركاء الجدد، فإن نصب رادارات إسرائيلية متطورة في الخليج، قرب إيران، ستسمح لـ “إسرائيل” بإخطار مبكر أكثر على إطلاقات تنطلق من إيران. ويمكن لهذا أن يكون حجر زاوية في منظومة الدفاع الجوية.
الانتقال إلى الإقليمية
تغدق إيران على الحوثيين أفضل وسائلها القتالية، ليس لأنها ترى مصلحة اقتصادية في اليمن، بل لأن هذه الأرض الإقليمية نقطة انطلاق ضد السعوديين والإماراتيين. ويتطلب الوجود الإيراني في اليمن من السعودية ومن الإمارات النظر من الشرق أيضاً، هي إيران نفسها، وكذا جنوباً، إلى اليمن.
وهي استراتيجية تطبقها على “إسرائيل” أيضاً، حيث إيران اليوم في ست ساحات تمكنها أن تهدد “إسرائيل” بنار طائرة على أنواعها: لبنان، غزة، سوريا، العراق، اليمن وإيران نفسها. الدفاع الإسرائيلي لا يزال يدار في مفهوم الساحة: القبة الحديدية مع رادارات قطاعية تحمي منطقة معينة من جهة معينة.
في استعارة من عالم كرة السلة، اقترح مؤخراً، العميد ران كوخاف، الناطق العسكري اليوم، وحتى وقت قصير مضى قائد الدفاع الجوي “الانتقال من الدفاع الشخصي إلى الدفاع الإقليمي”؛ في المرحلة الأولى، قدرة دفاع قطرية -قومية تجاه عموم التهديدات التي تصل عن طريق الجو، والتي تتداخل فيها أيضاً قدرات الليزر المتطورة، ولاحقاً دفاع جوي مشترك مع دول أخرى. رغم غياب الولايات المتحدة عن المنطقة. وهذه الإمكانية فتحت من جديد.
لقد بات التغيب الأمريكي ملموساً في الشمال عندما أجرى سلاح الجو الروسي في الأسبوع الماضي طلعة مشتركة مع طائرات سورية مرت ضمن مناطق أخرى، وفي الجولان السوري أيضاً. لم تكن هذه المرة الأولى التي يجري فيها الروس طلعة دورية كهذه، وحرصوا أيضاً على أن يطلعوا سلاح جونا مسبقاً، ولكنها المرة الأولى التي يصورونها وينشرون الصور أيضاً.
“إسرائيل” حطمت رأسها كل الأسبوع في محاولة لفهم ما يحاول الروس قوله لنا، ربما كان هدف الجولة الروسية المغطاة إعلامياً هو إدخال “إسرائيل” في تردد. هل كانت إشارة إلى أن السوريين سيردون على الهجوم الإسرائيلي التالي؟ هل سيقولون بأن صبرهم نفد؟ بعد بضعة أيام، إذ ستنجلي سحب المطر والثلج، ستطرح على الطاولة الأهداف التي تجمعت حالياً في سوريا ومعها هذه الأسئلة.
المصدر: معاريف
الكاتب: ألون بن دافيد