كتب المحرّر السياسيّ-البناء
لا زالت جولات التصعيد التي شهدتها جبهات المواجهة بين اليمن والإمارات حدثاً إقليمياً أول، مع تسجيل أول يوم هادئ على هذه الجبهة، حيث أفادت مصادر يمنية أنها تراقب السلوك الإماراتي. فالرسائل العسكرية اليمنية ليست هدفاً بذاتها ولا إلحاق الأذى بالإمارات واقتصادها هو الهدف، بل وقف الانخراط الإماراتي بالحرب على اليمن هو الهدف، واليمن سيراقب السلوك الإماراتي فإذا عادت الإمارات الى موقفها البعيد عن المواجهات في اليمن، قبل انخراطها في معارك شبوة ومأرب، ستتوقف جولة التصعيد، وإذا واصل الإماراتيون التورط فسيكون «إعصار اليمن 3» هو الجواب. وبالتوازي قالت المصادر إن اليمنيين ابلغوا جهات خليجية راجعتهم بأسئلة حول استهداف قاعدة الظفرة الإماراتية، والموقف من الوجود العسكري الأميركي فيها، أن اليمن يعلم بهذا الوجود، لكن الاستهداف للقاعدة كان ردا على المصدر الذي خرجت منه الطائرات التي تقصف اليمن، ولا علاقة للوجود الأميركي بالاستهداف، رغم العداء مع السياسات الأميركية وتحميلها مسؤولية الحرب على اليمن واستمرارها، لكن هذا الوجود الأميركي لن يحيّد القاعدة عن بنك الأهداف اليمني، وإذا اراد الأميركيون تحييد أنفسهم فليفعلوا هم ذلك.
في الشأن الإقليمي اللبناني، يدور النقاش حول الجواب اللبناني على الورقة الخليجية التي حملها وزير خارجية الكويت، وقالت مصادر متابعة لهذا النقاش إن لا مشكلة لبنانيّة مع أغلب ما ورد في الورقة، وتبقى نقطتان للنقاش، واحدة يرغب لبنان بإخضاعها لحوار لبناني خليجي حول التعامل الإعلامي ورسم حدود العلاقة بين الالتزام اللبناني بما يرغب به الوزراء العرب، وبين حرية التعبير والتعدد السياسي، أسوة بما تتعامل بموجبه الحكومات العربية في هذا المجال مع حكومات دول أجنبية تربطها بالخليج علاقات مميّزة. والنقطة الثانية التي يظن البعض أنها عقدة لبنانية وهي المتصلة ببنود مكرّرة تحت عنوان بسط السيادة وحصر السلاح وتطبيق القرار 1559. وفي هذا المجال يدور الجواب اللبناني حول شرح إجماع اللبنانيين في إتفاق الطائف علي هذه الأهداف، ولكن مع وضع خريطة طريق تبدأ بتحرير الأراضي المحتلة بكل الوسائل المتاحة كما نصت وثيقة الطائف، وجاء القرار 1559 الذي انقسم حوله اللبنانيون وتلته حرب تموز 2006 التي دعمتها دول أجنبية وعربية لسحب سلاح حزب الله وانتهت بالقرار 1701 الذي أصبح بعرف المجتمع الدولي خريطة طريق للقرار 1559، لجهة ترتيب المراحل بالبدء بالانتقال من وقف الأعمال العدائية الى وقف اطلاق نار دائم بعد حل القضايا العالقة وفي مقدمتها قضية مزارع شبعا. وقد تعامل مجلس الأمن الدولي مع هذا التلازم بين القرارين بهذه الطريقة منذ أعوام ولا يزال.
في الشأن السياسي اللبناني وتفاعلات وتداعيات قضية إنسحاب الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل من المشهدين السياسي والإنتخابي لا تزال المواقف تتظهر تباعاً وتطرح معها الأسئلة، وابرز ما يتم تداوله من اسئلة بعد بروز توتر حاد بين جمهور تيار المستقبل وقادته، رداً على ما قاله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وما بدا في موقع الشماتة، يطال مواقف الأطراف الأخرى. وفي هذا السياق برز كلام لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي غلب عليه الطابع التضامنيّ، والإشارة للتمييز بين الحريري وجعجع بالقول، هناك مَن يعاقَب لرفضه الحرب الأهلية ومن يسعى لهذه الحرب تنفيذاً لأجندة خارجية. ويبقى هذا الموقف الوجداني مبدئياً بإنتظار توضيح صورة الموقف سياسياً، ولم تخف مصادر متابعة للموقف انه قد يكون شبيهاً بالموقف من احتجاز الحريري عام 2017 دون ان توضح الكيفيّة، بينما طرحت أسئلة حول احتمال دعوة دار الفتوى لإجتماع موسّع يخرج بدعوة لمقاطعة الانتخابات بصورة تستعيد مشهد المقاطعة المسيحية عام 1992، بينما تدور أسئلة مشابهة حول احتمال إعلان رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط لموقف تضامني مع الحريري والمستقبل بعدم المشاركة في الانتخابات.
