الأخبار
في اليومين الماضيين استكمل الحريري لقاءاته مع فريقه السياسي والنيابي ومسؤولين، ومن المُفترض أن يستكمِل لقاءاته باجتماع تنظيمي صباح اليوم مع كوادر مستقبلية، على أن يختمه بكلمة مباشرة على الهواء عصراً لإعلان الموقف النهائي.
مفاجأة سعودية؟
ووسط الأجواء التي تؤكد إصرار الحريري على موقفه، وردت معلومات عن تطوّر لافت في الموقف السعودي من قرار زعيم «المستقبل». ونقلت أوساط على صلة بالرياض معلومات عن رسالة بعثت بها قيادة المملكة إلى رئيس الحكومة السابق تدعوه إلى «التروّي» في إعلان قراره، مشيرة إلى أن السعودية ترغب في تأجيل القرار وليس بالضرورة التراجع عنه، وأن هذا الموقف يأتي في سياق محاولة لتعديل الوقائع السياسية الداخلية ربطاً بالانتخابات، وسط مخاوف من أن يؤدي قرار الحريري إلى عزوف قيادات سنّية أخرى عن المشاركة، بالتالي تهديد استحقاق الانتخابات برمته.
وفيما لفتت المصادر إلى أن الحريري لم يغيّر موقفه، أشارت إلى أن السعودية فتحت الباب أمام حوار مفقود منذ وقت طويل مع زعيم «المستقبل». وأوضحت أن موقف الرياض، كما مواقف عواصم أخرى، جاء بعدما فوجئت بالأجواء اللبنانية القلقة من قرار الحريري، وبعد تلقّي هذه العواصم في الأيام الماضية سيلاً من الاتصالات من قبل قوى وشخصيات لبنانية حليفة لها تدعوها إلى التدخل لدى الحريري لتأجيل قراره ولو لأسابيع، إفساحاً في المجال أمام جولة من الاتصالات لوضع تصور جديد. وتجدر الإشارة إلى أن موقف مصر من قرار الحريري كان حذراً للغاية، وبلغ حد عدم استقباله في القاهرة قبل إعلان موقفه النهائي، خشية تحميلها مسؤولية القرار، في وقت ترغب ببقائه في قلب المشهد السياسي اللبناني، وتبدي قلقاً من تداعيات القرار على الطائفة السنية في لبنان.
المصادر، صاحبة الرواية، برّرت التدخل السعودي المفاجئ بأن «الجميع كان يفترض بأن الحريري إنما يقوم بمناورة كبيرة وأنه ليس بصدد الخروج من الانتخابات. ولكن إبلاغه قيادة دولة الإمارات بقراره، وإيصاله الرسالة نفسها إلى عواصم أخرى، ثم مبادرته إلى تحديد موعد عودته إلى بيروت، دفع بكل هؤلاء إلى محاولة احتواء الموقف». وأشارت المصادر إلى أن القلق «انسحب على الأميركيين الذين تلقوا أيضاً عدداً كبيراً من الاتصالات اللبنانية وغير اللبنانية، وتقرر بناء عليه أن تعود السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا إلى لبنان للاجتماع بالحريري ومحاولة ثنيه عن قراره».
في مقابل هذه الرواية، فإن كل من التقى الحريري في اليومين الماضيين، خرج بكلام واضح عن إصراره على العزوف، وأنه اعتذر من كل من تواصلوا معه من الخارج، وأكد قراره الخروج من السباق الانتخابي، مشدداً على أن قراره يشمل كل تيار «المستقبل»، وأنه سيكون ممنوعاً على أي شخصية قيادية من التيار الترشح إلى الانتخابات باسم «المستقبل»، وسط أجواء تشير إلى أن أول من سيلتزم القرار سيكون عمته النائبة بهية الحريري التي لن تخوض هي أو أي من أفراد عائلتها السباق الانتخابي، كما ينسحب القرار على شخصيات بارزة يتقدمها الرئيس فؤاد السنيورة.
وكان الحريري واصل لقاءاته في اليومين الماضيين، وقد كان صريحاً، بل صادماً، مع بعض زواره، لا سيما قيادات من التيار دعته إلى اقتراح بديل لا يقود إلى الغياب الكامل عن الانتخابات. لكن النقاش المباشر كان أكثر صراحة مع شخصيات مثل الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. الأول نبه الحريري إلى مخاطر قراره والانعكاسات السلبية على الواقع العام في البلاد. وقالت مصادر عين التينة إن «برّي كانَ مستاء، وحاول إقناع الحريري الذي اجتمع به نحو ساعة ونصف ساعة، العودة عن قرار العزوف عن الترشح، أو أقله عدم سحب تيار المستقبل من كامل العملية الانتخابية»، لكن الحريري كانَ حاسماً بأن «لا مجال للعودة حالياً لظروف مختلفة».
