محمد وهبة- الاخبار
لا تسوية على حقوق العمال، هو الشعار الذي يُفترض أن يرفعه رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر. لكن هذا الأخير يمثّل جهتين: رئيس مجلس النواب نبيه برّي وأصحاب العمل. من النادر رؤية ممثل لأصحاب العمل في موقع رئيس الاتحاد العمالي العام، لكن الواقع أنه يمثّل شريكين في منظومة ما بعد الطائف يحاولان لملمة خسائر الانهيار بتسوية على حقوق العمال. هذه التسوية التي سقطت أمس مؤقّتاً في انتظار محاولة جديدة برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي
عند الخامسة والنصف من مساء أمس، حضر إلى مكتب ميقاتي ممثلو أصحاب العمل برئاسة شقير وممثلو العمال برئاسة الأسمر، وانتظروا حضور بيرم الذي تبيّن بعد سلسلة اتصالات أنه لن يحضر رفضاً لمضمون الاجتماع؛ إذ إنه أُبلغ بأن الاجتماع مخصّص لمناقشة تصحيح الأجور، وليس لإعلان اتفاق لا يعلم عنه شيئاً. وعندما علم بأمر الاتفاق الذي يشكّل محاولة لتجاوز قانون الضمان وقضم حقوق العمال، قرّر الامتناع عن الحضور وأبلغ موقفه لميقاتي. وقد جاء في الاتفاق الآتي:
في موضوع زيادة الأجور والضمان الاجتماعي، تم الاتفاق مع المدير العام للضمان محمد كركي والاتحاد العمالي العام على اقتراح يقضي بالآتي:
– اعتماد إعطاء مساعدة مالية قدرها مليون و325 ألف ليرة كزيادة للعمال وإخضاع هذا المبلغ لاشتراكات الضمان الاجتماعي.
– رفع سقف استيفاء الاشتراكات في فرع المرض والأمومة من 2.5 مليون ليرة إلى 4.5 ملايين ليرة.
– إقرار قانون لإعفاء المساعدات الاجتماعية على أنواعها والتي تم دفعها في أعوام 2020 و2021 و2022 من خضوعها للضمان والمالية.
– إقرار قانون يتعلق بتعويضات نهاية الخدمة يفصل ما قبل عام 2021 وما بعده، على أن يتم وضع نموذج عادل يمكن تطبيقه لتعويض نهاية الخدمة يتم إعداده مع شركة IDS التي تم اقتراحها من قبل الضمان الاجتماعي.
– إعفاء المؤسسات من الديون المتوجبة عليها للضمان قبل عام 2006.
بيرم عزا غيابه إلى رفضه «التفاوض على حقوق العمال التي وردت في الاتفاق» بحسب ما قال لـ «الأخبار». وأشار إلى أن «أكثر ما هو مستفزّ في الاتفاق أنه يلغي لجنة المؤشّر ويربط بين حقوق العمّال بتصحيح أجورهم مقابل إعفاءات يحصل عليها أصحاب العمل». ولفت إلى أن «لجنة المؤشّر عقدت العديد من الاجتماعات في الأشهر الأربعة الماضية من دون أن يتاح لها التوصّل إلى نتيجة. ورغم الانفتاح الكبير الذي أبديناه ظهرت العرقلة بوضوح لأي اتفاق يمنح العمال بعضاً من حقوقهم في غلاء المعيشة. في الاجتماع الأول كان النقاش ينطلق من زيادة سريعة لتصحيح الأجور في انتظار التوصّل إلى أرقام نهائية بشأن تضخّم الأسعار وغلاء المعيشة. ويوم طُرحت زيادة بقيمة مليون و325 ألف ليرة، كان سعر صفيحة البنزين 60 ألف ليرة، ولم يكن سعر الدولار تجاوز 14 ألف ليرة. لكنّ ممثلي أصحاب العمل رفضوا هذه الزيادة وطالبوا بإعفائهم من التصريح عن أي زيادة للأجراء واعتبارها مساعدة لا يُصرّح عنها للضمان، وأن لا يتم التصريح عن أي زيادة يُتفق عليها».
من يومها بات واضحاً أن المشكلة صارت متّصلة بتسويات نهاية الخدمة التي يحاول أصحاب العمل التهرّب منها. لكن هذه التسويات منصوص عنها في قانون الضمان وأنظمته، وبالتالي فإن الهروب منها يعني تعديلاً في القانون يفترض أن يقرّه مجلس النواب. وإقراره في المجلس سيكون أسهل من أن تتصارع أطراف السلطة لتجد من يتبناه، ويتحمّل وزير اتهامه بقضم حقوق العمال. لذا كان الأفضل عقد اتفاق يوافق عليه الضمان الاجتماعي ممثلاً بالمدير العام، والاتحاد العمالي العام بصفته ممثّل العمال، وهيئات أصحاب العمل بصفتهم يمثّلون المؤسّسات. وهذا بالفعل ما حصل، فبعد زيارة قام بها وفد أصحاب العمل إلى الرئيس نبيه برّي، استدعى شقير كركي والأسمر ومديري المالية والجمارك واتفق معهم على صيغة أولية تضمنت الآتي:
– اعتماد مبلغ مليون ومئة ألف ليرة، لاستيفاء اشتراكات الضمان كحدّ أدنى.
– دفع 900 ألف ليرة كمساعدة اجتماعية لا تخضع لاشتراكات الضمان الاجتماعي ولا تدخل ضمن تعويض نهاية الخدمة.
– كل المبالغ التي دُفعت كمساعدات اجتماعية عامَي 2020 و2021 والتي ستُدفع عام 2022، تُحتسب مكافأة ولا تخضع للضمان ولا تُحتسب ضمن تعويض نهاية الخدمة.
– استكمال العمل على موضوع معالجة تعويض نهاية الخدمة والحد الفاصل ما قبل عام 2021 وما بعده بشكل يحفظ استمرارية المؤسّسات والشركات وحقوق الموظفين في آن.
في الجلسة التي عُقدت بين أصحاب العمل وكركي، اقترح الأخير العمل على إقرار قانون لإعفاء المساعدات الاجتماعية التي دُفعت في أعوام 2020 و2021 و2022 من خضوعها للضمان وللمالية، وأن يُعتمد مبلغ مليون و325 ألف ليرة زيادة للعمال يدخل منها 700 ألف ليرة في صلب الراتب و625 ألف ليرة تُعتبر مساعدة اجتماعية، والعمل على إقرار قانون يتعلق بتعويض نهاية الخدمة يفصل ما قبل عامَي 2021 و2022 وما بعدهما وإعفاء المؤسّسات من الديون المتوجبة للضمان والعائدة لما قبل عام 2006.
عملياً، سقط الاقتراح الأول، قبل أن يُتفق على الثاني بعد تضمينه زيادات زهيدة على معدلات الاشتراك لا تنتشل الضمان من حالة الإفلاس التي وقع فيها. وفي المقابل فاز أصحاب العمل «بإعفاءات مليارية» على حدّ تعبير بيرم وفرضوا نمطاً من علاقة الابتزاز التي يمارسها أصحاب العمل من خلال ربط حقّ تصحيح الأجور وغلاء المعيشة بإعفاءات تنسف جوهر الفكرة من علاقة التكافل والتضامن التي قام عليها الضمان بعد عقود من نضال العمال لتحصيل مكاسب يتم تضمينها في قانون الضمان. باتفاق سخيف كهذا، يسعون إلى ضرب ما تبقّى للعمّال من ضمانات لشيخوختهم.