وبقي قرار الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي والعزوف مع تيار المستقبل عن خوض الانتخابات النيابية، يلقي بثقله على المشهد الداخلي، وسط صدمة وذهول لا زالت تقضّ مضجع المستقبليين من النواب والمسؤولين في التيار وكذلك الشارع السني الذي يعيش حالة إحباط وقلق ونار غضب تحت الرماد قد تشتعل في أية لحظة إذا توافرت ظروف وفتائل تفجير الساحة الداخلية.
وواصلت الأوساط السياسية تحليل أبعاد خطوة الحريري وتقييم الموقف والتداعيات المرتقبة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية وما سيرافقها من تصعيد الخطاب السياسي والطائفي والفوضى في الشارع على وقع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية مع تصعيد الضغط السعودي – الخليجي – الأميركي على لبنان عبر المبادرة الكويتية التي تحمل في طياتها شروط استسلام تفرض على لبنان.
وقطعت مراجع سياسية وروحية الشك باليقين بوجود بالأسباب الخارجيّة لقرار الحريري وأنه يخفي قراراً سعودياً وأميركياً بإقصاء الحريري عن المشهد السياسي، بحسب ما علمت «البناء»، لذلك صمتت المراجع السنية السياسية والدينية وأبدت تفهماً لهذا الخيار. وعلمت «البناء» أن الرئيس فؤاد السنيورة والمفتي عبد اللطيف دريان حاولا إقناع الحريري بالعدول عن قراره وشرحا له تداعيات هذا القرار، لكنه أصرّ على موقفه.
وبموازاة العامل السياسي الخارجي، عزت أوساط سياسية سنية قرار الحريري لأسباب مادية وسياسية داخلية، لكن مصادر وزارية وسياسية لفتت لـ«البناء» أن «الحريري لم يصل الى هذا القرار بضغط داخلي، بل بضغط خارجي بدأ منذ العام 2017 ويعيدنا بالذاكرة الى تلاوة الحريري بيان استقالته خلال احتجازه في السعودية وهو اليوم يدفع ثمن عدم تقديم استقالته من بيروت». ولفتت المصادر الى «أن الحريري تعهّد للسعودية أمام الفرنسيين بأن يقدّم استقالته من رئاسة الحكومة فور عودته الى لبنان مقابل الإفراج عنه، وعندما أُفرج عنه ووصل الى بيروت لم يقدّم استقالته، فأثار الغضب السعودي، ومنذلك الحين بدأ العقاب»، مشيرة الى أن «السعودية وأميركا تريدان ضرب عصفورين بحجر واحد، نزع التغطية السنية الحريرية غير العلنية عن حزب الله، وإضعاف حزب الله في مجلس النواب والسعي لإيصال عدد كبير من أخصام المنظومة السياسية الحالية». وذكرت بقول الحريري «أنقذت لبنان من فتنة مذهبية»، ما أوحى بأن رفضه الشروط السعودية بمواجهة حزب الله استدرج الغضب السعودي الذي دفعه للانكفاء عن الساحة السياسية.
على صعيد التزام كتلة المستقبل بقرار الحريري من عدمه، أشارت أوساط نيابية في المستقبل لـ«البناء» الى أن «الكتلة ستجري لقاءات ومشاورات مع الحريري، بعد عودته الى بيروت خلال أسبوعين، لحسم هذا الموقف، ومن المبكر الحديث عنه، وهناك متسع من الوقت حتى إقفال باب الترشح للانتخابات». وبحسب المعلومات فقد دعا الحريري نواب الكتلة خلال اللقاء الأخير لعدم الترشح تحت عباءة المستقبل، لكنه لم يدعوهم لعدم الترشح منفردين، ما دفع بعض النواب للاقتراح على الحريري الترشح منفردين وليس تحت لوائح تحمل اسم التيار. ولفتت المعلومات لـ«البناء» الى أن «الحريري سيعود الى لبنان خلال أسبوعين لإطلاق جولة مشاورات جديدة مع اعضاء الكتلة لحسم بعض النقاط لجهة الترشح على لوائح اخرى». إلا أن اغلب النواب في الكتلة ملتزمون بقرار الحريري إلا أن يقول العكس.
