“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
مع إعلان عزوف الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي، تكون مرحلةٌ جديدة قد افتُتحت يبدو من طالعها أنها ستكون حبلى بالتطورات، بالمفاوضات وبالضرب تحت الحزام!
تزامن إعلان الحريري إعتزاله العمل السياسي قُبيل الإنتخابات وقدوم وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح قبل الإنتخابات أيضاً ، حاملاً معه “ورقة إنذار” من 10 بنود أساسية و بندين ثانويين، عاملان لا يمكن فصلهما عن بعضهما. عملياً، يحضر الوزير الكويتي بتنسيقٍ كاملٍ مع القيادة السعودية بدليل أن البنود التي تتألف منها “الورقة” تتشابه إلى حدٍ قريب مع الإعلان السعودي – الفرنسي في أعقاب زيارة إيمانويل ماكرون إلى جدّة. وللمعلومة المجانية، ينحدر الوزير الكويتي من النسب السياسي ذاته لولي العهد الكويتي مشعل الأحمد الجابر الصُباح، المقرّب بدوره من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهذا مضمون إشارة لافتة لا يمكن تجاوزها.
تبعاً لذلك، يكون الحضور السياسي الكويتي إلى لبنان، ذات نكهة سعودية خالصة إن لم يكن مبعوثاً سعودياً صريحاً، وتزامنه مع خطوة الحريري “الزلزالية” ليس بريئاً، وقد تكون السعودية تطمح إلى إعادة إنتاج التفاوض “تحت النار” مع “حزب الله” من خلال توظيف الدولة اللبنانية، حيث تعتقد بأنها تقدّمت خطوة إلى الأمام على إثر تحقيق رغبتها في الإطاحة بوزير الإعلام جورج قرداحي.
عملياً، لا يمكن قراءة طالع عزوف الحريري، إلاّ من زاوية إرباك الساحة الداخلية قبيل الإنتخابات وخلق “فجوة” تمثيلية تتعلق بحضور السنّة في اللعبة السياسية، ولزيادة الضغط المتصاعد على الدولة اللبنانية، يأتي الخليج بحملة على “حزب الله” من أجل سحب تنازلات “مطلوبة سعودياً” تحت عنوان “التخفيف من حالة إرهاق الوضع اللبناني”، ولعل الخطوة السعودية الحالية هي آخر محاولة جدية لـ”تقويض” دور حزب الله عبر زرع الفراغ في الحديقة الخلفية السُنية.
في الواقع، لا يمكن إشاعة النظر عن بعض التموضعات السياسية اللبنانية المستجدة. فمثلاً، “المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني عن لبنان” والذي أطلق حديثاً بمشاركة من النائب السابق فارس سعيد، وانتُخبَ لرئاسته النائب “المستقبلي” السابق أحمد فتفت، يتبنّى ذات البنود التي ضُمّت إلى “الورقة الخليجية”، أي العودة إلى اتفاق الطائف وتطبيق القرارات الدولية 1559، 1680 و 1701، و يتماهى بشكل صريح وواضح مع الطروحات السعودية، فهل يمكن إغفال هذا التداخل بين بعض الداخل المحسوب على الإدارة السعودية والمملكة؟ قطعاً لا.
في الموازاة، تعتمد السعودية حالياً أسلوب المبازرة مع لبنان وترفع من نسب المواجهة السياسية على شكل مقايضة تتمّ ما بين ورقة الشروط الـ12 والحدّ من نفوذ “حزب الله”. وفيما لو نجح الأقطاب اللبنانيون، تحت الضغط، في إقناع الحزب بالعودة إلى لبنان أو بالحدّ الادنى، تخفيف حضور الحزب على الساحة اليمنية والذي يأتي على شكل خبراء في مجالات متعددة كما تأمل الرياض، عندها يمكن أن تتراجع السعودية عن العديد من البنود المطروحة، أي البنود ذاتها التي تعلم وغيرها، أن إسرائيل حاولت عام 2006 تنفيذها ولم تنجح، كذلك تعمل الولايات المتحدة منذ العام 2005 على محاولة تحقيقها، ولم تنجح أيضاً، وهذا يعني أن “المغامرة السعودية” لا أفق لها سوى محاولة انتنزاع تنازلات من الحزب، أي الطرف الأقوى على الساحة اللبنانية أقلها.
العودة إذاً تتعلّق بالملف اليمني، والمحاولة السعودية الجديدة نابعة في الأساس من رغبة في إجراء مقايضة ما بين الملفين اليمني و اللبناني، وعلى ما يبدو، فإن ما تطالب السعودية بتحقيقه لا يمكن لأحد تنفيذه غير الحزب، وليس سراً أنه وفي فترات معينة، طرحت السعودية إجراء مبادلة “غير متوازنة” ما بين الملفين، فكان الجواب أن “اليمن لليمنيين”..
وإلى أن تبلغ مرادها، ستشهد الساحة اللبنانية، من الآن وصاعداً إلى حين بلوغ مرتبة الإنتخابات، على نماذج تصادمية متعددة، وتصعيداً واضحاً في السياسة وربما الأمن، وطرح البنود الـ12 في هذا التوقيت السياسي العاصف بالذات، لا يبدو أنه يأتي بمعرض الصدفة أبداً ،طالما أن لا مصادفات في السياسة، ويُعدّ أقرب إلى “مشروع حشر في الزاوية” تعمل على إتمامه السعودية وتستهدف القوى اللبنانية كافة وبنسب متفاوتة، وهنا تُسأل الفرقة السياسية وحدها عن أسبابه، متى أنها تنازلت وتنازلت من دون أثمان أو أقلّه ضمانات وحصانات.
وفيما لو رفض الحزب الإنصياع إلى البنود ضمن المهلة “الإستفزازية” الموضوعة –وعلى الأغلب هذا ما سيحصل- سترتفع لغة الضغوطات للقول أن الحزب لا يستجيب فيشتدّ الخناق على السياسة والإقتصاد، لتكبيد لبنان المزيد من الأثمان، الذي يأتي هذه المرة من خلفية نزعة خليجية يبدو أنها تتولّى تنفيذ “الأعمال القذرة” بالنيابة عن الآخرين، ولمحاولة خلق إرباكٍ داخلي في وجه الحزب للقول بأنه يتحمّل المسؤولية، وطالما أن الدولة لا تأخذ مسافةً منه أو تصبح عاجزة عن الإستحصال على موقف ما، يُصبح تصنيفها بأنها حامية له أو غير قادرة أو فاشلة، وهذا ما سيعزّز نماذج الضغط وأساليبه المعتمدة.
ويأتي هذا العنوان قبل حلول موعد الإنتخابات بوصفه شعاراً ، كذلك يأتي في سياق محاولات تطيير الإنتخابات بعدما أدرك بعض الخارج استحالة إنجاز تغييرٍ واسع على النحو المطروح، ويصبح العنوان كيف تجري انتخاباتٌ وسط هيمنة “حزب الله” على الحالة السياسية، وفي ظلّ مقاطعة سنية يتوخّى أن تكون عارمة؟
إنها حلقة واحدة متّصلة يجري تنفيذها بنداً بنداً وبإتقان، والشروط الخليجية مرتفعةُ السقف، تُنذر بمرحلةٍ جديدة من الإصطفاف الداخلي. ما مصير الإنتخابات؟ للبحث صلة.