يتألف “المجتمع” الاستخباراتي الإسرائيلي من جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، وجهاز المخابرات العامة (الشاباك)، ومؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة أو جهاز استخبارات المهام الخارجية (الموساد)، وفرع الاستخبارات في الشرطة، مركز البحوث السياسية (مماد)، الا أنها تعاني من الكثير من الفجوات فيما بينها على مستوى التنسيق حيث لا يوجد خطة عمل مشتركة، بالإضافة الى العديد من التحديات التي ستكون بانتظارها في العقد القادم. وهذه التهديدات، بعضها غير مسبوق، تتطلب إجراء فحص دقيق لها، وتتبع آثارها المستقبلية على أمن الكيان.
يعتبر كبار الخبراء الأمنيين في الأوساط الاستخبارية الإسرائيلية، أن أهم التحديات الأمنية التي تواجه “إسرائيل”، هي وضعية الأمن الإسرائيلي في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعانيها المنطقة المحيطة بهذا الكيان، ومدى قدرة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على تقييم المخاطر الأمنية التي تهدد “إسرائيل”، وإجراء تقييم داخلي للمجموعات الإرهابية اليهودية الناشطة في أوساط المستوطنين، ومدى نجاعة لجان التحقيق بمعرفة أوجه الإخفاقات الأمنية التي تقع لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية، وتحديات الأبحاث الاستخبارية التي تنفذها هذه الأجهزة.
إن عالم الاستخبارات الإسرائيلية مكون من ثلاث مسارات أساسية، كل مسار مختلف عن سواه.
المسار الأول: يتعلق بحسن جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية المفيدة، وإجراء الأبحاث العملياتية، وتقييم الموقف لدى الخصوم والأعداء الذين يتربصون، والهدف الأساسي للمسار يتعلق بتوفير المادة المعلوماتية الخام المفيدة لدوائر صنع القرار في “إسرائيل” على كافة المستويات التنفيذية.
المسار الثاني: يتعلق بعمل رجال الاستخبارات الإسرائيلية أنفسهم، بما في ذلك وحدات جمع المعلومات، والمشاركين في الحروب الخفية، ومن ينشغلون بإعداد بنك الأهداف.
المسار الثالث: وهو المهام التي تقوم بها الوحدات السرية الإسرائيلية لتنفيذ هجمات أمنية داخل صفوف أعدائها، ومحاولات التأثير عليهم، بما في ذلك خوضها للحرب النفسية.
وقد شهدت العقود الأخيرة تحولات جوهرية في عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في ظل التطورات الجيو-سياسية، وما يتعلق بالعولمة، وتفكك بعض الدول المحيطة لاعتبارات إثنية وقومية، بجانب حالات الضعف التي أحاطت بالدول الأم، والاعتبارات الأمنية، والبنى الاجتماعية، والمسائل التكنولوجية، بما فيها حروب السايبر والأقمار الصناعية. كل ذلك أدى في النهاية لعثور الجماعات المعادية لإسرائيل من المنظمات التي تمارس الحرب غير المتماثلة على ثغرات يمكن الاستفادة منها، والتأثير من خلالها على جدول الأعمال الإقليمي والدولي.
وقد أسفرت هذه التطورات مجتمعة إلى مخاطر على صعيد الأمن الإسرائيلي، حيث بات يواجه اليوم الخطر المتمثل بالمنظمات المسلحة، والصعوبة التي تعترض “إسرائيل” وحلفاءها في ذلك، كما وفرت حروب السايبر لهذه المنظمات مصادر جديدة لجمع المعلومات، ولتحسين أدائها واستخدامها في الحروب.
في مجال آخر ورغم توضيح كافة المهام لكل الأجهزة الأمنية والأذرع الاستخبارية، فليس هناك من تفصيل دقيق لأهداف كل منها، وطبيعة الأداء الذي يجب أن تقوم به في إطار الدور السياسي المناط بها، وهذا ما يدفع لطرح جملة من الفرضيات التي تبحث في الأهداف التي من أجلها أنشئت هذه الأجهزة، وطريقة عملها، لأن عالم المخابرات مكون من بناء تقليدي، قد لا يتناسب بالفعل مع حجم التحديات الأمنية والاحتياجات الإستراتيجية التي تواجه “إسرائيل”.