واستمرت المواقف والتعليقات السياسية على قرار الحريري، واشار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في تصريح: «الخطوة التي أقدم عليها الرئيس سعد الحريري بتعليق عمله بالشأن السياسي هو أمر مؤسف يبعث على الألم بعد الجهود التي بذلها خلال مهامه الوطنية وعلى مدى سنوات عديدة بتعاونه الدائم مع دار الفتوى التي كانت وستبقى حاضنة لتطلعات أبنائها وآمال اللبنانيين جميعاً في نهوض وبناء الدولة ومؤسساتها».
بدوره، أبدى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تعاطفه الشخصي مع الحريري، وقال: «إذ نحترم ونقدّر الأصدقاء والأخوة في تيار المستقبل، نصرّ على التنسيق معهم ومع كل ابناء الطائفة السنية في لبنان ومع كل المخلصين والمؤمنين في الطوائف الأخرى بالقضية اللبنانية حتى ينتصر لبنان الدولة والسيادة والحرية غير الخاضع لإرادة إيران، ولبنان الخالي من الفساد، وحتى لا يموت شهداء الحرية والسيادة في لبنان مرتين، من كمال جنبلاط وبشير الجميل ورفيق الحريري ومحمد شطح وكل قوافل الشهداء الأبرار».
وفي هجوم على جعجع من دون أن يسمّيه، غرد رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل قائلاً: «في حدا اختار يتعاقب حتى يمنع الحرب الأهليّة، وفي حدا وافق ينسحب حتى ما يسمح بالحرب الأهليّة، بس في حدا مصمّم يعمل الحرب، ومش مهم إذا طعن حليفه بالظهر او خان تفاهم لمصالحة تاريخية؛ المهم ينفذ أجندة خارجية وتوقع الفتنة بلبنان. الخيار هو بين ميليشياويّ مهووس بالحرب وابن دولة يعمل لمنعها».
دولياً، أعلنت السفارة الفرنسية في لبنان في بيان أن «إعلان رئيس مجلس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري أمس، انسحابه من الحياة السياسية اللبنانية التي لعب فيها دوراً مركزياً، ونحن كنا دوماً على اتصال منتظم معه. هذا القرار يعود له، ونحترمه ولا يعود لنا التعليق عليه. ويجب ألا يؤثر ذلك على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية اللبنانية في موعدها المقرر في 15 أيار، بشفافية وحيادية. ان الأولوية يجب أن تعطى لتنفيذ القادة اللبنانيين للإصلاحات اللازمة لتحسين الأوضاع المعيشية للبنانيين والخروج من الأزمة، وتبقى فرنسا من جانبها مع جميع شركائها الدوليين والإقليميين مصممة على دعم الشعب اللبناني». وعلمت «البناء» أن الحريري وضع الفرنسيين في جو قراره قبل إعلانه، وأكدوا له بأن دوره لم ينتهِ وسيأتي في المراحل السياسية المقبلة.
وفيما تخوفت مصادر سياسية من مخطط يجري تحضيره للساحة اللبنانية، بالتوازي مع قرار الحريري الذي تزامن مع المبادرة الكويتية التي اعتبرتها إنذاراً خليجياً للبنان، تساءلت أوساط دبلوماسية عبر «البناء» عن الحكمة من تقديم ورقة مطالب الى حكومة ضعيفة وبلد مشرذم، إن كان الكويتيّون المطّلعون بدقة على الاوضاع اللبنانية والإقليمية والمتميّزون عن بقية الخليجيين نوعاً ما في سياستهـم الخارجية؟»، وأضافت: «ما الهدف من الاسئلة وهـم يدركون حدود وقدرات البلد وبالتالي ماهية الأجوبة الممكنة والمحتملة قبل طرح الاسئلة على اللبنانيين». مشيرة الى أنه «لا يمكن تحميل بلد، في مهـبّ رياح المنطقة؟»، وتخوّفت من التداعيات لانسحاب الحريري من الحياة السياسية ومن المبادرة الكويتية، وتساءلت كيف يتقرّب الخليجيون من سورية ويضغطون على لبنان؟».
وفي سياق ذلك، أشارت مصادر بعبدا الى أن «مسودّة الرد على مقترحات المبادرة الكويتية، رُفعت إلى الرئاسة الأولى، وهي قيد الدرس من رئيس الجمهورية ميشال عون»، ولفتت إلى أن «الردّ الجوابي سيكون موضوع مقاربة بين الرئاسات الثلاث، ولن يتم ارسال اي شيء دون موافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري»، مشيرة إلى أن «الرد سيكون واضحًا وليس متعثرًا».