وكان جنبلاط أكثر صراحة بالتعبير عن مخاوفه من ترك قوى كثيرة في لبنان ضحية الحصار في حال قرر الحريري عدم خوض الانتخابات. وقالت مصادر مطلعة إن جنبلاط الذي صدم بإصرار الحريري وما وصله سابقاً من كلام عن لسانه، تحدث صراحة عن مخاوفه الشخصية من القرار، طارحاً مسألة الخطر على الكتلة النيابية التي يمثلها والتي ستكون مهددة في مقاعد درزية في بيروت والشوف وبعبدا والبقاع الغربي، كما لفت إلى أن قرار الحريري سيجعل جنبلاط يرضخ لشروط قائد القوات اللبنانية سمير جعجع بالنسبة لخريطة الترشيحات في الشوف وعالية والمتن الجنوبي أيضاً.
وعلى هذا المنوال، سمع الحريري الكلام نفسه من الرؤساء السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي خلال العشاء الذي جمعهم ليل أول من أمس في دارة ميقاتي، إذ كرر هؤلاء على مسامعه مخاوفهم من الانعكاسات السلبية لهذا القرار على الوضع العام في لبنان، وعلى موقع ونفوذ الطائفة السنية على وجه الخصوص. لكن الحريري كان في كل اللقاءات صريحاً في شرح الأسباب التي قادته إلى قراره، كما كانت أجوبته صادمة لكثيرين عندما كان يقول لهم: دبروا أموركم، وجدوا الحلول التي تناسبكم، لكنني لن أغير قراري!
إرباك في «المستقبل»
على المستوى الشعبي، شهد «بيت الوسط» تجمعات لمناصرين مستقبليين أكدوا تأييدهم للحريري، مطالبين إياه «العودة عن قراره، لكي يكون صوتهم في مجلس النواب»، وهو خاطب هؤلاء بالقول: «أنا أعلم أن هذه الأيام صعبة، ولكن هذا البيت سيكون مفتوحاً لكم ولكل اللبنانيين، رفيق الحريري لم يستشهد لكي نغلق بيتنا، وأنا أفديكم بالروح والدم. أشكركم على مشاعركم وعلى مجيئكم ووجودكم هنا، وأنا اليوم سمعتكم وأريد منكم أن تستمعوا إلي غداً (اليوم)، لأني سأعود وأؤكّد لكم أن هذا البيت لن يُقفل».
وفيما بدا واضحاً أن المشاركة البيروتية عفوية بالإجمال، لفتت مصادر مواكبة إلى أن الحضور الأكبر كان من وادي خالد وبلدات عكارية، في مقابل مشاركة ضعيفة من مدينة طرابلس. وتردد أن قيادات شمالية أنفقت أموالاً لتأمين حشد من عاصمة الشمال، وأن بعض من قبض من المشاركين «ليسوا مناصرين لتيار المستقبل».
مصادر في التيار أكدت أن «الجميع ينتظر ما سيقوله الحريري اليوم»، وأشارت إلى حالة «إرباك واضحة نتيجة الواقع الإشكالي الذي سيخلقه هذا الانسحاب». وأوضحت أن «الحريري لن يعلِن الانسحاب وحده، فهو خلال الاجتماعات رفض أن يترشّح أحد باسم المستقبل أو أن يعمد أحد إلى تركيب لوائح باسمه». كما كشفت المصادر عن وجود «اعتراض كبير على هذا القرار من النائبة بهية الحريري ونجلها أحمد الذي غاب عن هذه الاجتماعات واستكمل زيارته إلى الولايات المتحدة، وهو سلوك يعبّر عن رفض ما يقوم به سعد الحريري». ولفتت المصادر إلى أن «النقاش الدائر الآن هو حول ما إذا كانت الحريري ونجلها سيلتزمان بهذا القرار أم إنهما سيغردان خارج السرب، بالاتفاق مع مستقبليين آخرين، تحديداً من الكوادر الشابة التي كانت من أكثر المشاكسين لهذا القرار، كالنائب سامي فتفت». وبينما سُرّبت معلومات عن أن الرئيس فؤاد السنيورة سيُقدّم للحريري مقترحاً أخيراً بمثابة حل وسط، أكدت مصادر في «المستقبل» أن «ما يحكى غير جدي، فالسنيورة أيضاً مرتبك، ويعلم بأن استبعاد الحريري هو قرار دولي وليس في يده وحده».