بمعنى آخر، فإن عالم المخابرات الإسرائيلية ليس لديه قيادة أو رأس أو مدير يديرها مجتمعة، وتفتقر للمؤسسات العامة، باستثناء لجنة رؤساء الأجهزة، التي تعتبر في بعض الأحيان جسمًا تنسيقيًا بديلًا، لكنها على أرض الواقع تفتقر للصلاحيات والوصول بهذه الأجهزة إلى قرار الحسم.
وبالتالي فلا يوجد في مؤسسة الاستخبارات الإسرائيلية خطة عمل مشتركة، وليس هناك تنسيق في مجال بناء القوة بين الأجهزة الأمنية المختلفة، وأكثر من ذلك تفتقر هذه الأجهزة المكونة لعالم الاستخبارات للرؤية العامة التي تحدد بموجبها التحديات الماثلة أمام الكيان الصهيوني.
ففي حين أن جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” تابع إداريًا وتنظيميًا لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، والموازنة المالية التي يحصل عليها جزء أساسي من موازنة الجيش، إلا أن جهازي الشاباك والموساد تابعان مباشرة لرئيس الحكومة، وتعتبر موازنتهما جزءًا أساسيًا من موازنة مكتبه، وبالتالي ليس هناك من جسم إداري تنظيمي يحدد طبيعة الموازنات، وآلية صرفها، ومجالات الإنفاق فيها. هذا الواقع المليء بالتحديات الاستراتيجية والمخاوف الأمنية من شأنه زيادة مستوى التوتر بين تلك الأجهزة، والخلافات التي قد تعصف بـ “الرؤية الأمنية” للكيان العبري كله.
وإذا كانت سنوات الثمانينات من القرن العشرين قد أكدت بما لا يدع مجالًا للشك أن “الجيش الإسرائيلي” هو الجسم الأكثر مركزية وأهمية في “إسرائيل”، لمواجهة التهديدات الأمنية الخطيرة القادمة من الخارج، فإن الأمر اليوم يبدو مختلفًا جدًا بعد التراجع النوعي في قيمة ووزن الجيش بعد سلسلة الحروب التي خسرها أو خسر فيها عنصري الردع والحسم.
ولذلك فثمة قناعات جديدة لدى أوساط إسرائيلية عديدة مفادها أنه لابد لتلك الأجهزة الأمنية من جسم تنسيقي بينها، يرعى مصلحة الأمن القومي من الخارج، وهذا الجسم من الأفضل أن يكون من خارج “وزارة الدفاع”، ومن الممكن أن يتحقق بالفعل إذا كانت هناك إدارة مركزية للعمليات الأمنية من جهة، ومن جهة أخرى وجود إدارات عامة تعمل على تنظيم أداء هذا الجسم التنسيقي.
يبدو من اللازم الإشارة إلى أن الكيان العبري يجهد منذ 50 عاماً لوضع آلية إدارية جديدة، تؤسس لإنشاء إدارة مركزية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، تكون مسؤولة عن تنظيم شؤونها مجتمعة، ويكون من مهامها الإحاطة بمختلف جوانب العمل الاستخباري، والاهتمام بتوفير الظروف الأمنية الأكثر ملاءمة لعملها، على أن يكون رئيسها تابعًا بصورة مباشرة لرئيس الحكومة، ومقبولًا من قبل وزير الدفاع، خاصة وأن إدارة من هذا النوع متوفرة في عالم الاستخبارات الأمريكية، وقد طالبت بها لجان تحقيق أمنية تم تشكيلها في “إسرائيل”.
في الحديث عن طبيعة العلاقة بين الواقع الذي تحياه المؤسسات الأمنية الإسرائيلية اليوم، وحجم الطلب المرجو منها، سواء من قبل المستوى السياسي والعسكري، بالإمكان الحديث عن أبرز الأدوار والتكليفات التي أنيطت بعالم الاستخبارات الإسرائيلية، وما يتعلق بها من مواصفات وشروط هامة.
ومن أبرز هذه المهام:
_ العمل السري في جبهة واسعة.
_ مشاركة أكثر من جهاز أمني إسرائيلي خلال استخدام الجيش لنيرانه الحية.
_ انخراط أجهزة الأمن الإسرائيلية في مهام “الحرب على الوعي”.
_ من خلال التأثير على الرأي العام في مكان ما.
_ إحباط عمليات معادية عبر الاستعانة بأدوات ميدانية، والكشف عنها بوسائل سرية.