في غضون ذلك، واصل مجلس الوزراء جلساته المكثفة لمناقشة مشروع الموازنة، وصرّح وزير الاعلام بالوكالة عباس الحلبي قائلاً «بوشر بدراسة هذا المشروع مادة مادة، وتوقف المجلس أمام عدة مواد تتصل بالمحفزات الاقتصادية وبتطويرها، لتمكين الاقتصاد اللبناني من النهوض مجدداً، كما علق البحث في بعض المواد الأخرى لمزيد من النقاش». أضاف «ستبقى جلسات مجلس الوزراء مفتوحة الى حين إقرار هذا المشروع، وقد وصلنا قبل الاستراحة الى المادة 40 من مشروع الموازنة، وسنستأنف البحث بعد نصف ساعة».
وعن الدولار الجمركي قال «من السابق لأوانه ان نتكلم بالتفاصيل، فلننه دراسة هذا المشروع وعند إنجازه، نخرج ببيان خطي حوله. ونحن نناقش كل المواد، مادة مادة في جو من التعاون والنقاش العلمي والموضوعي الذي يثري هذه المواد بشكل يحفظ المالية العامة ويؤدي الى تحفيز الاقتصاد». وعن الضرائب الجديدة أجاب: «هذا مشروع متكامل وطالما هو كذلك، يجب أن ننتظر عند الفراغ من مناقشته للحديث في النتائج».
ورداً على سؤال عن الصلاحيات الاستثنائية المعطاة لوزير المالية، قال «لم يثر هذا الموضوع، ولا نزال في بداية المناقشة ووصلنا الى المادة 39 التي أنجزت، وعلق البحث بعدد من المواد لمزيد من النقاش».
وفيما تفاقمت أزمة الكهرباء في مختلف المناطق اللبنانية، أوضحت مؤسسة كهرباء لبنان عطفاً على بياناتها السابقة أنه «نتيجةً للعاصفة الثلجية وموجات الصّقيع المستمرة بالإضافة إلى تكوّن طبقات من الجليد منذ يوم الخميس الفائت، يصعب على الفرق الفنيّة القيام بأعمال الصيانة والتصليحات على شبكات التوتر المتوسط والمنخفض، كما هو الحال تحديداً في غالبية المناطق الوسطى والجبلية المرتفعة، وعلى طول الساحل اللبناني. أضف إلى ذلك الأزمة المالية في البلاد، ولا سيّما عدم توفّر العملات الأجنبيّة، مما يؤثر سلباً على قدرة شراء قطع الغيار الضرورية، الأمر الذي يؤدي إلى التأخير في أعمال الصيانة»، مؤكدة أن «مؤسسة كهرباء لبنان تؤكّد بأنها تعمل جاهدة على إصلاح الأعطال على كافة الأراضي اللبنانية، لا سيّما الجبلية منها، من أجل إعادة الوضع إلى ما كان عليه وبحسب القدرات المتاحة في ظل الظروف الراهنة».
في سياق ذلك، حطّ في بيروت وزيرا الطاقة السوري والأردني يرافقهما المدراء العامون لشركات ومؤسسات نقل الكهرباء، حيث سيتم التوقيع بين لبنان وكل من الأردن وسورية اليوم في وزارة الطاقة والمياه على اتفاقيتين مع الأردن لتزويد الطاقة الكهربائية من الأردن، وأخرى مع كل من الأردن وسورية لعبور الطاقة عبر سورية إلى لبنان.
بدوره، لفت وزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة، بعد وصوله إلى مطار بيروت، الى أننا «فخورون للوقوف الى جانب أهلنا في لبنان هذه الفترة، ودائمًا كانت هناك توجيهات من الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، للوقوف دائمًا مع أشقائنا، وتقديم ما يمكن تقديمه، وهذا جزء من مجالات التعاون الكبيرة، التي من الممكن أن نتعاون بها لمصلحة البلدين ونأمل من خلال الاتفاق الذي سيتم توقيعه غدًا (اليوم)، أن يكون بداية تعاون بين الأردن وسورية ولبنان وباقي الدول العربية»، آملاً أن «يكون هذا الاتفاق فاتحة خير في كافة المجالات».
وكان وزير الطاقة وليد فياض أعلن في رده على سؤال عن تزويد مصر لبنان بالغاز بسعر مخفض أقل من السعر الذي تدفعه أوروبا: «يأخذ الأوروبيون الغاز المسيل، بينما نحن نحصل على الغاز بواسطة الأنابيب وعن طريق اتفاقية طويلة الأمد، وحصلنا على سعر جيد جداً».