الأخبار- رلى أسمر، محمد ملص
لم تنته طرابلس بعد من إحصاء عدد من أبنائها الذين «فُقد أثرهم» أخيراً، حتى عاجلها خبر مقتل ثلاثة منهم مع «داعش» في العراق. دماء «من قضى ومن ينتظر»، وضعت الفيحاء مجدداً تحت الرصد الأمني
في ساحة العلم في وادي النحلة، عند مدخل طرابلس الشمالي، كانت عائلتا عمر محمد سيف وبكر مهدي سيف، أمس، تتقبّلان «التهاني بالشهيدين»، بحسب النعي الذي عمّمته العشيرة. بعض الأقارب وأهل المنطقة اعتبروهما ورفاقهما «مجاهدين قتلوا في سبيل الإسلام»، ومنهم من اعتبرهم «مظلومين خسروا شبابهم سواء آمنوا بعقيدتهم أم غُرر بهم». علماً أن بكر (22 سنة) أمضى سبع سنوات في رومية بتهمة الإرهاب وخرج من السجن منذ سبعة أشهر، فيما سُجن عمر (21 سنة) خمس سنوات بتهمة الإرهاب وخرج من السجن منذ ثلاث سنوات، وكلاهما شاركا في أحداث طرابلس والمعارك ضد الجيش.
روايات الأهالي عن طبائع الشباب لا تختلف. يؤكد أحدهم لـ«الأخبار» أن عمر وأنس سيف دون الـ22 من العمر، «ولم نلاحظ عليهم في الآونة الأخيرة أي علامات تشدد»، عكس بكر سيف الذي كان سجيناً في رومية وبعد إطلاق سراحه التحق فوراً بتنظيم «داعش» في العراق.
أبو فادي، خال بكر، لفت إلى أن العائلة أبلغت القوى الأمنية فور اختفاء الشبان الثلاثة، وأن عمر «اتصل بوالدته ليطمئنها بأنه بخير من دون أن يحدد مكان وجوده». وبحسب الخال، «سلمت العائلة الرقم إلى القوى الأمنية التي دققت به وتبين أن مصدره العراق. وبعد أسبوع اتصل بكر بوالدته من العراق أيضاً، قبل أن يقطع الاتصال». ولم يتمكن أهل الضحايا من تحديد كيفية خروج أولادهم ومن سهّل لهم المغادرة من لبنان وصولاً إلى العراق. «المسؤولية تقع على من ورط هؤلاء الشبان وغرر بهم والأمر يحتاج إلى توعية شاملة تقوم بها المراجع الدينية، وعلى الدولة تأمين فرص عمل لهؤلاء الشبان».
الشيخ محمد إبراهيم رأى أن «هناك ما يثير الريبة. فمن يشاهد القصف الذي حصل يفترض أنه لم يبق أي أثر للجثث، فكيف استطاعت السلطات العراقية إعلان هويتهم وجنسيتهم؟ كما التسجيل الصوتي لنعي الشباب بصوت امرأة وليس من عادة تنظيم الدولة أن يترك أمر النعي لامرأة». وأعرب إبراهيم عن الخشية من «سعي البعض إلى توتير الساحة الشمالية من بوابة العراق. وعلى السلطات العراقية إذا كانت جادة أن تعمل على تسليم الضحايا إلى السلطات اللبنانية. ونخشى أن يكون الشبان قتلوا إعداماً في السجون العراقية». وأوضح أن عدد الذين غادروا إلى العراق بلغ 37 شخصاً، والأجهزة الأمنية تعرفهم جيداً لأن بحقهم وثائق اتصال وبعضهم مطلوب بتهم الإرهاب وبأحداث التبانة وجبل محسن ومعظمهم تحت سن العشرين.
وتبين أن معظم «المهاجرين» من العاطلين من العمل وقد سافروا مقابل وعود برواتب تصل إلى 2000 دولار شهرياً. لكن قسماً غير قليل منهم التحق بالتنظيم عن سابق إصرار، كبكر سيف الذي اختفى منذ قرابة الشهرين، وقد قال أحد أقربائه «لـ«الأخبار» إنه «ربما هو من سهل لعدد من الشبان الالتحاق به في العراق». وأشارت المصادر إلى أنّ التواصل مع الشبّان يتم عبر الإنترنت أو عبر خلايا نائمة، تعمل على إقناعهم بالذهاب إلى العراق بعد إغرائهم بالمال، إضافة إلى أنّ بعضهم بحقّه مذكرات توقيف من قبل الأجهزة الأمنية.
وعلمت «الأخبار» أن الأجهزة الأمنية باتت على دراية بشبكات تهريب تعمل على خط العراق، وتتولى تأمين الطريق مقابل مبالغ مالية كبير تراوح بين خمسة آلاف دولار وعشرة آلاف عن كل شخص، وذلك عبر معابر غير شرعية على الحدود اللبنانية إلى سوريا، موزّعة بين عكّار والهرمل.
مقتل هؤلاء الشبّان الستّة ليس الأوّل من نوعه. ففي نهاية كانون الأول الماضي أفيد عن مقتل أحمد الكيّال وزكريا العدل في العراق، ما دفع المصادر الأمنية إلى «توقع ارتفاع عدد القتلى في الأيّام المقبلة».
وكشفت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أنّ «المعلومات المتوافرة لدينا تفيد عن مغادرة عشرات الشبان إلى العراق للقتال يتوزّعون على مناطق التبانة وقلب مدينة طرابلس والبدّاوي والمنية والضنّية وعكّار، وأعمار أغلبهم تتراوح بين 17 و25 سنة، وقد اتصلوا بأهاليهم بعد خروجهم من لبنان ووصولهم إلى العراق».