أولاً: ملاحظات عامة على الاختلالات الاستخبارية ومشكلة التنسيق في المجتمع الاستخباراتي:
1. إن الشكل الذي ظهر فيه التحدي منذ المعركة مع حزب الله في حرب تموز 2006 إلى تحدي المقاومة الفلسطينية بمعركة ” سيف القدس” في أيار 2021 جسد للكثيرين في “إسرائيل” وخاصة في مجتمعي الاستخبارات والعسكر حدوث تغيير طويل الامد في قوة تهديد ذاك التحدي وتحوله إلى تهديد خطير ممتد على أمن إسرائيل بسبب قدراته على الصعيد الاستخباراتي ونجاحه في تحديد نقاط الضعف القاتلة للتجمع الاستيطاني، وتركيز الهجمات عليها.
2. إن “معضلة انعدام التنسيق المزمنة بين أجهزة كيان الاحتلال الامنية” إذا ما تم التعمق بما وراءها بالدراسة والتحليل تثبت فشل المنظومة الاستخباراتية الاسرائيلية كاملة حيث أن حجة عدم التنسيق تعتبر في رأي العارفين بألف باء الاستخبارات أقل الاسباب تأثيراً على الاختلال الاستخباراتي الكبير والذي بات يميل بشدة في العقدين الاخيرين لصالح محور المقاومة في مقابل فيلق أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية المكون من عدد كبير من الأجهزة والأقسام والوحدات التي يعمل 95% منها على فيلق القدس حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي.
3. أن “البنية التنظيمية” لأجهزة الاستخبارات واهية، وليست مناسبة بصورة كافية لمواجهة التحديات الأمنية الجديدة “لدولة” كيان الاحتلال، لأنه ليس لمجمع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مركز أو رئيس أو مدير، وليس لديها منظمات للإشراف عليها باستثناء لجنة رؤساء الأجهزة، وهي هيئة تطوعية لا تملك صلاحيات ولا نظامًا للحسم، ونتيجة لذلك فإنه ليست لدى الأجهزة خطة عمل مشتركة، ولا تنسيق في مجال بنية القوة بين أجهزة الاستخبارات المختلفة ولا نظرة شاملة لرصد الموارد لهذه الأجهزة”.
4. أن الصعوبة في عدم التعاون بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية “مرتبطة الى حد كبير بانعدام الوضوح النابع من مشاكل جذرية في جهاز الأمن القومي بمجمله”.
5. أن ضبط عشرات شبكات التجسّس التي عملت لحساب “إسرائيل” في لبنان، يعكس الاحتكاكات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي تنشط في لبنان، وهي “الموساد” وشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” وجهاز الامن العام “الشاباك”. وان “محاولات عقد معاهدة لتوزيع العمل بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لم تنجح دوماً في حلّ الاحتكاكات بينها”.
6. بالنظر إلى مهمة جهاز الاستخبارات العسكرية الأساسية المحددة قانوناً وهي العمل الأمني والاستخباري لصالح الجيش ومختلف الأجهزة الرسمية الإضافية العاملة في مجال الأمن والعلاقات الخارجية، وجوهر عمله البيئة الاستراتيجية المحيطة بالكيان. فإن الخلل الكبير في استثمار المعلومات المجمعة في هذا الجهاز. ففي حين يعتبر جهاز الأمان أكبر جهاز استخباري في الكيان فإنه يتبع للجيش وبينه وبين القيادة العامة للقوات المسلحة مانعين تنظيميين هما:
_ هيئة استخبارات الجيش التي تضم جميع الافرع العاملة في قسم أمان والتي يديرها ويترأسها مسؤول الاستخبارات العسكرية. وهذه الهيئة تتحكم بكامل مدار المعلومات وتستثمرها لخدمة الجيش ولا يصل من نتاجها عادة إلا القليل للمستوى السياسي.
_ قيادة الاركان وهي هيئة متخصصة تضم أذرع الجيش إضافة إلى ذراع الاستخبارات وهي هيئة مستقلة تناقش القرار العسكري وتديره ولا يصل من مداولاتها إلا القليل أيضاً للمستوى السياسي.
