أحصنة طروادة في جمهورية عمياء
الى أين تذهب بنا تلك الكراهية بين السنّة والشيعة؟
لم يحدث ذلك أيام جمال عبد الناصر الذي كان صوته يزلزل القلوب من أرض اللبّان في ظفار الى أرض الزيتون في الأوراس، وحتى أيام ياسر عرفات الذي جعل من السنّة والشيعة أحصنة طروادة في الطريق الى الدولة البديلة، والى رئاسة الدولة البديلة.
غريب، ولبنان يتساقط قطعة قطعة، ألاّ نجد مفكراً غربياً (فرنسياً بوجه خاص) يكترث بأحوالنا. أمين معلوف الذي دخل أكاديمية الخالدين هناك أقفل الباب وراءه. يهود فرنسا، وليسوا «اسرائيليين»، شيء مختلف. من برنارـ هنري ليفي الى آلان فينكيلكروفت، وصولاً الى جان ـ جاك سرفان ـ شرايبر الذي رأى أن الشرق الأوسط من دون الدولة العبرية «صحراء ويتحكم بها قطّاع الطرق»!
ذاك الاجترار العبثي للكراهية، وعلى مدى قرون، أثار عصبية الايراني الرائع علي شريعتي الذي اغتاله الشاه محمد رضا بهلوي عام 1977. صرخ «الى متى تحفرون القبور حتى في صلواتنا؟»
شخصية سنّية مخضرمة قالت لنا «آن الأوان لكي نفكر خارج هذه الضبابية التي ملأت رؤوسنا وقلوبنا. لبنان أنشئ من أجل المسيحيين، ولكن بمعادلة هجينة ما لبثت أن أتت بالوبال علينا جميعا»،ليلاحظ أنه كان من الضروري اعادة التوازن الى تلك المعادلة. لكن ما حدث في الطائف لكأنه التصفية السياسية للمسيحيين. رئيس جمهورية برتبة باشكاتب، وصلاحيات فولكلورية لا تحجبها المصطلحات الفضفاضة في المادة 49 من الدستور.
لاحظ أن دولة مركبة على هذا المستوى من التعقيد، لا تصنع في احدى الزوايا في قصر فرساي بين جورج كليمنصو والبطريرك الحويك. رعايا في البرج العالي وآخرون، خصوصاً في الأطراف، لكأنهم… زنوج الجمهورية.
في رأيه «أن المسلمين (سنّة وشيعة) ما زالوا، حتى اللحظة، بعيدين عن المفهوم الفلسفي للدولة. كان يفترض بهم، وهم يرون كيف يتغير شكل العالم، ألا يكونوا رهائن ذلك الماضي المثقل بالآلام». المسيحيون الأوروبيون أدركوا ذلك في وقت مبكر لتتوج حرب الثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت باتفاقية وستفاليا عام 1648.
عندنا الحرب لا تزال على مصراعيها «كوننا ندار، بشكل أو بآخر، بتوتاليتاريات لا معنى فيها، ولا مكان فيها، للكائن البشري. الكائن السوي».
لطالما رأى الاختصاصيون في الفقه الدستوري أن المسار الديناميكي (والاستراتيجي) لدستور الجمهورية الثانية يتمحور حول المادة 95 بانشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية. كما في سائر أصقاع المنطقة، نبعثر الزمن مثلما نبعثر الحصى، بدل الطائفية السياسية المذهبية السياسية…
هكذا يضيع السنة حال يتنحى الخليفة. لكنها أزمة بلد لا أزمة طائفة (أو طوائف). تسويات منتصف الليل لم تعد تجدي لادارة الدولة (اللادولة) وسط الهيستيريا الاقليمية، والدولية الراهنة. أوراق صفراء على طاولة من يتحدثون عن موت الشرق الأوسط القديم وضرورة اعادة النظر بتركيبته وبمساراته.
العالم الذي يرى فينا فردوس الزبائنية، وفردوس الماركنتيلية، وبالدرجة الأولى فردوس الكراهية، يعتبر أن المنظومة السياسية تصدعت، وهي على وشك السقوط، دون أن يتبلور البديل. الطوائف اما أنها تحفر الخنادق أو أنها تحفر القبور. لا بد من أن يأتي الحل من أعلى. لكن القوى الكبرى، وبما يشبه البارانويا، تدور حول نفسها. لا سبيل سوى الانتظار على أكوام الحطب.
هل بامكان الطائفة السنية أن تستعيد شخصيتها، وأن تستعيد ألقها، بعيداً عن التعليب الخشبي، كوباء ضرب كل الطوائف. هؤلاء أهل الأمة ويعرفون كيف ينتجون الرجال، وان كانت لوثة التوريث السياسي قد انتقلت اليهم. ولكن شتان بين الوريث والوريث، لذلك تتعالى الأصوات التي تقول لتمام سلام : هذا وقت الرجال الذين مثلك، لا وقت القياصرة ولا وقت الخلفاء…
في ذروة الأزمة التي عصفت بالجمهورية الرابعة في فرنسا. كتب لوي التوسير عن «الجمهورية العمياء، هذه هي جمهوريتنا».
أين نحن، أصحاب «هالكم أرزة العاجقين الكون»،داخل تلك الرياح الهوجاء؟ ثانية، نعود الى الفنان البعلبكي الفذ رفيق شرف «هم النحاسون ونحن… الأواني المطروقة».