7. إذا لاحظنا حجم سعة مسؤولية واهتمام الاستخبارات العسكرية وحجم الموارد المادية والبشرية التي تكلف الكيان لضمان تشغيلها، فإن المستوى السياسي لا يستفيد منها بقدر جهازي الموساد والشين بيت التابعين له والذين تصرف عليهما مجتمعين موارد أقل من قسم من أقسام الاستخبارات العسكرية المتعددة.
8. يعد “أمان” بمساعدة أذرع استخباراتية أخرى “الدينامو” الأساسي داخل منظومة المخابرات الصهيونية فيما يتعلق باستخلاص التقديرات الاستخباراتية ووضعها؛ كونه الهيئة الوحيدة التي تقوم ببحث كل عناصر التقديرات الاستخباراتية؛ مما يؤهله للقيام بعملية فلترة لها، وتقديم تقديرٍ استخباراتي قومي شامل، في حين أنَّ الوحدات البحثية في الأجهزة الاستخباراتية الأخرى تقوم بوضع تقديراتٍ استخباراتية في مجالات أخرى، غير متعلقة بما يقوم به أمان؛ إلا إنّه في جزء منها يوجد ارتباط بين جميع المجالات البحثية في الأجهزة الاستخباراتية كافة.
9. دائرة البحوث في جهاز الاستخبارات العسكرية تعتبر جهاز أمن قومي مستقل: فهي من أهم الدوائر في جهاز الاستخبارات العسكرية؛ حيث إنها تقوم برسم الصور الاستخبارية الكاملة، وتقدم تقارير عن مختلف الساحات بما فيها الساحة الدولية والساحات المحلية، ومهمتها الرئيسة رسمُ خريطة الخصومات، وتحديدُ الفرص والسيناريوهات التي تنتظر كيان الاحتلال، ووضع بنية تحتية للرد التنفيذي والسياسي الاسرائيلي على السيناريوهات المتوقعة، وتقوم بتزويد التقييمات الاستخبارية الشاملة إلى المستوى السياسي في إطار التقييم السنوي، وكذلك في الأحداث المعقدة والحروب، التي تتطلب تكاملًا بين مواضيع عديدة: عسكرية، وسياسية، واقتصادية، وتجاه جميع الدول والمنظمات المشاركة. فقط في وحدة البحث يتم إجراء بحث عميق تجاه جميع هذه المواضيع، وتشمل دائرة البحوث خمسة قادة لساحات مركزية، وهي: الساحة الفلسطينية، والساحة اللبنانية، والساحة الشمالية الشرقية: سوريا، والعراق، وإيران، وساحة دول المنطقة والقوى العظمى، وساحة أخيرة فنية مسؤولة عمليًّا عن كل العالم.
10. أصاب “الموساد” مع مرور الوقت، كجهاز تجسسي سري يعمل في “الظلمة” بعيدًا عن الاضواء وخارج اطر الرقابة القانونية والقضائية، الكثير من مظاهر الفساد والترهل والتضخم، كما اعترف العديد من كبار مسؤوليه السابقين، مما ولّد دعوات متكررة بين فترة واخرى، لا سيما بعد كل فضيحة كبرى او فشل ذريع تعرض له “الموساد”، وتسرب ذلك الى وسائل الاعلام، الى ضرورة اجراء اصلاحات واعادة تنظيم جذرية لأقسام وهياكل وحتى مهام ووظائف الجهاز الذي لا يتم الاعلان عن حجم الميزانيات والاموال التي تنفقها عليه خزينة الدولة العبرية، اذ تبقى ميزانيته السنوية كغيره من اجهزة الاستخبارات السرية الاسرائيلية، كبند سري ضمن الموازنة العامة للدولة… ولكن هذه الاصلاحات والتغييرات التنظيمية والبنيوية التي كان الجهاز بحاجة ماسة لها خلال السنوات الاخيرة على وجه الخصوص، كما تردد في تقارير صحافية اسرائيلية عديدة، لم تتم او على الادق لم تستكمل منذ فترة الرئيس الثامن للموساد، داني ياتوم، الذي كان يعول عليه كثيرا كجنرال عسكري مرموق سابق، في انجاز هذه المهمة الصعبة، على ضوء استقالته المبكرة بعد اقل من نصف فترة ولايته المقررة.
11. من الملاحظ واللافت للنظر ان “الموساد”، الذي يخضع النشر عن نشاطاته وعملياته لرقابة عسكرية مشددة في اسرائيل، ينشط دومًا لا سيما بعد كل فضيحة او فشل ذريع يرتبط اسمه بهما، في تسريب معلومات وتقارير الى وسائل الاعلام، احيانًا بواسطة صحافيين اسرائيليين واجانب “مقربين”، واحيانا اخرى عن طريق عملاء ومسؤولين “سابقين” في الجهاز، وتتسم هذه التقارير والمعلومات المسربة غالبا بطابع “التمجيد بمآثر ونجاحات” سابقة تنسب للموساد، و”الدفاع عنه” في غمرة فضيحة او فشل يمنى بهما.حتى قيل إن: “90 في المئة من مهمات وطاقات الموساد توجه نحو جمع المعلومات، وهي عمليات سرية لا يعلم بها الجمهور. وقسم صغير فقط من نشاطاته يعتبر عمليات (عنيفة) و(صاخبة)، وفشل هذه العمليات او نجاحها يضع الموساد في صدارة العناوين”.
12. على رغم ما يبديه “الموساد” والقائمون عليه من حرص شديد حتى الان على فرض قاعدتي “السرية والتنصل” حول نشاطات وعمليات الجهاز، الا ان التسريبات، التي تمت بقصد او دون قصد، سمحت بتكوين اطلالة معينة على سجل “النجاح والفشل” للعمليات التي نفذها “الموساد” او نسب له الوقوف وراء تنفيذها.
ثانياً: أهم أسباب الخلافات في مجتمع المخابرات الإسرائيلية:
1. الأسباب التي أدت وتؤدي إلى الخلافات، بعضها يعود إلى الطموح الشخصي وبعضها الآخر يعود للأسباب المؤسسية بسبب تداخل الاختصاصات.
2. محفزات خلافات داغان – يدلين وكوخافي (عندما كان مسؤولاً عن الاستخبارات العسكرية) باردو، انعكست في عدم انسجام تخمينات جهاز الموساد وتخمينات جهاز أمان.
3. لا توجد حدود واضحة لاختصاصات الأجهزة الأمنية وفي الوقت نفسه لا توجد حدود واضحة لنطاق سلطة الأجهزة الأمنية.
4. أدى تداخل الاختصاصات إلى سعي كل جهاز إلى ممارسة سلطته ضمن نطاق يتداخل ويتقاطع مع نطاق واختصاصات وسلطات الأجهزة الأخرى.
5. الخلافات بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية برزت مؤخراً بشكل واضح على خلفية تخمينات هذه الأجهزة إزاء ملف الخلافات الأمريكية – الصهيونية وملف تقدير النوايا الايرانية ومخططات محور المقاومة (معركة سيف القدس) وملف عملية التطبيع وملف مبادرة السلام العربية وملف الخلافات الأوروبية – الصهيونية، وبكلمات أخرى فقد تضاربت هذه التخمينات مع بعضها البعض إضافة إلى أن بعضها كان يتعاكس مع توجهات حكومة ائتلاف الليكود – إسرائيل بيتنا ومع كل حكومات الائتلافات الهشة التي تلتها بزعامة نتنياهو ولم تنتهي مع انتهاء حقبة نتنياهو وتشير الوقائع الثابتة منذ بداية ظهور هذه الخلافات بشكل علني إلى أن رئيس جهاز الموساد داغان سعى للقيام بدور الرجل القوي داخل مجتمع المخابرات بشكل أدى إلى تصاعد المواجهة بينه وبين رئيس المخابرات العسكرية (أمان) ورئيس جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) او الشاباك.
6. أقرت “دولة” كيان الاحتلال بإنشاء مجتمع للمخابرات الإسرائيلية ليشكل فنياً وليس قانونياً الكيان المؤسسي الرسمي الموحد المعني بعملية إنتاج المخابرات.
7. أن أزمة الصلاحيات والاختصاصات أصبحت تأخذ بعداً أكثر تعقيداً وتشير المعطيات إلى أن صيغة توازن القوى بين أجهزة المخابرات ظلت لفترة طويلة تقوم على أساس اعتبارات الاختصاص المكاني الجغرافي:
_ “الموساد” هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الخارجية.
_ الشين بيت هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الداخلية بما يشمل “دولة” كيان الاحتلال والأراضي المحتلة.
_ أمان هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الجارية في المناطق الحدودية وخصوم “دولة” كيان الاحتلال.
على خلفية معطيات خبرة التقارير التقييمية تم تشكيل مجتمع المخابرات الإسرائيلية بما يتيح الآتي:
_ تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الاسرائيلية.
_ تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الاسرائيلية و”السلطة التشريعية” (الكنيست).
_ تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الاسرائيلية و”السلطة التنفيذية” (مجلس الوزراء).
_ توحيد مجرى التخمينات الدورية والطارئة.
8. بمرور الزمن أصبح جهاز المخابرات العسكرية (أمان) يقوم ببعض الأنشطة المخابراتية الموازية لأنشطة الموساد والشين بيت، وبسبب تقاطع وتضارب الاختصاصات تم في عام 1999، وتحديداً في فترة وزارة إيهود باراك، إنشاء لجنة خاصة لدراسة كيفية تقسيم الصلاحيات والاختصاصات بين الأجهزة، وأعقب ذلك قيام رئيس الوزراء إرييل شارون في عام 2004 بتعيين دان ميريدور للقيام بالوساطة في حل أربع نزاعات كانت تدور بين أجهزة المخابرات:
_ نزاعان بين الموساد وأمان.
_ نزاعان بين الموساد والشين بيت او الشاباك.
وتقول المعلومات أن ميريدور الذي تولى وزير شؤون المخابرات والطاقة الذرية في حكومة نتنياهو سعى جاهداً إلى حل الخلافات الدائرة في مجتمع المخابرات الإسرائيلي.
برغم توجيه رئيس الوزراء فإنه لم يحدث أي تحسن جوهري في التعاون بين أجهزة المخابرات الاسرائيلية. إضافة لذلك، فقد تحدث التقرير الذي أعده المحللان السياسيان الاسرائيليان عاموس هاريل وأنشيل بفايفر أنه برغم التقارير العديدة فإن أجهزة المخابرات الإسرائيلية ما زالت تقوم بالمزيد من الأنشطة المتوازية في بعض المجالات بما جعل من الاحتكاك بين هذه الأجهزة ظاهرة تبدو بلا نهاية، وما أدى إلى النزاعات والخلافات والمشاجرات إضافة إلى التوتر الذي استمر طويلاً بين دايان ويالدين.
9. خلال قيام يوفال ديسكين رئيس الشين بيت بتقديم إفاداته وتخميناته أمام مجلس الوزراء تدخل بنيامين نتنياهو وقاطعه طالباً منه السكوت وعدم الحديث عن عملية السلام، وتقول التسريبات أن عبارة نتنياهو كانت “… عندما يتعلق الأمر بعملية السلام يجب أن تبقى بعيداً…”، ثم أضاف نتنياهو ” عليك أن تركز تقريرك على المسائل المتعلقة باختصاصك.. وأن تفهم أن المسرح الدبلوماسي لا يقع ضمن مسؤولية الشين بيت..”، أما ديسكين فقد رد على نتنياهو قائلاً “.. سيدي، في الماضي كنا أيضاً نشير إلى هذه المسائل.. وإذا كنت تريد الأمر بطريقة مختلفة فسوف يكون ذلك مختلفاً..”، وبعد ذلك توقف عن تقديم الإفادات لفترة من الوقت. ونقلت التسريبات الاسرائيلية أن سبب مشكلة نتنياهو وديسكين يعود إلى عوزي اراد الذي يتولى منصب مستشار الأمن القومي وتقول المعلومات أن خلافات اراد ليست مع رئيس الشين بيت يوفال ديسكين وإنما مع مائير داغان رئيس الموساد وعاموس يدلين رئيس جهاز أمان، وتقول المعلومات أن سبب الخلاف يتعلق بالملف النووي الإيراني وأن مستشار الأمن القومي الصهيوني عوزي اراد ترأس وفداً صهيونياً زار العاصمة الأمريكية وخلال مباحثاته تبين له أن تخمينات المخابرات الاسرائيلية لم تكن مواتية بالشكل الكافي الذي يعزز منظور مجلس الأمن القومي الصهيوني. وتشير التوقعات إلى أن اراد حاول التخلص من رؤساء المخابرات في ذلك الوقت ولكن المشكلة التي واجهته تمثلت في كيفية التغلب على الجنرال إيهود باراك الذي كان يتولى منصب وزير الدفاع ودوره المؤثر في تحديد مدى صلاحية رؤساء الأجهزة الأمنية.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا